العدد 313 - الثلثاء 15 يوليو 2003م الموافق 15 جمادى الأولى 1424هـ

الطاووس الملكي... الطائر الوطني للهند

في العام 1963 اسمت حكومة الهند الطاووس الهندي Pavo Cristatus - الذي يعرف ايضا باسم الطاووس الازرق - الطائر الوطني للهند. خبير الطيور الشهير سليم علي اخبرني ذات مرة ان الخيار كان بين الطاووس الهندي ودجاج البر الهندي العظيم وهما من الطيور الكبيرة البارزة والهندية اصلا. تمت مناقشة الموضوع في المجلس الهندي للحيوانات البرية وحتما تم اختيار الطاووس الهندي وقدمت توصية إلى الحكومة بذلك ليس فقط بسبب انتشاره الواسع في البلاد انما ايضا بسبب ارتباطه الطويل مع حياة وثقافة الشعب الهندي. لكن يبدو على ان هذا الجانب الأخير يفترض تلقائيا وعادة لا يتم الاعتراف في أي بلد آخر في العالم بالروابط بين الطائر الوطني وشعب البلد مثلما يحدث في الهند إذ تلك الروابط هي قديمة ووثيقة.

يعتبر الطاووس مخلوقا مقدسا في الاساطير الهندية وخصوصا انه Vahana أو وسيلة تنقل Kartikeya ابن لورد شيفا وقائد جيش جميع الالهة. يقال ايضا انه ذات مرة عندما انتحل جميع الالهة اشكال طيور مختلفة اختار Devraj Indra ارق شكل وهو شكل الطاووس ومنذ ذلك الحين عندما يمطر لورد Indra المطر على الأرض يرقص الطاووس اينما كان فرحا وسعادة وذلك منظر يستحق المشاهدة وهو خاص بالالهة. كما ان علاقة لورد كرشنا بالطاووس هي اسطورية إذ زخرف ريش الطاووس على الطوال تاج كرشنا والذي يعرف عادة باسم mor mukut ويقال ان كرشنا رقص مثل الطاووس لاغراء محبوبته رادها وعندما كان يعزف على مزماره المعسول رقص الطاووس مع gopis. وحتى الآن فإن المعابد الخاصة بلورد كرشنا تعرض الطاووس بصورة بارزة على بوابات المدخل. ان اسطورة رامايانا الشهيرة فيها عدة ملاحظات لتلك الطيور. وبالمثل تحكى قصة شعبية بوذية باسم Maha-mor كيف كان Gautam Buddha طاووس ذهبي قبل مولده كانسان. في الاساطير البوذية الطاووس هو رمز للتعاطف واليقظة. تحتوي الاساطير البوذية واليانية على عدة ملاحظات لدور وأهمية الطاووس.

بالنسبة إلى التاريخ الهندي المسجل تتعلق الاكتشافات القديمة إلى حضارة وادي السند التي يرجع تاريخا إلى حوالي 5000 سنة. كشفت أعمال الحفر في HarappaوMohehjo-daro وبعض مواقع أخرى عن أدلة ليس فقط تثبت وجود الطاووس في ذلك الوقت لكن الأهم من ذلك الدور المهم الذي منحه سكان ذلك الوقت إلى هذا الطائر. كان هناك اعتقاد سائد بانه بعد الموت تنتقل روح الإنسان إلى مسكنها السماوي بمساعدة الطاووس وفي شكله. فيما بعد وطوال تاريخ الهند حصل الطاووس على اعتراف رسمي بطريقة أو اخرى. قدم حكام سلالة Maurya وكذلك غوبتا مرتبة خاصة لفصيلة هذا الطائر وقاموا بتربية الطاووس في حدائق قصورهم. حظر الامبراطور Ashoka في القرن الثاني قبل الميلاد قتل الطاووس وتناوله غذاء وعرضت بعض من مراسمه الحجرية. كما ان اسطبة Sanchi الشهيرة التي بنيت في الوقت نفسه تقريبا تحمل رسومات للطاووس. وخلال عهد Gupta في القرن الخامس الميلادي صدرت عدة نقود معدنية يظهر فيها شكل الطاووس كما كان الطائر موضوع محبب للفن والمعمار في ذلك الحين. استمرت تلك الميول في اشكال مختلفة وبصورة متتالية حتى خلال العهود الوسطى عندما كان الحكام المسلمون يسيطرون على البلاد. على سبيل المثال كانوا ملوك تغلق منسحرين بشدة من ريش الطاووس واعتمدوا شكله رمزا للدولة ووصفوا استعماله في عدة طرق بما فيها خوذة الجنود. اضافة إلى ذلك فإن مراوح مصنوعة من ريش الطاووس كانت تستعمل عادة في قاعات المحاكم لعدة حكام في مختلف اجزاء البلاد بمن فيهم الاباطرة المغول.

تحمل مذكرات Babur أول امبراطور مغولي التي تعرف باسم Babur namah تحمل سردا مثيرا لطيور الهند ويبدأ السرد بالطاووس. وصف بابر «الطاووس كطائر رائع له الوان جميلة وان شكله لايضاهي جماله والوانه». الا ان الامبراطور المغولي الخامس شاه جيهان هو الذي قدم اعظم اجلال إلى الطائر عندما طلب صنع تاج الطاووس المرصع بالجواهر فور توليه العرش. لقد كان التاج عملا فنيا فذا ممتازا إذ استغرق سبعة اعوام لصناعته وان ثمنه حتى في ذلك الحين كان عدة ملايين. كان يعتقد بان ثمنه هو ضعف ثمن كلف تاج محل. ان التاج المذهل المرصع بالحجارة الكريمة والماس كان به ظلة يساندها اثنا عشر عامودا من الزمرد وفي اعلاه كان هناك شكلان للطاووس تم نقشهما بصورة جميلة كل واحد يواجه الآخر ومرصعة بالحجارة الكريمة وبالياقوت اللامع والماس والزمرد واللؤلؤ. شاه جيهان كان يدرك تماما القصص الشعبية الاسلامية ان الطاووس كان اصلا حارس بوابات الجنة وكذلك الاسطورة الفارسية ان طائرين من الطاووس يواجهان بعضهما على كلا جانبي «شجرة الحياة» يرمزان إلى ازدواجية طبيعة الانسان. ومنذ قرن أو أكثر أصبح تاج الطاووس رمزا أكثر وقارا لقوة وسلطة المغول وفي حوالي العام 1648 تم نقله من اغرا إلى دلهي حين نقل شاه جيهان عاصمته ثم في العام 1739 اعتدى نادر شاه على الهند ونهب دلهي واخذ معه ذلك التاج الفاخر إلى بلاد فارس سويا مع مواد أخرى نهبها من دلهي. ولأكثر من مئتين سنة كان يعرف انه في طهران لكنه اختفى فجأة ولم يوجد بدها. والآن انه اصبح أكثر من اسطورة.

الا انه بعد حرمانهم من تاج الطاووس الاصلي يقال ان الاباطرة المغول المتعاقبين حتى زمن نفي بهادور شاه في العام 1857 استعملوا عرش طاووس فضي الذي كان بالطبع نسخة من العرش الاصلي. إلى جانب ذلك حتى في زمن الامبراطور اورانغزيب وفي الواقع تكريما له تمت صناعة عرش طاووس فريد وممتاز في الديوراما الفاخرة المبنية في Dresden بالنمسا. وبعد حوالي مئة عام امر ملك المانيا الملك Ludwig بصناعة عرش طاووس مزخرف بثلاثة اشكال لطاووس في حجم كامل ومطلية بالمينا.

انه من الواضح انه انتشرت فتنة الطاووس الهندي إلى اجزاء أخرى من العالم قبل عدة قرون وانتقلت إلى دول مختلفة في آسيا وافريقيا واوروبا في اوقات مختلفة وقام بذلك اساسا التجار والغزاة. هناك تقارير تفيد عن وجود تلك الطيور في حدائق ملكية للفراعنة المصريين والاباطرة الروم وحتى الملك سليمان الاسطوري كان في عرشه اشكال طاووس جذابة. عندما غزا الاسكندر الهند في القرن الثالث قبل الميلاد اخذ معه إلى مقدونيا عدة انواع من الطاووس الهندي. وفي الفن المسيحي القديم شكلان للطاووس يواجهان بعضهما بعضا كان يرمز إلى روح المؤمنين يشربون من ينبوع الحياة وكان هناك اعتقاد مسيحي سائد ينسب إلى القديس اغسطين بان الطاووس يرمز إلى خلود الروح لان لحمه لايتعفن. وحتى في الصين كان الطاووس يعتبر رمزا للجمال والكرامة والرتبة وجعل منه رمزا لحكام Ming. في ا لعصر الحديث تحسد عدة حدائق حيوانات في دول مختلفة الهند للطاووس الهندي ويحتفظ ببعض من تلك الطيور في قصر الامم في جنيف أو Palaisdes Nations.

نتيجة لرعاية ملكية متواظبة على مدى القرون تمكن الطاووس في الهند من تخلل عدة اوجه لحياة وثقافة الشعب الهندي من الازمان القديمة وهو في الواقع زخرف كل شيء ارتبط معه. يظهر ذلك بوضوح في الفن والمعمار والنحت والرسم والأعمال المعدنية والأعمال الزجاجية والمجوهرات والحلي والحرف اليدوية والنول اليدوي والمنسوجات والادب والموسيقى والقصص الشعبية والعادات في كل منطقة من البلاد. هناك عدة امثلة تظهر ان الجنس البشري على مدى الازمان انسحر كثيرا واستوحى من هذا الطائر الفاتن ليقدم أعلى درجات من الابتكارية بعدة طرق واشكال.

ان هذه الميزة الملحوظة هي التي تجعل من الطاووس الهندي طائرا خاصا جدا في الهند. اضافة إلى ذلك هناك حقيقة ان هذا الطائر هو معروف في كل بيت في الهند وحتى الاطفال يعلمون به في سن مبكرة. ربما احد الاسباب هي ان الادب الهندي في جميع اللغات واللهجات تقريبا بداية من سنسكريت وافر في ملاحظاته عن الطاووس بطريقة لم يحصل عليها اي طائر أو حيوان آخر. المثل ينطبق على الفولكلور واغاني وموسيقى اقاليم مختلفة في كل اجزاء البلاد. تجدر الاشارة انه حتى اللغة الانجليزية لم تنجو من اثره ونفوذه. تستعمل احيانا كثيرة مصطلحات مثل «متكبر مثل الطاووس واشبه بالطاووس» وهناك عدة طرق أخرى غزا فيها الطاووس القاموس الانجليزي واضاف قيمة بالمعنى الحقيقي. هكذا لدينا الوان نعرفها باسم ازرق طاووسي أخضر بيسلي أو أخضر فاتح وهناك طيور تعرف باسم الواق وهو طائر من فصيلة المالك الحزين والبلثون الطاووسي والدج وزهور تعرف باسماء زهرة الطاووس وسوسن الطاووس ونوع من «فحم الطاووس» وفراشة طاووس وخنفسة طاووس وبرغوث طاووسي. كما هناك رقصة مشهورة تعرف باسم رقصة الطاووس تعرض المغازلة وترمز ايضا إلى دور رجل الارصاد الذي يبشر بمجيء موسم الامطار من عام بعد عام والذي هو عزيز لهذا الطائر.

صفة أخرى ملحوظة في الطاووس الهندي هي صفة التكيفية المدهشة. انه ينتمي إلى اسرة الدج ويوجد منها 17 فصيلة في الهند الذي يعني ثلث اجمالي عدد العينات في العالم إذ تبلغ 51 فصيلة. جميعها هي طيور الغابات والجبال. بينما يفضل الطاووس الهندي غابات ذات اشجار خفيفة لبيئته وينتشر واسعا في طول البلاد وعرضها الا انه النوع الوحيد من طائر الدج الذي بامكانه التكيف بسهولة مع الإنسان.

رئيس جمعية الطيور الذيالة العالمية في الهند





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً