العدد 319 - الإثنين 21 يوليو 2003م الموافق 21 جمادى الأولى 1424هـ

عندما يموت الضمير

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

حياة تنبعث منها رائحة الموت ويتآكل بين جنباتها الضمير، فيموت الإحساس بالآخر ويبقى كل واحد يفكر في ذاته... في كثير من المجتمعات ومنها المجتمع البحريني، إذ بات جزء من المجتمع يلهث مهرولا وراء المادة واصطياد المال حتى ولو كان على حساب موت الإنسانية.

أبناء نسوا آباءهم بعد أن تيسّر لهم الحال فألقوهم إما في مراكز رعاية المسنين فلا يسألون عنهم، وإما دفنوهم أحياء في بيوت خربة ينقصهم الكثير من مستلزمات الحياة.

لا أطرح إنشاء ولا كلاما عاطفيا ولا خطابيات ولكن هذا هو الواقع. رجل أرسل أباه إلى إحدى المراكز وأعطاهم رقم هاتف وهمي حتى تنقطع كل الصلات به. وأبناء شغلهم شاغل اللهث وراء جمع الأموال وبناء العقارات، وجل تفكيرهم في زوجاتهم وأبنائهم ولو سألتهم عن آبائهم كيف يعيشون... أحياء أم أموات؟ هل يمتلكون قوت يومهم؟ لما أجابوك... لأنهم باختصار لا يعلمون عنهم شيئا.

كثير منا يلهج بكراهية الظلم، لكنه يمارسه يوميا مع آبائه من دون أن يعلم، فهل من الإنسانية أن يبيت بعض آبائنا بلا عشاء ونحن نتقلب ـ كهارون الرشيد ـ فنأكل أدسم الأطعمة ونسكن في أفضل البيوت؟ أبناؤنا وزوجاتنا هانئون... وبين ظهرانينا آباء يأكلهم الجوع... فيكون حظ حتى خادمة المنزل أفضل حالا من الأم التي ربتنا وأعطتنا زهرة عمرها.

حقيقة، النزعة المادية طغت على جزء كبير من المجتمع البحريني حتى أصبحت شاغل الناس حتى عن أهم الحقوق وهو الاعتناء بالوالدين.

إننا نعيب على الولايات المتحدة غياب إنسانيتها فنقول كما جاء في كتاب «العولمة رقاب كثيرة وسيف واحد»: «أنفقت ثلاثة آلاف مليار دولار إبان الحرب الباردة وأمامها شعوب تتغذى على خشاش الأرض وجيف الحيوانات النافقة». ويضيف: «وينفق شعبها 20 مليار دولار سنويا على الكلاب والقطط التي تعيش مرفهة في منازل مفروشة بالموكيت وتستلقي على أسرة تنبعث الموسيقى من جنباتها كي تنام قريرة الأعين»، ونحن نمارس هذه الصورة البشعة بصور أصغر وتكبر لو أنها كبرت. ونرى اليوم كيف ينفق الأبناء على العطورات ومتابعة كل جديد في سوق الموضة وآخر الصيحات، في حين نجد الآباء يتكففون الناس أو ينامون من دون عشاء.

ونرى أمهات يشتيكن بخل الأبناء وتجاهلهم لهن فتمر عليهن أشهر طوال وهن يعانين من إلحاح إعطائهن مؤنة الشهر، ما قيمة هذه الحياة بلا إنسانية؟ غدا تقف أمامنا أعمالنا وغدا يديننا أبناؤنا بما قصرنا به على آبائنا «وتلك الأيام نداولها بين الناس»... ولو سألنا أنفسنا: كم من ابن يبيت شبعانا وأمه وأبوه جائعان؟ كم من ابن يتقلب في دنيا الحياة وأمه تتكفف الصناديق الخيرية؟ هناك عوائل بحرينية وبالأحرى أمهات وآباء، تمر عليهم أعياد وأعياد فلا يشعرون بقيمتها فكأنهم لم ينجبوا يوما ابنا ولم يلدوا ذات يوم بنتا! وعلى رغم ذلك قدموا إلينا أفضل ما عندهم... زهرة أعمارهم، سهر لياليهم وفوق ذلك يقابلوننا بالإحسان، كما صور ذلك الشاعر عاطفة تلك الأم:

أغرى امرؤ يوما غلاما بنـ

ـقوده كيما ينال به الوطر

قال أأتني بفؤاد أمك يا فتى

ولك الجواهر واللآلئ والدرر

فمضى وأغرز خنجرا في صدرها

والقلب أخرجه وعاد على الأثر

لكنه من فرط سرعته هوى

فتدحرج القلب المعفر إذ عثر

ناداه قلب الأم وهو معفر

ولدي حبيبي هل أصابك من ضرر!

تلك إنسانيتهم، وهذه هي ماديتنا

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 319 - الإثنين 21 يوليو 2003م الموافق 21 جمادى الأولى 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً