العدد 2316 - الأربعاء 07 يناير 2009م الموافق 10 محرم 1430هـ

الوحش الصهيوني لا يرتوي من الدم الفلسطيني

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

مجزرة أخرى يرتكبها الصهاينة بحق المدنيين الفلسطينيين، مجزرة ضد فلسطينيين غالبيتهم من النساء والشيوخ والأطفال، هربوا من جحيم القصف الصهيوني على بيوتهم وأسواقهم ومساجدهم ومدارسهم وشوارعهم وساحاتهم، فلجأوا إلى مدرسة الباقورة التابعة لوكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في جباليا، واثقين أنهم في حماية الأمم المتحدة وفي ظل علم الأمم المتحدة، لكن القوات الإسرائيلية المسكونة بشهوة الوحش لامتصاص الدماء، هاجمتهم من دون رحمة فحولت العشرات إلى أشلاء.

ليس في ذلك خطأ من قبل الصهاينة حيث يتفاخرون بأن جيش الدفاع الإسرائيلي يمتلك أحدث الأسلحة والتقنية التي تمكنه من اغتيال شخص محدد من بين مئات ويصور ما يدعيه بشحن صواريخ من محل حدادة في شاحنة.

لقد سبق للقوات الإسرائيلية أن ارتكبت مجزرة مماثلة في قانا بحق أكثر من مئة من المدنيين اللبنانيين الذين لجأوا إلى مقر القوات الفيجية للأمم المتحدة خلال حملة عناقيد الغضب، وقتل معهم بعض الجنود الفيجيين وهكذا سبق للضحايا اللبنانيين أن اختبروا ما يعانيه المدنيون الفلسطينيون الآن.

في كلا المجزرتين كان شمعون بيريز والذي يصوره المتخاذلون العرب أنه رجل السلام في إسرائيل في موقع المسئولية ففي مجزرة قانا كان رئيسا للوزراء وفي مجزرة مدرسة الباقورة، هو الآن رئيسا لدولة إسرائيل.

وفي كلا الحالتين فإن شيمون بيريز وقادة «إسرائيل»، لم يروا في ذلك ما يخجلون منه، بل إنه يأتي في إطار حملة ضد الأرهابيين وحماية أرواح الإسرائيليين الغالية.

هل في ذلك غرابة لا فالمجازر كانت دائما من أهم وسائل «إسرائيل» لترويع المدنيين العرب الفلسطينيين، سوريي الجولان، اللبنانيين، الأردنيين المصريين، سلسلة طويلة من المجازر سبيلا لقيام دولة «إسرائيل» على حطام فلسطين، سبيلا لطرد الفلسطينيين من أراضيهم إلى المنافي، سبيلا لنزوح أبناء الجولان ليستوطنها الصهاينة، سبيلا لدفع أبناء الجنوب اللبنانيين لترك أراضيهم نحو الشمال وبيروت، لعزل المقاتلين سواء كانوا فدائيي المقاومة أو مجاهدي حزب الله سبيلا لترويع الشعب المصري بمجزرة بحر البقر للانقضاض على قائد المقاومة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.

لكن ذلك ليس وحده الدافع وراء المجازر الإسرائيلية ضد العرب، واستخدام الطائرات والمدافع والدبابات الثقيلة والسفن الحربية، واستخدام الأسلحة المحرمة دوليا، القنابل العنقودية، والقنابل الفسفورية، والقنابل والصواريخ الثقيلة، تقتل أكبر عدد من ضحاياهم العرب وهم اليوم الفلسطينيون حيث تطاردهم المذابح في فلسطين من الجليل إلى غزة، وفي الشتات من الفاكهاني ببيروت حتى حمام الشط في تونس، إن وراء ذلك تربية تتأصل في أعماق الإسرائيليين بشكل خاص واليهود الصهاينة على امتداد العالم، في أن العرب أغيار لا يستحقون الحياة إلا كعبيد أو موتى، إنهم شعب الله المختار والشعوب الأخرى غرباء دونيون إنهم يكرهون كل شعوب الأرض، لأنهم على امتداد عشرين قرنا لم يندمجوا مع شعوب الأرض، باستثناءات قليلة - وانغلقوا على أنفسهم في جيتوهات، واعتبروا العالم مسئولا عن مأساتهم التي اخترعوها. قبل أيام شاهدت على التلفزيون فيلم تاجر البندقية المأخوذ عن مسرحية شكسبير الذي يلخص أعماق النفس لليهودي المرابي شيلوك والذي لعب دوره باقتدار البسينو، يصر هذا التاجر على قطع رطل من لحم تاجر من البندقية عجز عن سداد دين للتاجر اليهودي، وخلال المحاكمة يصر شيلوك بلؤم وتعطش للدم - على قطع رطل من لحم الضحية الأقرب إلى القلب، على رغم أن عددا من التجار عرضوا عليه إعادة المبلغ إليه مثنى ومثلثا، لكنه يرفض بإصرار ويسنّ سكينه استعدادا للذبح. تنتهي الحكاية نهاية دارمية بتدخل محام مقتدر استطاع إنقاذ الضحية، وتجريم المرابي اليهودي وسلبه ثروته الحرام، وهو ما شكل حكم إعدام بطيء عليه.

لكن حكاية الفلسطينيين مع «إسرائيل» لم تنته هذه النهاية السعيدة ولن تنتهي النهاية السعيدة فالصهيوني هنا لا يبدو أنه سيرتوي من دماء أبناء فلسطين التي دشنها بمذبحة كفر قاسم في 1947 المذبحة المستمرة التي توسعت لقتال كل من يقف أمام «إسرائيل» من العرب وأضيفت لهم إيران مؤخرا والمرشحة لحرب إسرائيلية حتى الأوربيين والأميركان الذين دعموا الصهاينة في اغتصابهم فلسطين وحروبها واحتلالاتها ضد العرب لن يسلموا من «إسرائيل» مستقبلا إذا تطلّب الأمر ذلك. ألم يقم الصهاينة بالإطاحة بنيكسون عندما أبدى جدية في إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي؟ ألم يدسوا لكلنتون المتدربة اليهودية لنسكي - ليدخل دوامة التحقيقات بعد أن نشط في دفع الإسرائيليين للتفاوض مع الراحل عرفات والسوريين؟

مذبحة مدرسة الباقورة ليست خطأ بل تندرج طبيعيا في السلوك الإسرائيلي الذي لا يعطي اعتبارا للطبيعة الإنسانية واحترامها بل أن البشر نوعان، إسرائيلي مقدس وآخر مستباح، عسى أن تجعل هذه المذبحة القادة العرب ومنظري الاستسلام أن يفيقوا من أوهامهم في إمكان ترويض الوحش والعيش معه بسلام وأمان، وعسى أن توقظ هذه المذبحة ضمير العالم وخصوصا ضمير القادة الاوروبيين والأميركيين، وتجعلهم يدركون من هو الضحية ومن هو الجلاد.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 2316 - الأربعاء 07 يناير 2009م الموافق 10 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً