العدد 323 - الجمعة 25 يوليو 2003م الموافق 26 جمادى الأولى 1424هـ

المنظمة الدولية ومواجهة تحديات العواصف المتتالية

خليل تقي comments [at] alwasatnews.com

لم تكن المنظمة الدولية وحدها على مفترق طرق، فالعالم كله، دولا ومؤسسات ومجموعات اقليمية وقارية ودولية، وقوى سياسية واجتماعية يواجه منعطفا خطيرا ومشكلات معقدة، وعواصف تتعدى اخطارها منطقة بعينها لتزعزع استقرار المجتمع الدولي بأسره، وكان متوقعا ان تولد ثورة الاتصالات، وتحول العالم الى قرية كونية، مزيدا من التواصل والتعاون، وأن يغدو البشر ودولهم شركاء في معالجة المشكلات التي تؤرقهم، لكن المحافظين المتشددين ومهندسي الاحادية القطبية أخذوا على عاتقهم أن يعالجوا بالحروب ما يجب معالجته بالحوار.

والأمم المتحدة منذ تأسيسها سعت الى ضمان المساواة بين الدول، صغيرها وكبيرها، وأن يكون لكل منها صوتها المسموع داخل الجمعية العامة للمنظمة الدولية وتصويتها المؤثر على قراراتها، لكن مجلس الأمن الدولي ظل صيغة تعكس نتائج الحرب العالمية الثانية، وضم خمسة أعضاء دائمين متمتعين بحق النقض (الفيتو) إلى جانب عشرة آخرين غير دائمين ولا يتمتعون بهذا الحق ويتم انتخابهم دوريا كل سنتين.

وبقيت الأمم المتحدة، بهياكلها ومؤسساتها ومنظماتها الاقليمية منذ تأسست في العام 1945 منبرا حرا للتنسيق والتشاور، واطارا صالحا لمعالجة المشكلات المتعددة، ولتقديم العون في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وفي ميادين الصحة والتعليم والادارة، كما انها شكلت ضمانة لاستقلال الدول وسيادتها ضد محاولات فرض الهيمنة والتبعية من جانب المستعمرين والمغامرين والمستوطنين القدماء والجدد.

وقد ازدادت المشكلات الدولية تعقيدا منذ عقدين ونيف، فالفقر ازداد بمعدلات كبيرة، وانتشر «الايدز» في القارة الافريقية ومناطق أخرى من العالم، واتسعت الحروب الأهلية، وزادت الكوارث البيئية الناتجة عن الانبعاثات الحرارية التي تطلق معظمها الشركات الكبرى في الولايات المتحدة الاميركية، وانهار الاتحاد السوفياتي وتفككت الكتلة الشرقية، واختل التوازن النسبي الذي ساد ابان الحرب الباردة، ووجدت الأمم المتحدة في قمة الألفية ان الحاجة باتت ملحة إلى تجديد الآليات وحشد الامكانات من أجل مواجهة العواصف المتلاحقة.

وحاول اثنان من هؤلاء الأمناء تجديد آليات عمل المنظمة الدولية واتخاذ مواقف مستقلة عن الضغوط التي تمارسها الدول العظمى، فخسر الأول حياته وهو داغ همرشولد باسقاط طائرته في الكونغو في العام 1961، وخسر الثاني امكان التجديد له لفترة ثانية على رغم تأييد أعضاء مجلس الأمن ومعارضة الولايات المتحدة الاميركية، وهو بطرس غالي.

وكان متوقعا ان يعكس اتساع عدد الاعضاء المنضمين الى الجمعية العامة للأمم المتحدة تأثيرا ايجابيا على اشكال العمل الجماعي وآليات التنسيق، وأن يمنح الجمعية العامة نفوذا أكبر من مجلس الأمن لحفزه على وضع القرارات التي يتخذها موضع التطبيق، لكن الأمر اتخذ منحى آخر، فقد أسيء استخدام «الفيتو» من جانب الولايات المتحدة الاميركية لعرقلة قرارات تدين الممارسات الاسرائيلية الوحشية في الاراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، كما عبرت الادارة الاميركية عن امتعاضها الشديد من مجرد تلويح فرنسا باستخدام حق النقض «الفيتو» لعرقلة شن الحرب الاجرامية ضد العراق العربي.

وبينما تطالب دول كثيرة داخل مجلس الأمن الدولي أو الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي المقدمة منها فرنسا والمانيا وروسيا ودول عدم الانحياز، بدور محوري للمنظمة الدولية في معالجة الوضع الناشئ بعد العدوان على العراق، وفي حل المشكلات الدولية المزمنة جميعها، فإن الولايات المتحدة الاميركية تتجاهل هذه الأصوات، وتصر على رؤيتها الأحادية غير عابئة بالأخطار التي تهدد استقرار المجتمع الدولي، أو بما تتركه الحروب من أحقاد وكوارث.

وكان الأمين العام للمنظمة الدولية كوفي عنان قد دعا أخيرا أمام اجتماع للمجموعات الإقليمية عقد برئاسة وزير خارجية المكسيك الذي ترأس بلاده دورة شهر أبريل/ نيسان لمجلس الأمن وبحضور ممثلين عن جامعة الدول العربية ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا ومنظمة الدول الاميركية، إلى مواجهة تحديات عصرنا التي تهدد استقرارنا، وبقاءنا أيضا، ومنها انتشار أسلحة الدمار الشامل وتغير المناخ وانعدام الأمن، وان الاحساس بانعدام الأمن لم يكن أبدا أكبر مما هو عليه الآن، وعدَّد كوفي عنان سلسلة التحديات، وفي مقدمتها تجاوز الثروة غير المسبوقة والحرمان الفظيع، واستبعاد الكثيرين عن فرص العولمة، وأضاف «اننا بحاجة إلى اقامة شبكة آليات فعالة اقليميا ودوليا تتسم بالمرونة وسرعة الاستجابة للظروف التي نواجهها اليوم».

ونلحظ بوضوح تخلي الليبرالية الجديدة عن فكرة العقد التي مجدتها منذ الثورة الفرنسية واحلال العنف الواسع مكانها، وقد أولى المحافظون المتشددون اهتماما كبيرا لدور العنف في الحياة الاجتماعية، ومجدوا الحرب وقيمها، لكن فلاسفتهم لم يحددوا كيف يمكن تجاوز تبعاتها أو الغاؤها، فهم يعتقدون ان الحرب والعنف متأصلان في الطبيعة البشرية، على حد نعبير أنطوني جيدنز.

وكيف تكون الحرب وسيلة لعلاج المشكلات الدولية مادامت تجر إلى توترات وتعقيدات كثيرة؟ والمنظمة الدولية مدعوة الى تعزيز آلياتها وتقوية دورها لمواجهة متطلبات الشعوب وتلبية طموحاتها المشروعة في الأمن والتنمية والسيادة، وتجنب تقديم غطاء لانتهاكات القانون الدولي، وهي تستطيع أن تدرأ الكوارث حين تضع قراراتها موضع التطبيق.

فهل تتقدم الأمم المتحدة لتحمل مسئولياتها قبل أن تغدو احدى ضحايا العولمة المتوحشة والقطبية الأحادية؟

العدد 323 - الجمعة 25 يوليو 2003م الموافق 26 جمادى الأولى 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً