العدد 323 - الجمعة 25 يوليو 2003م الموافق 26 جمادى الأولى 1424هـ

عذاب السجون

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

الدول تساس بثلاثة أمور: القوة والرأي والمكيدة... هكذا هي النظرة إلى سياسة فن الممكن في العالم عدا نظامنا العربي الرسمي فهو يزيل الرأي (العنصر الثاني) ليضع مكانه القمع... وهذا هو تاريخنا العربي مرصع بألماس عيون المعارضين وقمع الرأي الآخر. مشكلتنا في ازدواجية بعض النخب العربية فإنهم يتغيرون مع تغير الحدث. البعض كانوا يلمعون بالأمس ويملأون الفضائيات العربية ضجيجا وفي لحظة واحدة تغيَّر كل شيء وأصبح صدام «رجلا باع العراق ومخادعا وجبانا وغادرا ومصاص دماء...». بالأمس امتلأت جيوب بعض هؤلاء بالأموال وكانوا صداميين أشد من صدام... كانوا يتمسحون بالاسم ويصلون خلفه إذا ما زار مسجدا في أية صلاة تلفزيونية كان يقضيها:

كذب الدعي بما ادعى

البعث لن يتصدعا

هؤلاء هم أنفسهم بعد أن تضخمت كروشهم راحوا ينتقدون النظام كما رأينا الصحاف في مقابلته بعد ذهابه إلى أبوظبي عندما خرج عن الصمت قليلا وأخذ ينتقد ملمحا. كل ذلك تم بعد امتلاء الكرش. هذا الواقع خلقته سياسة القمع والتجويع وقهر الآخر، والتي كان يمارسها النظام... وماذا كانت النهاية؟ صدام بعد أن كان يملأ العراق رعبا هو اليوم يتوجس من الخروج علنا. فلو انه مارس الديمقراطية لم استطاع الاميركان استباحة عذرية العراق.

وإذا صحت رواية قتل عدي وقصي الآخذة في التأكد فستعيد لنا ذكريات تاريخ قائم على الغطرسة والبطش والظلم ولكن المؤسف أن لا متعظ. والدليل أن تاريخنا العربي خلق هكذا بدماء الشعوب... وهذا هو العراق على طريقة مظفر النواب «وهذا الوطن الممتد من البحر إلى البحر سجون متلاصقة، سجان يمسك سجانا»... وهكذا هو التاريخ يعيد نفسه... تاريخ قائم على التعذيب وها هو العراق ينتقل ما بينهم غير معافى ليسقط في النهاية، محتلُ تاريخِه ليس أقل إجراما ممن سبقوه. فالتاريخ يعيد نفسه المتحل يمارس دور البطل في عملية القتل وكذلك العصابة نفسها تمارس العملية ذاتها... فالتاريخ مليء بصور مروعة للظلم الذي وقع على هذه الأمة العربية وخصوصا في العراق.

ولا بأس بالتطرق إلى بعض تاريخنا المضيء لعلنا نخرج ولو قليلا من ميكافيليتنا إذ كان العرب يمارسون القتل بالطشت الساخن المحمي، يوضع على رأس السجين حتى الموت كما فعل السفاح العباسي أو إزهاق روح المعارض بوضع رأسه في جراب مليء بالنورة والشد عليه حتى يموت اختناقا «تاريخ الدولة العباسية» أو نفخ البطن بالنمل «الطبري 5/365» أو بتبريد جسد المعذب بعد الجلد أو صب الملح والخل على الجروح أو قلع الأظافر أيام هشام بن عبدالملك.

لقد تعرض الشعب العراقي إلى ما لم يتعرض له أي شعب في هذا العالم. فالجسد العراقي مليء بالآلام، في حين كان أحد الولاة يصنع له طعاما من أمعاء البط محشوة باللوز والفستق ومقلية بالزيت. وكانت بعض النساء العراقيات يتبادلن لباسا واحدا للصلاة ويتسترن بأيديهن، في حين أن أحد الولاة يشد أسنانه بالذهب.

عندما أقرأ التاريخ أصاب بالذعر ولا أجد أية إضاءة لبعض عظمائنا نحن المسلمين، فتاريخ الطبري يذكر صورة الإعدام حرقا، ويقول صاحب كتاب «مقاتل الطالبيين» إن هناك معارضين دفنوا في العراق وهم أحياء، ويقول صاحب «الكامل في التاريخ» إن بعضهم تسلخ جلودهم وبعضهم تكسر أقدامهم بالأعواد الغليظة كما حدث لخالد القسري من قبل هشام بن عبدالملك، وكل ذلك حدث بسببه أيضا تواطؤ نخب ملمعين لهذا التاريخ. وسيخرج علينا غدا من يقول إن البعث رحل شهيدا دفاعا عن الوطن وبعد غد سيطالب المترحمون ذاتهم بنبش القبر. هي والله مهزلة الثقافة وتغير الجلود بتغيّر الزمن والمصالح

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 323 - الجمعة 25 يوليو 2003م الموافق 26 جمادى الأولى 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً