العدد 280 - الخميس 12 يونيو 2003م الموافق 11 ربيع الثاني 1424هـ

البرهامة... بين الأمس واليوم

البرهامة قرية صغيرة الحجم، كبيرة المعنى، وديعة... هادئة، أهلها طيبون... محسنون محبون للخير، يهبون لنجدة المحتاج، يتزاورون فيما بينهم، يستشعرون بالآخرين يتبادلون الاطعمة لزيادة المودة، ولا سيما في شهر رمضان المبارك هذه القرية تقع بين منطقتي النعيم والسنابس، إلا انها منفصلة عنهما تماما، تربطهم أواصر المحبة والالفة، لها عدة مداخل، تحيطها مبان شيدت حديثاو مشاتل وحظائر الماشية، وكلها لا تعود عليها بالنفع. هذه برهامة اليوم، أما برهامة الامس فهي خلاف ذلك، جميلة، صحية مستورة، لا تعرف الازعاج ولا الضجيج، فالبحر يطل عليها من جهة الشمال، والبساتين تحيطها من بقية الجهات، لها مدخل رئيسي واحد من جهة الجنوب، يتصل بشارع البديع العام أما اذا تحدثنا عن البستان الواقع إلى جهة الشرق فهو جميل بخضرته ومائه العذب، توجد به الكثير من النخيل ذات الرطب المختلف، كما توجد به عين يسبح فيها أبناء القرية ويشربون من مائها، وكانت امهاتنا تغسل الملابس من مائها الجاري، وتجلب الماء للمنازل بهدف تزويدها، كما يوجد مكان مسقوف بسعف النخيل، يرتاده آبائنا عند المساء ليرتاحوا من عناء عملهم، ويتبادلوا شتى الموضوعات عن حياتهم.

أما البستان الآخر، فيقع ناحية الغرب، توجد به أشجار النخيل واشجار مختلفة، منها اللوز، الكنار، الصبار، الرمان، التين، الاترنج وأشياء أخرى أكاد لا أتذكرها. وعند الصباح الباكر نتنفس الهواء الصحو، ونسمع زغردة العصافير، وأصوات مختلفة لطيور اخرى، يرتاح سمعك وتهدأ نفسك، وأنت تشاهد حياة الطبيعة الجميلة الغناء. أما من ناحية الشمال فيقع البحر النظيف المجاور والملتصق بالقرية، إذا ما هبت الريح امتد حتى يدخل إلى البيوت، نسبح فيه إذ كان مدا، وكل ابناء القرية اصبحوا مهرة في السباحة، بفضل وجود البحر بجانب قريتهم، أما اذا كان جزرا فيذهب الاباء لجمع السمك من الحظائر، فيسوّقون بعضها، ويوزعون البعض الآخر على الأهالي، بنفس راضية ويد سخية، وهم يرددون «سامحونا على التقصير». اما في الليل فيتمدد الآباء والابناء على رمال ساحل البحر البارد الاصفر، يكون لهم مناما، يحملون فيه أحلى الأحلام مع نفحات هوائه الباردة تلك حياة حلوة، يأسف عليها من فقدها، وعرف طعمها.

قد يسألني القارئ، لماذا سميت البرهامة بهذا الاسم؟ هذا السؤال طرحناه على آبائنا وامهاتنا فأجابوا، ان سبب التسمية يعود إلى شجرة كبيرة توجد بالقرية تدعى البرهامة، كثيرة الورق، كما توجد بها زهور صفراء فاقعة اللون، تتساقط منها ليجمعها الصغار ويكونوا منها قلادات يلبسونها، وكان الابناء يستمتعون بتسلقها فيختفون بين كثافة أوراقها، وكانت هذه الشجرة مقصدا للكثير من أهالي البحرين، يأتونها من كل حدب وصوب، وكانوا يأتون بالمرأة التي سيتم زواجها قريبا ليذبحوا على رجليها خروفا، وتتحنى وتخضب في ذلك اليوم، وتعمل الولائم وتوزع المأكولات، فتعم الفرحة والبهجة الجميع، إلا ان هذه العادات اندثرت.

ان الكثير من ابناء القرية قد خرجوا منها، ليس رغبة عنها، بل لصعوبة الحياة التي اقتضت ذلك، إذ لا توجد بها ارض يستطيع الأهالي الاستفادة منها فهي ملك لافراد من خارج القرية، ما ادى لخروجهم منها ، وسكنهم في مناطق بعيدة عن مسقط رأسهم وارض آبائهم، إلا انهم مازالوا يحنون اليها.

بل لازالوا يترددون عليها بصورة مستمرة، ولاسيما في أيام الأعياد والمناسبات. أما اليوم فقد تغير الكثير من معالمها، فالبحر لم يعد بحرا، والبساتين لم تعد بساتين، والجو الصحو لم يعد كذلك.

حسن الغدير

العدد 280 - الخميس 12 يونيو 2003م الموافق 11 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً