العدد 2312 - السبت 03 يناير 2009م الموافق 06 محرم 1430هـ

الأوضاع السياسية والأمنية الدافعة للتجنيس

عبدالله جناحي comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في ظل التشخيص والتحليل الذي قمنا به سابقا، يتوضح أن الدولة في البحرين لم تعتمد بالتالي على أبناء الشعب من الطائفتين ومن الأجناس والأصول لحماية أمنها ولا حتى لإنتاج ثروتها الوطنية، وخاصة بعد الانتفاضة العمالية العام 1972 وحل المجلس الوطني العام 1975 وبدء الحكم في تمركز جميع السلطات في يده واحتكاره الثروة النفطية بعد الطفرة السعرية الهائلة لهذا النفط بعد حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، حيث نعتقد بأن هذه الثروة الكبيرة كان لها الدور الأكبر في حل السلطة التشريعية والرقابية في البلاد، ومنذ ذلك التاريخ بدأت الدولة تستعين بالعمالة الأجنبية الوافدة من الهند وباكستان كمرحلة أولى منذ الستينيات وتركيزا منذ ما بعد الاستقلال الوطني في بداية السبعينيات، وكان من ضمن أهداف استقدام العمالة الأجنبية هو كسر شوكة المعارضة السياسية التي كانت ذات تأثير قوي في صفوف العمال والموظفين، الأمر الذي أدى إلى الاستعانة بهذه الطبقة في رفع مطالب نقابية وسياسية وعبر استخدام وسائل عديدة منها الإضرابات العمالية. ولمواجهة ذلك أقدمت الدولة في إغراق سوق العمل بقوى عاملة أجنبية مقبلة من مجتمعات فقيرة يبحث العامل فيها عن لقمة العيش من دون الاهتمام بشروط وظروف العمل وساعات العمل والأجور المتدنية. وبالطبع هناك عوامل أخرى أدت إلى زيادة استخدام العمالة الأجنبية منها الاقتصادية وضرورات التنمية وبناء البنية التحتية إبان الطفرة النفطية في السبعينيات من القرن الماضي، غير أن هذا المقال لا يركز إلا على البعد السياسي من استقدام العمالة من الخارج وعلاقتها بالتجنيس.

وعلى المنوال نفسه من عدم الثقة بالمواطن بدأت الدولة على صعيد بناء الجيش والأمن تستعين بالأجانب (البلوش والباكستانيين) وبالعرب من الأصول القبلية من الأردن والسودان واليمن (تم استبعاد السودانيين لاحقا بعد رفضهم المشاركة في القتال أثناء المناوشات والتوترات إبان الخلاف البحريني القطري على جزر حوار)، مع بقاء التحالف القبلي التاريخي والاعتماد عليه في المناصب القيادية في هذين الجهازين.

واستمر الحال على هذا المنوال مع توظيف أبناء البلاد في الوظائف الدنيا وكجنود وحراس إلى لحظة انتصار الثورة الإيرانية الإسلامية الشيعية والتي قلبت موازين المنطقة الخليجية وبدأت الاصطفافات الطائفية تتعزز في المجتمع على كل الصعد، ومنها التمييز في التوظيف وخصوصا في الوزارتين الداخلية والدفاع، والاعتماد أكثر فأكثر على العرب من اليمن وسوريا والأردن وعلى أبناء القبائل العربية الحليفة تاريخيا، وأخيرا على أبناء الطائفة السنية من العرب في غالب الأحيان مع استثناءات في توظيف الهولة السنة.

وتفاقم هذا التمييز في التوظيف بين أبناء الشعب الواحد من السنة والشيعة بشكل صارخ إبان التسعينيات من القرن الماضي حينما اندلعت انتفاضة شعبية كانت وقودها الأعظم بل الكلي أبناء الطائفة الشيعية التي ذاقت التمييز ليس فقط في التوظيف بل أيضا في إعمار المدن والقرى ذات الأغلبية الشيعية وفي توزيع المناصب الإدارية العليا.

في تلك الفترة من عمر البلاد والممتدة من السبعينيات إلى التسعينيات من القرن الماضي كانت ذات العقلية الريعية التمييزية سائدة حيث كانت عمليات التجنيس صارمة بحق المواطنين من ذوي الأصول الفارسية أو الجذور والمذهب الشيعي، وكان جل التجنيس يتركز على البعد الأمني وحماية النظام السياسي، لذلك كانت الأفواج من الرجال القادمين من اليمن أو سوريا أو الأردن كرجال أمن وقوات شغب أو في الدفاع هم الذين يستحوذون لمن يرغب على الجنسية البحرينية، ولم يكن الهاجس السياسي مهيمنا كالهاجس الأمني على رغم ترابط الهاجسين ترابطا عضويا.

ومرد ذلك أن الحكم في تلك المرحلة لم يكن راغبا في الإصلاح والتطوير السياسي والديمقراطي بل كان مستمرا في نهجه القمعي والحكم الشمولي وتطبيق قانون وممارسات أمن الدولة.

وكانت الظروف الإقليمية والدولية مازالت تخدم سياسات النظام فالحروب مستمرة في المنطقة والجمهورية الإسلامية في إيران مازالت متعارضة في مصالحها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأميركية حليفة وحامية الأنظمة الخليجية ومازالت الحرب الباردة بتوازناتها ومتطلباتها تفرض شروطها على المنطقة.

التجنيس السياسي بعد مرحلة الانفراج الأمني وتدشين مشروع الملك الإصلاحي:

جملة من المتغيرات والمستجدات الدولية والإقليمية والمحلية ضغطت نحو القيام بتحول نوعي في سياسة الحكم في البلاد بعد تقلد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة سدة الحكم في بداية السنة الأولى من القرن الحادي والعشرين، فالحرب الباردة قد انتهت وسقط المعسكر الاشتراكي الذي كان عاملا استراتيجيا في الاستقطاب الدولي، وبدأت مقولات حقوق الإنسان والمشاركة الشعبية والديمقراطية تهيمن على السياسات والمواقف ومعايير المنظمات الدولية بما فيها الاقتصادية والتجارية العالمية، والتدخلات الدولية في الشئون المحلية والمساس بالسيادة الوطنية أصبحت مشرعنة بالقانون الدولي وخاصة بعد سقوط النظام الإسلامي في أفغانستان وأحداث 11 سبتمبر/ أيلول، والمخاطر الإقليمية خفت بعد هزيمة العراق وخروجه من الكويت والبدء في تنفيذ مخطط إسقاط نظامه السياسي، بجانب التحولات السياسية والاقتصادية في إيران، ونجاح المقاومة اللبنانية في تحرير الجنوب اللبناني وتنفيذ مشروع الاستسلام الفلسطيني. وعلى الصعيد المحلي بات واضحا عدم نجاح السياسة الأمنية والقمعية في إدارة البلاد، وأن الضرورة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بل الأمنية تفرض تغيير اللعبة السياسية والانتقال إلى ملعب سياسي جديد قوامه الانفراج الأمني بتبييض السجون وعودة المنفيين والعفو العام وإلغاء قانون ومحكمة أمن الدولة والبدء في ترقيعات إصلاحية تشريعية ورقابية ومحاسبية وقضائية على أن يكون الملك والحكم هما سيدا الموقف في هذه الإصلاحات كافة

إقرأ أيضا لـ "عبدالله جناحي"

العدد 2312 - السبت 03 يناير 2009م الموافق 06 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً