العدد 315 - الخميس 17 يوليو 2003م الموافق 17 جمادى الأولى 1424هـ

«الملكية» تطرق أبواب «الجمهورية المحتلة» بقوة في عراق اليوم

عصام فاهم العامري comments [at] alwasatnews.com

.

ما تردد من أن القوات الأميركية في العراق طلبت من الأردن إرسال مفارز من الشرطة ومن الشرطة العسكرية إلى العراق على عجل للمشاركة في ضبط الوضع الأمني، فضلا عن مفارز أخرى من ضباط القوات المسلحة الأردنية من المتخصصين في الدورات التدريبية؛ أدى إلى انتشار شائعات قوية في بغداد بأن الولايات المتحدة انتهت إلى خيار محدد يقضي بإعادة الحكم الملكي (الهاشمي) إلى العراق. ويقول أصحاب هذا الاجتهاد إن منظمات المعارضة العراقية السابقة الأخرى - باستثناء تيار الملكية الهاشمية - ليس لديها أي ظل من الشرعية في تسلم الحكم، فيما تستند هذه الحركة على شرعية مستمدة من حكمها للعراق قبل الانقلاب الذي أطاح بها . ويذهب هذا الرأي أيضا إلى القول إن الفرق والطوائف والتيارات السياسية يمكن أن تجد تمثيلا لها في تشكيل الحكومة وفي عضوية البرلمان بالاستناد إلى الانتخاب المباشر.

وما عزز انتشار مثل هذه الشائعات ان الحركة الملكية الدستورية رفضت المشاركة في مجلس الحكم الذي أعلن تشكيله في وقت سابق، والذي لقي تحفظات واسعة من الشارع العراقي ان لم يكن سخطا... وبالتالي فإن التوجه من جانب واشنطن سيشكل محاولة لامتصاص نقمة الشارع على التوجهات الأميركية القائمة حتى الآن بشأن شكل النظام السياسي في العرا ق لا سيما ان يوم 14 يوليو/تموز ذكرى إعلان الجمهورية في العراق العام 1958 إلغاه مجلس الحكم وبرغبة أميركية باعتباره يوما وطنيا للعراق واختيار 9 ابريل/ نيسان يوم احتلال بغداد من قبل قوات التحالف عيدا وطنيا للبلاد.

والغريب في الأمر، ان من يروج لهذه الشائعات او لاحلال النظام الملكي في العراق مثقفون عراقيون بعضهم محسوب على الأنظمة الجمهورية المتعاقبة التي حكمت العراق وآخرها نظام الرئيس المخلوع صدام حسين او من الذين كانوا في السابق ينتمون إلى حركات سياسية مصنفة كحركات تقدمية كحال بعض الشيوعيين السابقين مثل استاذ السياسة في جامعة بغداد كيلان محمود رامز الذي سبق ان عمل سفيرا مطلع عهد صدام حسين والذي يبرر حاجة العراق بقوله: «إن الملكية يحتاج إليها العراق أكثر مما تحتاج الملكية للعودة إليه»، ويؤكد إليها اعتبارات هذه الحاجة باعتبار الملك سلطة علوية سامية تترفع على الواقع السياسي المحلي، ويرتبط بها الجيش والشرطة والقضاء، ومن دون وجود مثل هذه السلطة الأعلى، فإن تضارب الأهواء السياسية، ستدخل البلد في دوامة الفوضى السياسية، ولا مصلحة لاحد بمثل استمرار هذا الظرف المضطرب اكثر من قوات التحالف التي ستجد في ذلك أسبابا لاستمرار وجودها في العراق. بدوره فإن الصحافي والشيوعي سابقا طه عارف يبرر الحاجة الآنية إلى الملكية كونها ضمانة للوحدة العراقية، وهو يقول بهذا الصدد إن اتساع الخريطة السياسية العراقية تجعل من إمكانات التشظي الجغرافي، مفتوحة الاحتمالات بوجود عوامل الضغط الداخلية والتحريض الخارجي، لذلك تطرح الملكية عودتها الى العراق من كونها الخيمة التي تحمي وحدة العراق من هذا التشظي المتوقع».

وما يعطي مثل هذه الشائعات رواجا أكبر ان الكثير من العراقيين، وخصوصا الجيل الذي عاصر الملكية، يتذكرون ايجابيات العهد الملكي. وهم يتعاطفون مع العائلة المالكة عندما تعرضت لمصير مأسوي يوم 14 يوليو 1958. وفي المقابل يتذكر هذا الجيل والأجيال التي تليه حالات عدم الاستقرار وحالات العنف الدموي في ظل النظم الجمهورية المتعاقبة. ما يرجح أفضلية النظام الملكي لديهم.

إلا أن عناصر من الطبقة السياسية العراقية المقربة من سلطات التحالف في بغداد تنفي مثل هذه الشائعات بصورة حاسمة، وتقول إن الموقف الرسمي الأميركي هو أن واشنطن ليس لديها تصور عمن سيحكم العراق، إذ إن ذلك سيحدده الشعب العراقي. ولكن على رغم تأكيدات هؤلاء أن مهمة سلطة الاحتلال هي إرساء الآليات الديمقراطية للحكم من دون فرض صيغة محددة له، فإن ذلك لم يمنع الشائعات المشار إليها من التصاعد.

غير ان التيار الملكي الحالي في العراق يعاني من انقساماته وبالتالي فإن هذه الانقسامات تضعفه. وتبرز هذه الانقسامات واضحة بين الشريف علي بن الحسين (ابن خالة فيصل الثاني، آخر ملوك العراق) وبين الأمير رعد بن زيد بن الحسين، الذي يرتبط بالأسرة المالكة عن طريق والده أصغر انجال شريف مكة، واذا كان الشريف علي بن الحسين، لا تتوافر له الشرعية للمطالبة بـ «عرش العراق» باعتبار ان والده مصري ، فضلا عن ان دستور المملكة العراقية الذي صدر العام 1943 ينص على ان الملكية محصورة في أبناء واحفاد الملك فيصل الاول من الذكور فقط ممن يحملون الجنسية العراقية. فإن هذا الدستور الذي يشير الى انه في حال عدم وجود وريث ذكر للملك فيصل الاول يؤول العرش إلى احفاد اشقائه من الذكور، وهذا ما يرجح كفة الامير رعد بن زيد بن الحسين، الا ان الرجل الذي يعيش في الأردن لا يعرف عنه نزوعه السياسي وان مهماته ظلت مقتصرة على رعاية شئون تتعلق بقضايا اجتماعية وانسانية، إلا انه على الطرف الآخر فإن حزب الامير رعد المعروف باسم التحالف الملكي الديمقراطي في العراق والذي يتولى أمانته العامة نبيل الجنابي ينشط في العراق الى درجة انه يكرر انتقاده لاداء التحالف الاميركي البريطاني في إدارة شئون العراق منذ سقوط نظام صدام حسين في التاسع من ابريل الماضي، وبات يطالب بتشكيل حكومة منتخبة مبديا التحفظات على تشكيل مجلس الحكم المعين.

ويتردد في اوساط النخب السياسية العراقية ان التحالف الملكي الديمقراطي ينشط بدعم واضح من ولي عهد الأردن السابق الأمير الحسن بن طلال الذي تتحدث معلومات عن نيته عقد مؤتمر تتمثل فيه الأطياف العراقية الدينية والسياسية والاجتماعية كافة في وقت قريب. ولا تخفي مثل هذه المعلومات إشاراتها الخفية الى تطلعات الامير الحسن شخصيا ورغبته في حكم العراق. وترجح هذه المعلومات ان حظوظ الأمير الحسن في التقدم إلى المطالبة بعرش العراق قد تفوق مطالب أبناء العمومة علي ورعد، وذلك لأسباب كثيرة لعل أبرزها عدم احقية علي بن الحسين في المطالبة بالعرش إذ ان رابطة قرابته بالعائلة الملكية السابقة لا تمكنه من ذلك، على عكس الأمير رعد الذي لا يبدي حماسة واضحة للحكم.

ولكن الأهم من حظوظ المتنافسين على عرش العراق هو هل هناك حظوظ لعودة الملكية الى العراق؟

وفي الواقع ان هناك افتراضا له ما يبرره هو ان العراق سيظل لسنوات اسير التوجهات الأميركية وان الادارة الاميركية (وهي نمط جمهوري) لا تبدي أي مؤشر لجهة الحماس لعودة الملكية للعراق. فشمس الملكية عالميا تتجه إلى المغيب. فلم تعاد في افغانستان ولا في روسيا ولا في أي بلد أوروبي شرقي (شيوعي سابقا). ويتوقع المراقبون هنا عدم ارتياح او معارضة اسرائيلية لعودة الهاشميين إلى العرش العراقي. فقد تنمي هذه العودة مشاعر الاتحاد بين العراق والأردن على غرار ما حصل في خمسينات القرن الماضي. كما ان الأجيال المتنورة من التكنوقراط الجدد في العراق والذين يمثلون غالبية من السكان لا تستسيغ النظام الوراثي. ما يجعل فرصة الخيار الجمهوري أفضل من فرصة الخيار الملكي، خصوصا إذا عزل الجيش عن السياسة

العدد 315 - الخميس 17 يوليو 2003م الموافق 17 جمادى الأولى 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً