العدد 310 - السبت 12 يوليو 2003م الموافق 12 جمادى الأولى 1424هـ

هل من مصلحة النظام أو المعارضة فشل التجربة الديمقراطية؟

عبدالله العباسي comments [at] alwasatnews.com

صارت الصورة تتضح يوما بعد يوم إذ أن الجمعيات التي قاطعت الانتخابات ولم تدعم بعض المرشحين من العناصر الجيدة التي كان يمكنها أن تقوم بدور إيجابي أكبر ودعم العناصر النشطة من الأعضاء الحاليين، لم توفق في تقييمها للموقف، وأن عزوفها عن المشاركة سواء بالترشيح أو الترشح لم يصب في صالح التجربة الديمقراطية مع كل المآخذ والتحفظات التي عليها.

بدأت الصورة تتضح يوما بعد يوم أنه لو لم تكابر هذه الجمعيات ولو لم تصر على الامتناع عن المشاركة في التجربة الديمقراطية الجديدة على رغم كل علاتها وكل نواقصها ورشحت عناصر قديرة ذات خبرة برلمانية وسياسية لجاء ذلك فعلا لصالح الوطن والمواطنين، بل إنها بذلك في نظر الكثيرين لم تحرج النظام بقدر ما خسر المواطن البحريني من الفراغ الذي أحدثته وتركت المجال واسعا لإنجاح عناصر إما غير قديرة وإما سهلة ليس لديها تاريخ وطني معروف أو أنها مخترقة. هذا الفراغ فتح الباب على مصراعيه لدخول هذه العناصر بحيث صار الاستثناء من العناصر الوطنية القديرة قليلا وهي التي تقوم بدور بارز اليوم وعلى رغم محدودية عددها فإنها أكدت وجود عناصر جيدة قادرة على طرح هموم المواطن والاهتمام بالأولويات الملحة التي تصب في صالح المواطنين مهما بلغ من تجاوز لحدود الديمقراطية وانتهاك لها.

إن البعض من المحللين يرون أن الحكومة كسبت الرهان وأن الجمعيات هي التي خسرت برفضها المشاركة، إذ كان وجودها وزيادة عدد الناشطين داخل المجلس يحقق المزيد من المكاسب.

ويرى بعض المحللين السياسيين أن الجمعيات المقاطعة وقعت في الفخ فلم تحقق بمقاطعتها شيئا من جهة، وتمكنت الحكومة من تحقيق ما كانت تتطلع إليه بإقناع العالم أنها تمكنت من دخول التجربة الديمقراطية واقتنع حتى الذين كانوا ينتقدون الحكومة بشدة لامتناعها عن دخول التجربة الديمقراطية وكان في مقدمة الاعترافات المهمة موقف عضو مجلس اللوردات البريطاني اللورد آيبري الذي كان من بين الأصوات العالية في إحراج الحكومة قبل إعلان جلالة الملك مشروعه الإصلاحي.

تتضح الصورة يوما بعد يوم أن الحكومة استطاعت أن تلعبها (صح) وجماعتنا هم الذين لم يستوعبوا اللعبة ولم يلعبوها بشكل يتناسب مع المناورة السياسية فصب ذلك في صالح جهات كان من مصلحتها أن تفشل هذه التجربة أو على الأقل أن تبقي معلقة باقية في الظاهر وضعيفة في الأداء... إذ من مصلحة بعض الجهات أن تبقى التجربة كالمعلقة ولو أن الجمعيات الوطنية المقاطعة دخلت بكل ثقلها لفوتت على هذه الجهات رغبتها في ذلك.

ومن المؤلم ان الجمعيات المقاطعة، إما بسبب الاختراق الذي حدث لها أو بسبب تململ المنتمين إليها، لم يعد الحماس السابق والالتفاف المكثف والعريض من المواطنين حولها أو لأن الكثيرين اقتنعوا أخيرا بأن قياداتهم أخطأت في تقييمها بالامتناع عن المشاركة، واتضحت لهم الصورة فيما بعد أن نظرية (العوض ولا الحريمه) مثل واقعي ونظرية صحيحة. صحيح أن دستور 2002 لم يرقَ إلى دستور 1973، وصحيح أن الديمقراطية ناقصة بالطريقة التي قدمت، وصحيح أن طموحنا كان أكبر في إنجاز كل الوعود التي وعدت بها القيادة العليا، لكن هذا ما حدث، وهي أيضا تعلن أن مبرراتها تكفي أن تأتي التجربة بهذا المستوى فلا الظروف الإقليمية - بحسب رأيها - كانت تساعد على أكثر من هذا الانفتاح ولا الظروف المحلية شجعت على اتخاذ خطوات أكثر اتساعا من ذلك، إذ ان كثيرا من الاحتجاجات والاعتصامات والظواهر الصوتية التي لم يكن لها في كثير من الأحيان مبررها ربما قامت بتشجيع من جهات ترغب في إفشالها لهذه التجربة وإثبات أنها كانت على حق في تعاملها مع القوى الوطنية من خلال قانون أمن الدولة ومحكمته وأن الشعب البحريني لا يمكن أن يعطى (ويه) فهو لا يكتفي (بالخد) لو أعطوه، إذ يريد أن يتناول (البرطم) كذلك.

لقد ساعدت الاحتجاجات والاعتصامات - التي لم يكن هناك مبرر للكثير منها ولا تأثير لها في الواقع - هذه الجهة على انتصار فكرتها علما بأن هناك من الاحتجاجات التي حدثت والتي جاءت من خلال دراسة ووعي ما كان لابد منها وأحدثت مفعولها المطلوب مثل الاعتصام الذي حدث في وزارة التربية والتعليم الذي كان من نتائجه الإفراج عن أكثر من ألف وظيفة كانت مخبأة في الأدراج فعلا، لكن الوزراء الذين تعاقبوا على قيادة هذه الوزارة بل وربما غيرها من الوزارات كانوا يتقربون للجهات العليا بالتقتير والتقشف ليوفروا جانبا من الموازنة المرصودة للوزارة ليقدموا أنفسهم على أنهم غيورون على أموال الدولة ولو على حساب المواطنين لإطالة أعمارهم في الحياة الدنيا على كراسيهم وإن كانت الضحية هي المواطن واتساع رقعة البطالة في بلادنا.

المهم أن الجمعيات المقاطعة للانتخابات لم تحسبها بشكل جيد ولم تتبع أسلوب معاوية في (الشد والجذب) ولم تتعاط مع الواقع المتاح من خلال نظرية الرئيس التونسي الراحل بورقيبة (خذ ما تستطيع ثم طالب بالباقي)، (وما لا يدرك كله لا يترك جله)، فخسرنا الكثير بسبب عزوفها عن المشاركة وكشفت الأيام ذلك مع انتهاء الدورة الأولى من الفصل التشريعي الأول.

هذا شيء مضى، ومن الخطأ البكاء على اللبن المسكوب، لكن في البداية يجب التأكيد أنه ليس من العيب أن يعترف الإنسان بخطئه، بل العيب كل العيب هو الاستمرار ومواصلة الخطأ إذا كان يرى في ذلك خطأ في تقديره فعلا وعليه إعادة حساباته في عملية المشاركة المقبلة والإعداد لها منذ الآن فالأيام تجري ولا داعي للمكابرة.

أما كيفية الخروج من المأزق فهذا ليس بالأمر الصعب... إنه يكمن في عدة خطوات مهمة:

- الاكتفاء بتسجيل الموقف وتأكيد ضرورة استكمال المسيرة الديمقراطية للوصول بها إلى ما يطمح إليه المواطن البحريني.

- إعادة العلاقة مع كل الجمعيات السياسية وتصفية الخلافات السابقة التي نتجت عن المناورات التي حدثت وسياسة التكتلات، ما كشف أن ذلك زاد في عناد الآخرين وتوسيع شق الخلاف بين هذه الأطراف.

- دعم الأعضاء الحاليين في المجلس النيابي بلقائهم وتغذيتهم بالمعلومات المطلوبة والملفات التي تساعدهم في رفع القضايا الملحة.

- إعطاء القيادة المزيد من الثقة بأن ما يجري في الساحة البحرينية من اعتصامات واحتجاجات وعمليات عفوية هو بمثابة ثمرة من ثمار الديمقراطية والشفافية وشهادة براءة بسلامة المسيرة.

- ضرورة عدم انقطاع الحوار أو فتوره بين الجمعيات والقيادة.

- التخلص من الوهم والشك في أن ما يجري هو سيناريو مرسوم منذ زمن، فالقراءة السطحية قد تغيب ما هو أبعد عن الذهن، والدراسات المتسارعة لا تحقق الثقة المطلوبة.

وفي اعتقادي يجب أن يبدأ التصالح بين كل الجمعيات السياسية وتناسي ما مضى وتشكيل لجنة مشتركة لتكون على اتصال دائم بالقيادة لمواصلة الحوار الجاد والبنّاء، كذلك لاتخاذ مواقف موحدة إذ إن توسيع العلاقة بين الجمعيات الأربع أو الست مع إبداء بعض المرونة عمل يصب في صالح العمل الوطني فعلا.

- إبداء المرونة والنظر إلى ما يجري في الساحة الإقليمية والشرق أوسطية بحذر وبعيون فاحصة.

- إعداد العناصر التي يراد ترشيحها للانتخابات المقبلة منذ الآن.

إن الخروج من المأزق السابق يفرض متغيرات ضرورية كثيرة أهمها البدء بالعمل من خلال نية صافية تماما بعيدة عن عقلية الخبث والمناورة، والتفكير بمنطق البسطاء ذوي القلوب النقية الطاهرة بعيدا عن خبث المثقفين.

هذه بعض الملاحظات التي أراها قد تساعد على الخروج من المأزق... لقد آن الأوان لخلق وحدة حقيقية قادرة على فرض نفسها ككتلة قوية للدفاع عن حقوق المواطن من دون مزايدة، لأن ما حدث في الحقيقة عند مقاطعة الانتخابات لم يكن مزايدة بقدر ما كان سوء تقدير لم يقل تأثيره عن المزايدة عندما تُرك المجال لوصول عناصر لا خبرة لها ولا دراية باللعبة البرلمانية. ولهذا يرى الكثيرون أن هذه الجمعيات مسئولة عما حدث من ضعف في أداء الأعضاء على رغم أن هناك عناصر برلمانية - على رغم قلتها - أبلت بلاء حسنا وطرحت بجرأة قضايا حساسة، لكن السؤال الأكثر إلحاحا هو: هل من مصلحة النظام في البحرين إفشال الديمقراطية حتى بشكلها الجاري؟

وإذا وافق المواطن على أن هناك ظروفا إقليمية ودولية استجدّت واقتنع بأن ظروف المد المتطرف من الإسلاميين فرض عليه تقبل كل ما طُرح من شكل للديمقراطية من قبل القيادة الجديدة لم يكن ليقبله في ظروف أخرى أكثر استقرارا وأقل توترا إقليميا ودوليا، فهل من مصلحة جهات محددة أن تُسرف في محاولة إجهاض حتى هذا الحد الأدنى من العمل الديمقراطي؟

إن أكثر من تحدثوا في أمسيات ثقافية من أعضاء المجلس النيابي، بل ومن رؤساء الجمعيات السياسية، كشفوا أن جلالة الملك متحمس للمسيرة الإصلاحية وأنه مصر على مواصلة الطريق، لكنهم مع ذلك يلحون على أن هناك جهات وراء محاولة محاصرة هذه المسيرة وتحجيم دورها بشتى الأشكال حتى في مرحلة الانتخابات التي جرت قبيل عملية الترشيح... هذه المجاهرة وهذا الإعلان بشكل واضح وفاضح يفرض سؤالا محددا هو: لِمَ هذه المحاولات التي تحرج القيادة العليا للدولة؟ وهل يعرفون جيدا نتائج فشل هذه المسيرة؟

هل من المصلحة أن يأتي فرض الديمقراطية من الخارج كما يحدث اليوم وخصوصا في الدول الخليجية التي اعتمدت على مدى العلاقة التاريخية التي تربطها بالولايات المتحدة الاميركية والمصالح المشتركة بينهما إذ لم يشفع كل ذلك لها والمطالبة لا تتوقف بضرورة تصحيح الأوضاع وإصلاح النظام حتى بلغ الوضع التهديد بغزوها بالقوة؟ فالمصالح البحرينية والعلاقات التاريخية معها ليست أقوى من علاقات تلك البلدان أو مصالحها معها، ولهذا فلو استمرت عملية محاولة الإجهاض ووضع العراقيل ورسم سيناريوهات لإيقاف الإصلاحات التي بدأها جلالة الملك ويحاول الاستمرار فيها والتي أصبحت محل استحسان الولايات المتحدة الاميركية والدول الأوروبية الباحثة عن أية ثغرة لتهديد هذه الأنظمة، فإن ذلك سيسبب إحراجا لقيادة جلالته.

كم يتمنى المرء أن تتوقف بعض الجهات عن رمي الأحجار في طريق هذه المسيرة إذا كانت غيورة على مصلحة الوطن والأسرة الحاكمة، حتى لو جاءت هذه الإصلاحات على حساب تضييق هامش الأرباح الخيالية التي كانت تجنيها في غياب المجلس النيابي.

هذا جانب مما دار من نقاش في مجلس الوجيه خليفة المنصور بالبسيتين

العدد 310 - السبت 12 يوليو 2003م الموافق 12 جمادى الأولى 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً