العدد 2321 - الإثنين 12 يناير 2009م الموافق 15 محرم 1430هـ

لماذا فشل إرهابيو مومبي؟

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

مع بدء السنة الجديدة، تنساب أفكاري عائدة إلى ليلة في مايابور بالهند قبل عطلة عيد الشكر. كنت أحلم بديك رومي محمّر ذهبي، تحيط به ملحقاته التقليدية لعشاء عيد الشكر عندما قرع جرس الهاتف فجأة. «هالو». أدركت صوت والدي على الطرف الآخر وهو يتصل بي من بيتنا في شيكاغو: «جنان! هل أنت بخير؟ هناك هجمات إرهابية في مومبي».

بينما بدأت أحداث مومبي تتضح كان ما يزيد على مئة من قادة الأديان الشباب من 35 دولة قد تجمعوا في مايابور بوجهات نظر فريدة حول كيفية إشراك مجتمعاتنا في مبادرات عبر الأديان والاشتراك في رؤية بناء تعددية دينية في عالمنا.

يشكّل الهندوس غالبية السكان في الهند أي حوالي 80 في المئة، ويشكّل المسلمون والمسيحيون والسيخ النسبة الباقية. تبدو الهند، بوجود هذا التنوّع، المكان المثالي لاستضافة المؤتمر العالمي عبر الأديان الذي كنت أحضره، والذي ترعاه مبادرة الأديان المتحدة، وهي منظمة عالمية بين الأديان ممثلة في الأمم المتحدة.

مع انتشار الأنباء قمت مع المشاركين الآخرين في المؤتمر ببحث إمكانات أن تثير هذه الأحداث المزيد من أعمال العنف بين المجموعات الدينية. هل ستكون هناك فوضى وأعمال عنف أو هجمات على المسلمين أو الهندوس أو السيخ، مثل تلك التي وقعت في العقدين الماضيين؟ هل سيتم تدمير أماكن العبادة قبل أيام قليلة من الذكرى السنوية لتدمير مسجد بابري بقنبلة؟

ارتعش جسدي لفكرة قتل آلاف أخرى من الناس، ووقوع أمة ضحية للإرهاب والعنف الطائفي.

أكتب هذا اليوم وأنا أعي أن العنف الطائفي لم يحصل في أعقاب هجمات مومبي. واقع الأمر أن مسيرات وقعت في الأيام التي تلت تلك الأحداث، قام بها جنود من خلفيات دينية متنوعة، اجتمعت معا لتدين تلك الأعمال، ولتتضامن مع الضحايا. شعرت بالارتياح من أن شعبا ابتلى بتوترات الأديان تمكّن حتى الآن من تجنّب الوقوع مرة أخرى في دائرة العنف. كانت تلك بالنسبة لي الهند التي تذكّرتها كطفلة. نشأت أقضي أيام الصيف في مدينة شيناي الجنوبية، رابع أكبر مدينة في الهند. تتشارك شيناي في التنوع الديني في الهند وبنسب متساوية تقريبا. رغم التنوع الكبير في حجم المجموعات الدينية المختلفة، تمكّنت جميعها من العيش معا في شيناي بتناغم نسبي لعقود طويلة. قمت أثناء إقامتي في الهند بزيارة مدرسة فيرا سافاركار نيتاجي الثانوية، التي يتكون طلابها من المسلمين والهندوس والمسيحيين. رحّب بي الطلبة الذين يلبسون الزي المدرسي الأخضر بترحيبهم الكشفي والتصفيق والنشيد ثلاث مرات بتناغم تام. طرحوا أسئلة صعبة حول كيف تسعى المنظمة التي أعمل معها في شيكاغو، وهي «جوهر الشباب عبر الأديان» لتحقيق العمل بين الأديان من خلال الحوار وخدمة المجتمع، وكيف يمكن لهذا النموذج أن يُترجَم في مدرستهم في شيناي.

يلتزم مدراء المدرسة ببناء الجسور مع جيرانهم لضمان أنه عندما تهدد أحداث مثل هجمات مومبي بإيجاد توترات عبر الأديان، يكون بإمكانهم الاستعانة بدعم المجتمع المحلي الذي يشارك عبر مسئوليته المجتمعية والعلاقات القائمة ضمنه.

لهذا الهدف، يقوم مدراء المدرسة وأساتذتها وبشكل منتظم بدعوة الأهالي للمشاركة والتطوع في البرامج المدرسية. على سبيل المثال، تمت دعوة العديد من الأهالي للاجتماع بي أثناء زيارتي. استقدمت المدرسة مترجما لترجمة كلمتي إلى لغة التاميل وهي اللغة المحلية في شيناي، وجرى تشجيع الضيوف على طرح الأسئلة والبوح بآرائهم حول العمل عبر الأديان.

ولكن الأهم من ذلك كله أن هؤلاء الأهالي، الذين يأتون من خلفيات دينية متنوعة تشاركوا في مساحة يستطيعون من خلالها أن يعرفوا بعضهم بعضا وأن يقضوا بعض الوقت يفكرون بتجاربهم معا. يقوم هؤلاء التربويين ببناء هذا المجتمع على أسس القيم المشتركة في التعليم والتعددية والخدمة، المتأصلة في النسيج الاجتماعي للمدرسة والمجتمع المحيط بهم.

وليست مدرسة فيرا سافاركار نتاجي الثانوية سوى واحدة من مدارس عديدة تعمل على بناء مجتمع محلّي مشارك اجتماعيا في شيناي، وهو إثبات على أن بإمكان التعددية أن تعيش وتزدهر، وهي تفعل ذلك فعليا، في الهند، رغم الصورة التي رسمتها هجمات مومبي للعالم. تتحول أفكاري الآن إلى الإرهابيين، هؤلاء الشباب الذي شعروا أنهم مضطرون للقيام بما فعلوه. هل تصرفوا بشكل فردي؟ ماذا كانت نواياهم؟ هل كان هناك هدف حقيقي بتقسيم البلد مرة أخرى من خلال إطلاق العنف الطائفي باسم الدين؟

إذا كان الأمر كذلك فأنا متأكد أنهم فشلوا. تثبت الحياة في الهند، حتى هذا اليوم بعد الهجمات، أنه في عالم من التنوع الديني، تستمر التعددية والتعايش بالازدهار.

*زميلة في البرامج في مجال الامتداد والتعليم والتدريب في منظمة جوهر الشباب عبر الأديان في شيكاغو، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2321 - الإثنين 12 يناير 2009م الموافق 15 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً