خرج المشاركون في ورشة «إعادة بناء هندسة الذات للاتصال الفعال» المنظمة من قبل البوابة للاستشارات التنموية والتدريب من حلقات التدريب بتصور مغاير عن الذي حملوه معهم أول دخولهم للورشة، فدرجة التفاعل بين المتدربين المقبلين من مؤسسات مختلفة في القطاع الخاص وطبيعة الحوارات والمناقشات التي دارت بينهم سجلت فارقا عن باقي الدورات التدريبية المغرقة في التلقين وتصدير المعلومات من طرف أحادي. الحال لم تختلف عند المنظمين الذين يخوضون التجربة التدريبية للمرة الأولى، فبعد انفضاض الجميع مساء الاثنين الماضي سبقه تأكيد من قبل المشاركين على عقد العزم على مواصلة الاستفادة من دورات تدريبية مشابهة تنمي القدرات الذاتية ومهارات الاتصال، وهذا ما دفع المنضمين إلى التفكير جديا في الاستمرار.
تؤكد رئيسة قسم التقييم والبحوث في ديوان الخدمة المدنية المشرفة على التدريب وسيلة الموسوي أن الهدف الأكبر من تنظيم الورشة هو التعرف على أهمية الاتصال من منطلق كونه مهارة وينطبق ذلك على الأفراد والمؤسسات على حد سواء ليتمكن المشاركون من التوصل إلى أكثر وسائل الاتصال فاعلية في الاتصالات الإدارية.
وذهبت الموسوي في اليوم الأول من الورشة إلى تعريف مفهوم الاتصال على أنه عملية يتم عن طريقها إيصال المعلومات من أي نوع كانت ومن أي عضو في الهيكل التنظيمي إلى عضو آخر بقصد إحداث تغيير (...) من هذا يتضح أن الاتصال يكون من رئيس إلى مرؤوس والعكس صحيح، شرط ألا يكون الهدف من الاتصال مجرد ضوضاء لا فائدة منه.
وحاول المشاركون تعريف عملية الاتصال كل من منظوره الخاص طارحين شواهد وأمثلة من الواقع، لتستشهد الموسوي بعدها بعدد من التعريفات العلمية منها تعريف الباحث ويليام سكوت الذي قال إن الاتصال عملية تتضمن نقل أو تسليم الأفكار بحيث تشمل تغذية عائدة لهذه المعلومات لغايات تنفيذ أعمال تحقق معها أهداف التنظيم.
فيما قالت: «إن الاتصالات الإدارية تعني إنتاج أو توفير أو تجميع البيانات والمعلومات الضرورية لاستمرار العملية الإدارية». موضحة أنواع الاتصالات التي تنقسم إلى ثلاثة أنواع منها ما يأتي من أسفل إلى أعلى كالآراء والمقترحات والشكاوى، ومنها ما يأتي من أعلى إلى أسفل كالتعليمات والقرارات والتوجيهات ومنها ما يسمى بالاتصال ذي الجانبين.
وتحدثت الموسوي عن معوقات الاتصالات الخاصة بالمرسل كقصور القدرة على الصياغة الواضحة للرسالة والأحكام المسبقة تجاه المستمع وقصور تخطيط الاتصال وانخفاض درجة الحساسية لإرجاع الأثر. وقالت: «هناك أيضا معوقات خاصة بالمستقبل تتلخص في سوء التقاط الرسالة كالتسرع وعدم التروي أو الإدراك الانتقائي المفرط، ومعوقات تنظيمية كالتي تنشأ عن غموض التنظيم الرسمي وعدم تحديد السلطة ونطاق الإشراف أو معوقات ناشئة عن تفشي التنظيم الرسمي مثل تحول النشاطات من التركيز على العمل إلى التركيز على الأهداف الخاصة. وحوت الورشة على تطبيقات عملية لكل تلك التعريفات والمفاهيم تحاور المشاركون بشأنها مطولا في الوقت التي عرضت المدربة نماذج وأمثلة معززة للسرد النظري.
ثاني أيام الورشة
وفي ثاني أيام الورشة توقف المشاركون عند مهارات الاتصال التي ترتبط بدرجة نجاح الشخص في التواصل عبر الأفكار والمعرفة والمعلومات وتكوين العلاقات القائمة على المشاركة وتوصلوا إلى أن التأثير على الآخرين يعتمد على القدرة على شرح وجهة النظر وتقديم الأسباب واستجلاب الأسئلة وإثارتها ليستمر الاتصال، معرجين على الأبجدية الوجدانية التي عرفتها الموسوي على أنها مجموعة من المهارات التي ترتفع بقدرات فهم وإدارك وإدارة مشاعر النفس ومشاعر الغير بهدف ترشيد العلاقات الإنسانية وتعظيم قوى التأثير. وقالت إن مفاتيح القوى في الإنسان يمكن إن أحسن توظيفها واستغلالها أن تصنع إنجازات كثيرة كتسخير الأحاسيس والمشاعر واكتساب حب وثقة الزملاء في العمل والارتفاع بقوة العلاقات الإنسانية.
موضحة أن مشاعر الحب والخجل والكبرياء والبهجة ومشاعر أخرى كثيرة كلها مهارات يمكن من خلال التعرف على حقيقتها وطبيعتها التنبؤ بمدى تأثيرها على الآخرين من حولنا.
الإحساس بالآخرين
وتوقف الفريق المشارك في الورشة أمام حقيقة الإحساس بمشاعر الآخرين إذ قالت الموسوي إن هذه المهارة تخرج الشخص من دائرة التعرف على مشاعره الذاتية إلى آفاق التعرف على مشاعر الآخرين من خلال قراءة مشاعر الآخرين وتوجيه حركة التفاعل الإنساني (...) ولا بد من التخلص من المشاعر السلبية كالخوف والغضب والإحساس بالذنب واستغلال المهارات للوصول إلى درجة الذكاء الوجداني والتأكيد على المشاعر الإيجابية وإصلاح العطب الوجداني من خلال إصلاح الخطأ وترميم العلاقات وتحمل الأخطاء بصدق ومحاولة عدم تكرارها والتدريب على تغيير السلوك وإن كان تغيير السلوك من أصعب المهمات حسب تأكيد الموسوي.
وخلص المشاركون إلى أن ضبط المشاعر للتناغم مع أحاسيس المحيطين به ومهارة التفاعل العاطفي وخلق بيئة تنمى فيها الأبجدية الوجدانية كلها مهارات تنمى مع الوقت والتدريب.
وأكدت وسيلة الموسوي أن الإدراك بمفرده ليس كافيا لإحراز الذكاء العاطفي إذ يأتي دور التغيير العاطفي الذي يتطلب الإلمام بأساسيات إدارة العواطف، في الوقت الذي طرحت فيه سؤال لماذا من الضروري محو الأمية العاطفية حتى أجابت إن البيئة لا تقدر أهمية العواطف في كل أنشطة الحياة والإدراك بأهمية الذكاء العاطفي على أنه أحد محددات النجاح الاجتماعي غير موجود، ناهيك عن أن تلقائية التعبير عن المشاعر بين الزملاء في العمل والقائمين على المؤسسات غير موجودة هي الأخرى. وانطلقت من كون القلب مركز العواطف وأن التخلص من المعوقات والمؤثرات التي تمنعنا من تبادل الانفعالات والأحاسيس وتنمية العلاقات التي تربطها القلوب والعقول معا هي مهارات أساسية لمحو الأمية الأبجدية.
فيما أوضحت أن التدريب على الآليات التي ترتفع بمعرفة العواطف الشخصية وعواطف الآخرين والتدريب على فهم طبيعة التفاعل بين الأنشطة التبادلية في العلاقات الإنسانية وتوجيه طاقة التفاعل الوجداني نحو زيادة فاعلية علاقات العمل وتأمين سلامتها تندرج تحت مهارات الإدراك العاطفي (...) وأن تحمل المسئولية واتخاذ قرارات التغيير من شأنها أن تصلح العلاقات الإنسانية.
استراتيجيات الأبجدية الوجدانية
عشر استراتيجيات تحدثت عنها الموسوي كان محتوى الأولى أن الإبحار في عالم المشاعر يتطلب درجة من الذكاء العاطفي ففتح قناة على منظومة العواطف الشخصية والوصول بهذا المفهوم إلى منظومة عواطف الآخرين يعتبر لب التفاعل.
أما الاستراتيجية الثانية فاعتبرت مهارات الذكاء العاطفي تقي الإنسان من الصدمات الوجدانية التي تخدر عواطفه وتعطل من إدراكه لهذه العواطف، فيما جاء في الاستراتيجية الثالثة أن القدرة على قراءة مشاعر النفس والآخرين واستخدام الأبجدية الوجدانية في مواجهة المواقف الصعبة التي تقود إلى جمود أو تخيل عاطفي.
وجاء في الاستراتيجية الرابعة أن التدريب على المعرفة الوجدانية يستهدف إعادة الاتصال بمنظومة العواطف والاستفادة من قوتها لإقامة علاقات يسودها الحب والشفافية وصدق التعاون مع الآخرين.
وفي الخامسة ورد إذا استطاع الإنسان أن يتعرف على منظومة عواطفه وأحسن إدارتها تمكن من التعرف على شخصية الآخرين وأحس بمشاعرهم وامتلك مقدرة التأثير فيهم دونما عنف أو تحكم، في الوقت الذي جاء في الاستراتيجية السادسة ان أفضل بيئة لتربية الإدراك والذكاء العاطفي هي تشجيع الناس على تبادل أحاسيسهم بأمانة وشفافية وأن جودة العلاقات مع الآخرين تتحدد من خلال تشجيعهم على حرية التعبير عن مشاعرهم وتقديرنا وحسن استقبالنا لهذه المشاعر والخلاصة اننا جميعا نمتلك مقومات الذكاء العاطفي .
وقالت الموسوي: «إن العالم بشكله الحالي لا يخلو من الضغوط والمتناقضات وكلنا معرضون لهذه الضغوط بطريقة أو بأخرى ولكننا نختلف في مقدرتنا على إدارة الضغوط وتحمل تبعاتها». وأضافت: «إن التعلم من تجارب الآخرين للتعامل مع الضغوط للوصول إلى طريق النجاح والاستقرار النفسي والمؤسسي (...) وإن غزارة العواطف أول خطوة على طريق إدارة الضغوط إذ تتطلب المرونة العاطفية وضبط مستوى الانفعال حسب الموقف وارتداد الانفعال إلى حالته الطبيعية بعد الموقف والمقدرة الأدائية لاحتواء الموقف».
إدارة الضغوط
وسردت الموسوي مهارات محددة لاستخدامها في إدارة ضغوط الحياة في سياق النقاط التالية:
- واجه الحقيقة وتعرف على نقاط ضعفك والتزم بعمل شديد محدد اتجاهها فأول طرق العلاج هو قبول التشخيص.
- استوعب العلاقة بين العقل السليم والجسم السليم.
- إربط نشاطك اليومي بمعتقداتك وقيمك العليا وكن دقيقا في تفكيرك وعملك تحت أقسى الضغوط.
- تعايش مع التغيير فهو الثابت الوحيد في الحياة العصرية.
- احترم علاقة الأشياء ببعضها بحيث لا تؤثر أفعالك في بعضها كما تؤثر في الآخرين من حولك.
- احترم الزمن وخطط للمستقبل واستمتع بالحاضر.
- تعامل مع الضغوط تبعا للموقف فكن صلبا كالماس ومرنا كفرع الصفصاف ومتدفقا كالماء وهادئا كالسماء ودرب نفسك على عادات الفعالية واستمتع بالنجاح.
مؤكدة أن استراتيجية التمييز تقول إن التفوق في الاتصال والتميز لا تكمن في سمات الإنسان أو مهاراته بل في أسلوب استخدام هذه المهارات في مساحات التفاعل مع الآخرين وتعتمد استراتيجيات التميز على عدة عوامل منها المبادرة كالبحث عن فرص جديدة وتجاوز القولبة الوظيفية وتجاوز المسئوليات النمطية، وتأتي عادة البحث عن المعرفة ضمن الاستراتيجيات، فالقدرة على إدارة شبكة للمعلومات لا تقف عند حد الشبكات الالكترونية ولكن تتعداها إلى الشبكات الإنسانية وهي الأهم.
أما استراتيجية القيادة فتتوجب الابتعاد عن التسلط والسيطرة ومعرفة فن إدارة الناس ومهارات حسن الاتصال بالناس ومسئولية أخلاقية للتأثير فيهم.
وقالت الموسوي في اليوم الثالث للورشة أن الذكاء العاطفي لا يعتمد على جينات وراثية بقدر اعتماده على القدرات والمهارات المكتسبة والتعلم والفهم والممارسة، في الوقت الذي أكدت أن العوامل المؤثرة سلبا وإيجابا في منظومة العواطف تتمثل في الأفكار والتغييرات الفسيولوجية المصاحبة للأفكار والمشاعر والنوايا والأفعال والمكون البيئي لعواطف الإنسان.
وختمت الحديث بالتأكيد على أن الذكاء العاطفي يحتاج إلى مهارات خمسه هي الانفتاح النفسي والثقة والثبات في التعبير عن النفس والنقد والاتصال مع فريق العمل.
تمارين عصف ذهني
وطبقت الموسوي تمارين كثيرة لما قدمته من مادة علمية مستهدفة إحداث عصف ذهني في التعبير عن المعطيات والأدوات التي وظفتها في التمارين.
إلى ذلك قالت المشاركة لولوة سامي إن حجم الاستفادة من الورشة تحقق بدرجة عالية فيما قالت إيمان درويش إن التفاعل بين المشاركين جعل الاستفادة أكبر من الورش التدريبية المماثلة.
وأكد أحمد الحسن ووافقه راشد دليم أن المداخل والعناوين الرئيسية في الورشة فتحت الباب للحديث عن مهارات كثيرة ما كانت واضحة في الخلية قبل الانخراط في الورشة والتفاعل معها، في الوقت الذي أكد فيه غازي الحمدان وباسل العريض أن المهارات والأمثلة المستقاة من الواقع فسرت أمورا كثيرة معقدة في الاتصال ما بين البشر وعقدا العزم على الاستفادة من أية فرصة مقبلة تطرح مداخل ذات صله بالاتصال ومهاراته.
مشعل الذوادي وزوجته مها البنعلي القائمان على التنظيم من الألف إلى الياء في البوابة للاستشارات التنموية والتدريب أكدا أن تجربتهما الأولى تدفعهما إلى مواصلة العطاء في مجال التدريب والتنمية البشرية، وان ورش كثيرة ذات موضوعات مختلفة مقبلة في الطريق خصوصا بعدما أبدى المتدربون ارتياحهم من مستوى التنظيم.
تفرق المشاركون في الورشة بعد حفل توزيع الشهادات وهم يحملون أسس الاتصال الفعال ومداخل كثيرة لإعادة هندسة الذات ومواقف مرحة كثيرة جمعتهم خلال ثلاثة أيام متواصلة
العدد 315 - الخميس 17 يوليو 2003م الموافق 17 جمادى الأولى 1424هـ