العدد 335 - الأربعاء 06 أغسطس 2003م الموافق 08 جمادى الآخرة 1424هـ

لماذا قال سلمان الفارسي: «كرديد ونكرديد»؟

القرار الخاطىء لا يصحّحه قرار مثله

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في أول خلافٍ نشب بين المسلمين بعد وفاة الرسول (ص) جاءوا يسألون سلمان الفارسي (رض) عن رأيه فقال: « كرديد ونكرديد»، ومعناها «عملتم وماعملتم» كما سجّلها المؤرخون العرب... وفي هذا الموقف الكثير من الغموض القدسي الجميل!

والموقف الجديد الذي أعلنه العضو المنتدب بمجلس إدارة بنك البحرين الوطني أمس الأول في رسالته إلى وزير العمل فتح باب الأمل في التوصل إلى حلّ، ولكنه كشف عن سوء فهم «طبقي»، نرجو ألاّ يطول طمعا في تصحيح الوضع الملتبس. فمن خلال المتابعة الحثيثة لقضية قرار فرض الضريبة مذ كان جنينا في طور الشائعات حتى رسالة الرد على الوزير، تكتشف ان هناك سوء تقدير غير مقصود للأمور. فالقرار من الأساس خاطىء، وبحسب ما هو متوافر من معلومات لم يكن قرارا إداريا بل كان مجرد اقتراح من شخص واحد نقله إلى مسئوله الذي تسرّع في قبوله، من هنا تأتي المطالبة بالتراجع عن القرار الخاطىء نفسه ما يعيد الأمور إلى نصابها، إن لم يكن التفكير الجدي في خطوات أكبر لمصلحة فقراء البلد الذين لا يعترف بوجودهم أحد.

ربما تكون هناك بعض المشكلات التي ترافق قضية التحويلات إلى حساب الصناديق الخيرية والمؤسسات الاسلامية، ولكن «ليس من المعقول او المقبول» أن يكون الحل بفرض ضريبة ستترتب عليها مشكلات أكبر وأضخم ستدفع ثمنها تلك الطبقة المسحوقة في قاع المجتمع، التي لا تملك لسانا يجأر بالشكوى. ولنكن واضحين: المشكلة بهذه الصورة هي بين المصرف والفقراء المدقعين مباشرة، وما الصناديق الخيرية إلا وسيط يقوم بإيصال أموال المتبرعين إلى المحتاجين.

وللعلم فإن القائمين على إدارة الصناديق والجمعيات أكثرهم من الطبقة الموسرة «غير المحتاجة»، فمنهم المدرّس والمدير ونائب المدير والموظف والمحاسب والفني ورجل الدين و... وهم من القلة التي مازالت تؤمن بالعمل التطوعي في وقت تتراجع فيه القيم الجماعية لصالح الذات و «الأنا». وهي فئة مؤهلة وعيا وثقافة للوصول بسهولة إلى حل، وخصوصا ان خطواتها أثبتت وجود حسٍ كبيرٍ بالمسئولية والتعقل، إذ لجأت إلى وزارة العمل، بصفتها الجهة التي تشرف على أنشطتها رسميا.

مسألة أخرى يجب ان تكون واضحة للسادة من طبقة «المديرين»، ان هناك فقرا مدقعا حتى الأمم المتحدة في البحرين حاولت إنكاره، وإذا أردتم التحقق منه فاسألوا الصناديق الخيرية التي تعرف جزءا منه، وجزء آخر يبقى طي الكتمان، تقف عليه بالصدفة عندما تصلك قصة عائلة تعيش طوال شهر رمضان على العَدَس والدقيق في الفطور والسحور، أو تعرف عن عوائل يكون عشاؤها البصل المطبوخ والخبز. المرء معذور إن لم يعلم، ولكن إذا علم فالحجة عليه قائمة، كيف يشبع وجاره جائع. هذه تعاليم نبينا محمد (ص) التي تربينا عليها، فإذا تخلينا عنها نزلنا إلى مستوى الذئاب التي لا تفكر إلا في كنز الأموال على طريقة «شيلوك» تاجر البندقية الذي أراد اقتطاع رطل من لحم المدين المعسر.

أجمل ما في تصريح العضو المنتدب قوله: «إن الإدارة ستبذل كل ما بوسعها للتوصل إلى حل معقول ومقبول للأطراف المعنية»، وهو ما كانت لجنة المتابعة تسعى إليه في الفترة السابقة ولكنها لم تجد غير الصدود، فاضطرت إلى اللجوء إلى وزارة العمل بحثا عن حلٍّ للمأزق. ولكن ما طرحه المصرف لم يكن بالحل المرضي حقا، إذا علمنا أن غالبية المتبرعين للصناديق (90 في المئة) هم من طبقة الفقراء الذين يتبرعون بمبلغ دينار واحد شهريا لمن هم أفقر منهم، فاقتطاع دينار واحد على كل دينار كان سينفّر هؤلاء من التبرع، وإذا فرضنا عليهم الدفع مرة واحدة فسيكون دفع مبلغ 12 دينارا كبيرا جدا بالنسبة إلى موازنتهم.

الفئة الأخرى (10 في المئة من المتبرعين) هي المقتدرة على دفع 5 أو 10 او 15 دينارا، بإمكانها أن تدفع هذا المبلغ شهريا، ولكن إذا فرضنا عليها الدفع سنويا فسيتخلى غالبية هؤلاء عن الدفع أيضا، فبإمكان المرء مثلا دفع عشرة دنانير شهريا، ولكن إذا فرضنا عليه دفع 120 دينارا مرة واحدة فسنعرّض موازنته للانهيار. هؤلاء هم جمهور المتبرعين في هدوء، وليس من بينهم وزراء أو تجار كبار أو «مدراء بنوك» حتى نفكّر في تحميلهم الدفع مرة في العام.

القراءة المدقّقة في خيار التحويل مرة واحدة في السنة توصِلنا إلى انه ليس حلا عمليا. المصرف تقدّم ربع المسافة نحو الحل، وكانت لجنة المتابعة قطعت نصف الطريق، وبقى على المصرف أن يقطع الربع الباقي للوصول إلى «حلٍّ مقبول ومعقول من كل الاطراف»، كما صرّح العضو المنتدب حسن جمعة. وإذا أردنا فعلا «التمسك بروح التعاون وتقديم العون اللازم لهذه المؤسسات الخيرية» فعلينا إلغاء القرار المجحف من الأساس، وعدم فرض التحويلات مرة واحدة في السنة لأنه لن يقدّم حلا بمقدار ما يخلق مشكلة أخرى سيدفع ثمنها فقراء البلد الذين يعيشون على الخبز من دون إدام. الأمل كبير بالإلغاء، فنحن شعب لم تربّنا أمهاتنا على العيش على لحوم الاخرين، فكيف إذا كانت لحوم الفقراء المهزولين

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 335 - الأربعاء 06 أغسطس 2003م الموافق 08 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً