العدد 276 - الأحد 08 يونيو 2003م الموافق 07 ربيع الثاني 1424هـ

بحاجة إلى استراتيجية وإلى «قيصر» لتنفيذها

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

عندما كانت بريطانيا تتصدر العالم صناعيا في القرن الثامن عشر لم يكن ذلك التطور بسبب ازدياد عدد المخترعين والنشاطات البحثية والتجريبية فحسب، وليس فقط بسبب تركيزها على صناعات مهمة في تلك الفترة (مثل النسيج والحديد والصناعات الهندسية)، وانما الاهم من ذلك هو وجود اجواء حميمة لأصحاب الاموال والتجار والمستثمرين لاستغلال تلك الامكانات، ووجود إدارة حكومية تنسيقية لهذه الاستثمارات، ووجود استراتيجية واضحة توجه الانتاج في البلاد.

وفي القرن التاسع عشر استطاعت المانيا اللحاق ببريطانيا بل والتفوق عليها، وفي نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين بدأت اميركا تتفوق على بريطانيا والمانيا. ولكن التفوق الالماني والاميركي لم يأتِ عن طريق المصادفة، وانما بسبب تغييرات جوهرية أجرتها تلك البلدان في مؤسساتها الرسمية التي طورت نظاما يشجع على الابداع ويشجع على تحويل ذلك الابداع إلى استثمارات تنموية مستديمة.

فلقد درست ألمانيا أسباب نجاح بريطانيا وقامت بتغيير مناهج تعليمها وتدريبها، واستطاعت تخريج مهندسين وعلماء وانتاج بحوث علمية، وطورت انشطتها التطويرية، وربطت بين المدارس والجامعات والمصانع والشركات، وبالتالي أحدثت طفرة نوعية في قدراتها الهندسية والانتاجية والاستثمارية والادارية وفاقت اختراعاتها العلمية الدولة التي سبقتها في هذا المجال بعقود عدة.

وهكذا فعلت اليابان لاحقا (في الستينات والسبعينات والثمانينات وقبل أن تصاب بالكساد في التسعينات) عندما تغلبت على عدد من الدول الاوروبية وعلى اميركا (في بعض المجالات فقط)، وحققت انتاجية تعتمد على الجودة المتفوقة عالميا، واستطاعت ان توفر للمستهلك العالمي منتجات كثيرة. واليابان اعتمدت في نجاحها (حتى نهاية الثمانينات) على دور واضح جدا قادته وزارة الصناعة والتجارة الدولية. فقد وجهت الوزارة الانشطة اليابانية إلى الاستثمار في التكنولوجيا المتطورة التي توفر منتجات يبحث عنها الزبون خارج اليابان (ولذلك اسمها التجارة الدولية)، وطورت الاقتصاد الياباني الذي اعتمد على التصدير إلى المستهلك الخارجي. وعلى رغم كساد الحركة الاقتصادية لليابان فإن الفائض الموجود لدى مصارف اليابان والخزانة اليابانية من سنوات النجاح مازال يمتص أتعاب التسعينات التي طرأت واستمرت بسبب تغير الظروف.

في جميع الحالات الناجحة فإن الحكومة تكون طرفا مساعدا وموجها لتحديد الرؤية المستقبلية للبلاد. وهذه الرؤية ليس من الضروري ان تكون دقيقة في كل تفاصيلها، ولكن الهدف منها هو توجيه استثمارات القطاع الخاص بينما تقوم الحكومة بالاستثمار في البنى التحتية من مواصلات واتصالات وخدمات طاقة ومياه وتسهيلات للحصول على قروض مسهلة وأراضٍ منخفضة الكلفة من اجل تطوير صناعة معينة. فاذا كانت اليابان قد حققت نجاحات في صناعة «الروبوت» مثلا، فإنك سترى برامج كثيرة واستثمارات كبيرة من الحكومة في البنى التحتية وإعادة صوغ لمناهج التعليم المدرسي وتحفيزات كبيرة للدفع في هذا الاتجاه. بمعنى آخر، فإن اليابانيين لم يناموا ويحلموا ثم استيقظوا ليجدوا أنفسهم من افضل البلدان في هذا المجال...

البحرين شهدت خلال السبعينات طفرة في مستوى المعيشة بسبب تحسن مدخول البلاد من النفط، ولكن هذه الطفرة كانت الامل في ان تتحول إلى مستوى دائم الارتفاع مع توجيه البلاد إلى قطاعات غير نفطية لان بلادنا ليس لديها نفط كثير كدول الجوار. والبحرين كانت - ومازالت - مؤهلة لتنويع مصادر دخلها من خلال تطوير عدة قطاعات تعتمد على العنصر البشري. وكما تم ذكره يوم أمس فإن القطاعات المرشحة للتطوير والنمو المستديم المعتمد على الموارد البشرية المدربة تدريبا مناسبا والملائمة للبحرين تشمل: التعليم والصحة وتقنية المعلومات والاتصالات والتدريب والسياحة والصيرفة والإعلام والنشر وعددا من الصناعات التكميلية (الخفيفة). ولكي تتحرك هذه القطاعات ضمن استراتيجية واحدة فإننا بحاجة إلى جهة مماثلة لوزارة التجارة الدولية والصناعة اليابانية التي كانت تقود العمل بشكل واضح، ونحن بحاجة إلى هيئة لها نفوذ أوسع من نفوذ وزير، كما هو الحال مع الدول الاخرى. ففي بريطانيا يعين رئيس الوزراء بين فترة وأخرى شخصا لمهمة معينة (يطلق عليه لقب «قيصر») والذي بدوره يقوم بتوجيه جميع دوائر ووزارات الدولة باتجاه هدف استراتيجي معين (وتوجد عدة انواع من هؤلاء تشمل مهماتهم أمورا كثيرة بما في ذلك مكافحة المخدرات). واللقب الصحافي «قيصر» انما هو اشارة إلى الصلاحيات الواسعة التي يمتلكها مثل هؤلاء الاشخاص لتحقيق هدف استراتيجي معين عبر صلاحيات واسعة. وفي البحرين نحن بحاجة إلى الرؤية الاستراتيجية ومن ثم بحاجة إلى «قيصر» لتنفيذ هذه الاستراتيجية. فإذا كانت لدينا فكرة عن إعادة هيكلة سوق العمل، فنحن بحاجة إلى «قيصر» تفوق صلاحياته صلاحيات الوزراء الذين تدخل ضمن اطار عملهم شئون سوق العمل.

وإذا كانت لدينا فكرة للتأمينات والتقاعد (قبل أن تفلس المؤسستان خلال عشرة سنوات من الآن) فإننا بحاجة إلى «قيصر» لشئون التقاعد (بعد تحديد الرؤية الاستراتيجية طبعا). ولكي نبدأ كل ذلك، نود تحديد الاستراتيجية أولا..

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 276 - الأحد 08 يونيو 2003م الموافق 07 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً