العدد 2610 - الأربعاء 28 أكتوبر 2009م الموافق 10 ذي القعدة 1430هـ

الأكاديمي مهدي صلاح: رصد الإيقاع في النص النثري لا يرقى إلى الإقناع

خلال توقيع وفائي ليلا ديوانه «يدير ظهره للمرآة» بمركز كانو الثقافي

أقام مركز كانو الثقافي أمسية وقّع فيها الشاعر وفائي ليلا ديوانه الجديد «يعطي ظهره للمرآة» وقرأ مجموعة من نصوصه، وخلال الأمسية قدّم الأكاديمي مهدي صلاح إضاءات نقديّة حول الديوان منطلقا من مفاهيم قصيدة النثر وما دار حولها من سجالات عابرا إلى انشغالات قصيدة ليلا ومداراتها، بعدها أهدى الشاعر مجموعة من نسخ الديوان ممهورة بتوقيعه إلى الحضور من الأصدقاء والشعراء والمثقفين والمهتمين.

استهل صلاح مداخلته بالحديث عن قصيدة النثر، وأشهر المحاولات في التأصيل لهذه القصيدة، والتي كان أبرزها ظهور كتاب سوزان برنار «قصيدة النثر من بودلير إلى أيامنا» في فرنسا العام 1959، ونشر أدونيس لمقالته الشهيرة «في قصيدة النثر» 1960، ومن ثم اتجهت محاولات التأصيل لهذه القصيدة في اتجاهات عدة: فبعضهم يردها إلى كتابات أمين الريحاني، وجبران خليل جبران، وبعضهم يردها إلى الشاعر العراقي حسين مردان، فيما يذهب فريق ثالث إلى أن التأصيل الحقيقي لهذه القصيدة يعود إلى التراث العربي، وخاصة في كتابات الجاحظ وأبي حيان التوحيدي.

وأضاف صلاح «ما يهمنا في المسألة أن الخلاف حول المسمى (قصيدة نثر - نثر شعري - شعر منثور... إلخ) كان يدور حول اللغة، وأن هناك من اللغة النثرية ما يرقى إلى درجة الشعرية، وصحيح أن كلاما كثيرا دار حول الإيقاع، بديلا للأوزان العروضية،إلا أن المحاولات التي راحت ترصد الإيقاع في النص النثري هي محاولات بائسة لم ترقَ إلى درجة الإقناع، فكان ثم حديث عن النبر والتنغيم، والتكرار الحرفي، وتكرار الجمل وغيره، كل ذلك صحيح إلا أن المحور الحقيقي كان يدور حول اللغة ذاتها».

وأضاف مهدي أن «قصيدة النثر تبنّت مقولات أخرى عبر مسيرتها، وتبلورت لها ملامح عدة، فصارت تتبنى مقولات اليومي، والمعيش، واللغة البسيطة (غير المجازية) والتي تقترب في بعض الأحيان من الاستخدام العامي، والاعتماد على المفارقات، وسقوط مفهوم الشاعر النبي».

وعن الشاعرية تساءل صلاح أين تقف شعرية وفائي ليلا من الطرح النثري في القصيدة ما دامت تتبني نصوص الديوان جميعها هذا الشكل من الكتابة؟ مجيبا «تبدو لي قصيدة وفائي ليلا على جانب كبير من الاستقلالية، فلا تكاد نصوصه تتشابه مع كثير من النصوص المتشابهة التي تهدر بها الدوريات ومؤسسات النشر الورقي والإلكتروني. وفي السياق السابق تحتفظ النصوص بلغة شعرية مجازية، تحتفظ بقدر من الكثافة، والاعتماد على الصور البلاغية، والتركيبات اللغوية الخاصة. تستطيع أن تجد ذلك في أي نص من نصوص الديوان، واستشهد بقول الشاعر:

أي لغة تشبهني

أحرفي تأكلها النار

وجهي... تكسر المرايا

قلبي حطام زجاج الفقد

أبنية الموت تشيد شاهق اتساعها».

واستدرك صلاح «لكن هذا الاعتماد على اللغة المجازية لا يمنع من وجود مقاطع هي أقرب إلى السرد منه إلى تركيبة المجاز، أو أنه يضفر بينهما معا، وقصيدة «سيرة الجيران» ص 61 نموذج ملائم لهذا التضفير. أما من زاوية المضمون النثري الذي يهتم كثيرا بلعبة المفارقات فلا تسير النصوص في هذا الديوان بين قضيبين، ولا تقيد نفسها بهذه المقولات، فتتناول القضايا الكبرى على غير ما يذهب إليه كثير من كتاب النثر من أن هذه القصيدة أقرب إلى الذاتي ولا تهتم بالقضايا الكبرى، وأنت واجد اهتماما عبر نصوص الديوان بالقضايا، والهموم الجمعية على الرغم من تركيزها على المعاناة والهموم الذاتية».

وحول توظيف المرآة أشار صلاح إلى أن «فكرة المرآة لها أبعاد أخرى، إذ طالما كان مفهوم المرآة مفهوما محوريا في الأدب عبر مراحله الطويلة منذ نظريات الانعكاس المرآوي، أو عند أنصار الاتجاه الواقعي، أو تلك القصيدة التي كانت تعرف بقصيدة المرآة عند جيل الستينيات وإذ اجتهد النقاد في التمييز بينها وبين قصيدة القناع. على أن المرآة في ديوان وفائي ليلا «يعطي ظهره للمرآة» تتخفف من كل تلك الحمولات، وتبدو لي معادلا موضوعيا لصور الذاكرة. المرآة في هذا الديوان هي الخلفية التي تظهر عليها الصور المتعددة التي تستمد كلها من الذاكرة. والمرآة هنا ليست الذاكرة، وإنما الصور التي تعطيها الذات الشعرية ظهرها إذ تنعكس على خلفية تمثل المرآة من ثم وسيلة، أو حيلة لمحاكمة الصور التي يراد الهروب منها، أو هزيمتها، أو الاعتراض عليها، أو الانسحاب من أمامها، وربما قتلها في بعض المشاهد:

عماتي مرسومات على جدار القهقهة

أبي...

في شخير بنطلونه العاتي

عفاف فتاة ينمو جلد التخثر

على جلدها المراهق

هل أملك المسدس؟

لأقتل المشهد».

وختم صلاح قراءته بالتعليق على قصيدة يسميها «في الحلم» مشيرا إلى أن «الشاعر يصنع مرآة بديلة يصنع فيها الصور التي يريد وفق إرادته الخاصة، مادامت الصور المختزنة مؤلمة، وقاهرة، وتحمل كل هذه الشحنات من المعاناة. في قصيدة «في الحلم» يصنع صورا لا يتعرض فيها للقهر، صورا بديلة لصور الذاكرة المؤلمة». وخلص إلى أن «تجربة وفائي ليلا الشعرية تجربة ثرية، ومتميزة، وتحتاج إلى متابعة واهتمام، فهي حقيقة بذلك».

العدد 2610 - الأربعاء 28 أكتوبر 2009م الموافق 10 ذي القعدة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً