العدد 323 - الجمعة 25 يوليو 2003م الموافق 26 جمادى الأولى 1424هـ

ديمقراطية على الطريقة الكويتية

خالد عبدالله comments [at] alwasatnews.com

-

تعتبر دولة الكويت من أقدم دول المنطقة الخليجية في ممارستها للحالة الديمقراطية وفي خوضها لتجارب الحياة النيابية والبرلمانية، كما ان شعبها خبر صنوف ألوان الأنشطة السياسية ذات الطابع المعارض والمناوئ للسلطات القائمة المتسمة في الوقت نفسه بالصبغة الهادئة والمرنة البعيدة عن أجوا العنف والتشنج معها.

وعبر مرور العشرات من السنين وبعد مد وجزر في مستوى الحريات الممنوحة تكاملت هذه التجارب وبلغت أوج زهوها ونضجها وتكللت بترسيخ هذه الظاهرة الديمقراطية وتأصيلها في المجتمع والدولة من خلال تشريعات دستورية وقانونية أقرت بإنشاء مجلس للأمة يتناوب عليه خمسون عضوا من النواب الممثلين للجمهور منتخبين مباشرة من قبلهم بطريقة حرة ونزيهة تشابه آليات الانتخابات في الدول الغربية الحديثة مع هامش واسع من الحركة الدينامية في القدرة على تفعيل هذا المجلس وقراراته وتشريعاته الصادرة وتحويله الى هيئة سياسية عليا تعتبر المرجع والحكم، لها القدرة على المساءلة والمحاسبة للسلطة الحاكمة ولأعضائها مهما كانت مكانة احدهم وموقعيته من الحكم والنظام.

للرجال فقط!

لكن وعلى رغم هذه الايجابية العمومية الشديدة التي وصفت بها هذه الديمقراطية فإنها جاءت - وللأسف الشديد - مصحوبة بالكثير من الظواهر الاجتماعية الموغلة في السلبية التي تصل في كثير من الاحيان الى درجة التشويه والانتقاص من تكاملها.

أول ما يؤخذ عليها وتوجه اليها سهام النقد اللاذع بسببه هو تجاهلها المريع وغير المبرر على الاطلاق لعنصر الانثى في المجتمع. فالمرأة في هذه التجربة من الممارسة السياسية الحرة والمفتوحة محرومة ومجردة تماما من جميع حقوقها السياسية سواء حقها في الانتخاب والتصويت أو حقها في الترشيح للانتخاب وفي التمثيل النيابي، فهي بذلك كأنها استثناء في المجتمع وتعيش على الهامش. وهذا يعني حرمان ما يزيد على نصف الشعب الكويتي من حرية اختياره الديمقراطي وتمثيله البرلماني - اذا ما اخذنا في الاعتبار غلبة وتفوق نسبة وجود الاناث على الذكور في معظم مجتمعاتنا العربية بما فيها الكويت وبما لا يقل عن 7 الى 8 في المئة، كما تذهب اليه الاحصاءات الرسمية في ذلك - ولهذا السبب تعتبر الديمقراطية الكويتية من أفقر الديمقراطيات حضورا ومشاركة من قبل الشعب مع اضافة عوامل اخرى ساهمت في هذه الحالة ابرزها تصنيف الكويتيين في انتمائهم لدولتهم الى درجات ومراتب على اثرها أعطي الحق في التصويت والترشيح لمن هم أصحاب المرتبة الأولى أو بحسب المصطلح الرسمي من يحمل الجنسية من الدرجة الأولى!

وحينها يحق لنا ان نتساءل أين الحرية؟ وما هذه الديمقراطية التي لا يحق فيها إلا لخمسة عشر في المئة من السكان التمتع بها وبامتيازاتها؟ كما أشارت بذلك معظم وسائل الاعلام المحلية والعالمية.

ولا تجدي نفعا كل تلك التفسيرات والمبررات التي يطلقها أصحاب الشأن في تسويق وتهوين هذا الالتواء الديمقراطي من قبل وقوف فئة معينة ذات توجه راديكالي متطرف خلف مسألة اقصاء المرأة وتهميش دورها وتحجيم فاعليتها السياسية، فالعلاج والحل بسيط ولا يحتاج الى مجهود سحري وجبار اذ يتلخص في امكان صدور قرار رسمي من أعلى جهة حاكمة بموجب الصلاحيات الممنوحة لها دستوريا والتي تفوق صلاحيات البرلمان نفسه، تماما كما هي الحال بالنسبة الى الكثير من القضايا الشائكة التي تم التدخل فيها وحسمها من هذه الجهة العليا. وللتمثيل أذكر قرار حل البرلمان الشهير قبل بضع سنوات وما أعقبه وتلاه من صدور الكثير من القرارات وترسيمها والعمل بها من دون الرجوع في البعض منها الى مجلس الأمة للتصويت والموافقة عليها.

بمقدار الدفع يتم الفوز

سمة اجتماعية سياسية مرضية أخرى رافقت اجواء الانتخابات والدعاية الانتخابية، وهي ظاهرة شراء الصوت الانتخابي وهي وان كانت هنا لم تشذ عن باقي اجواء الديمقراطيات الاخرى في الاستماتة في الحصول على نيل غالبية من الاصوات الكفيلة بالفوز والترشح وبمختلف السبل والوسائل اللامشروعة احيانا ولكنها في بلد مثل الكويت وبالنظر الى المنظومة الفكرية والثقافية الدينية وطبيعة عادات وتقاليد شعبه المحافظ وحالة الرخاء والرفاهية التي يتمتع بها هذا الشعب. كل ذلك يجعل من هذه الظاهرة صفة غريبة وشاذه بالاضافة الى مخالفتها روح الديمقراطية وأهدافها وغاياتها.

أصبحت العملية الانتخابية في الكويت - مع شديد الاسف - تجارة رابحة للانسان الكويتي، وذلك بما يتاح له خلالها من اختيار افضل العروض المالية المقدمة إليه وأكثرها منفعة مادية له. فكلما كان المبلغ المعروض للصوت أكبر كانت الفرصة للمرشح لنيل صوته اكبر وأسهل. وقد وصل سعر الصوت في بعض الاحيان الى ما يقارب الاربعة آلاف دولار أميركي!

وقد نتج على اثر هذه الحالة انعدام الفرص للكثير من الكفاءات والمواهب السياسية التي تمتلك الاهلية لتمثيل الرأي العام حقيقة من الوصول الى البرلمان لافتقادها الأموال الكافية لضمان العدد المطلوب من الأصوات. ولا اريد القول إن من نجح وانتخب لم يكن أهلا لذلك، لكن بالتأكيد كان المال قبل الموهبة والكفاءة هو المعيار بالنسبة الى معظم المصوتين في ايصال هؤلاء تحت قبة المجلس.

ومن نتائجها تحقيق رغبة الحكومة وانجاح مساعيها في ايصال اكبر عدد ممكن من النواب المحسوبين عليها والمتوافقين مع سياستها بفضل الدعم السخي واللامحدود والمقدم إليهم من قبلها، وبالتالي قدرتها على تقليص دور المعارضة واضعافها ما يفقد الحياة الديمقراطية برمتها روحها ومعناها.

وعلى رغم وصول عدد غير قليل من النواب من التيار السلفي المتشدد والمحسوب على توجه المعارضة للحكومة في بعض سياساتها وقراراتها فإن معظم المحللين ومن بينهم الكويتيون أكدوا ان العامل القبلي والدعم العشائري كان له الاثر الفاعل في هذا النجاح!

ومن مخاطر هذه الظاهرة غير الصحية - ديمقراطيا - امكان انتقال عدواها الى ديمقراطيات اخرى وليدة حديثا في مجتمعات خليجية ثانية وان تصبح اسوة لها، لما لهذه المجتمعات من تشابه ان لم يكن تطابقا في مختلف الظروف والاوضاع ومجالات الحياة المتنوعة.

واذا كانت بعض دول الخليج قد تغلبت على سياسة اقصاء المرأة من خلال حضورها وجودها في الساحة الاجتماعية وحتى السياسية مثل عمان وقطر والبحرين فهي مدعوة هنا - وبالحاح - إلى دراسة التجربة الانتخابية الكويتية غير المرضية في تجارة الاصوات وشرائها من اجل تجنبها بل والقضاء عليها في اية عملية ديمقراطية حقيقية يراد العمل بها مستقبلا

العدد 323 - الجمعة 25 يوليو 2003م الموافق 26 جمادى الأولى 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً