العدد 356 - الأربعاء 27 أغسطس 2003م الموافق 29 جمادى الآخرة 1424هـ

أين تكمن الحقيقة في خلاف المعارضة والحكومة؟

على خلفية اجتماع «مجلس اللوردات»

عبدالله العباسي comments [at] alwasatnews.com

ماذا يجري في الساحة البحرينية اليوم؟ أين تكمن الحقيقة في الخلاف بين المعارضة والحكومة؟ هل يؤدي هذا الخلاف إلى طريق مسدود؟ أيهما على حق المعارضة أم الحكومة؟ هل يمكن التوصل إلى حل وسط؟ هل استنفدت المعارضة سبل التوصل إلى حل داخلي لتلجأ إلى الخارج؟ هل من مصلحة الوطن إما الحصول على طموحاته كلها وإلا فلا؟ هل ما قدمته القيادة الإصلاحية الجديدة لا يستحق الثناء؟ فإما أن تفي بكل وعودها أو لنرجع إلى المربع الأول؟ أسئلة كثيرة تدور في ذهن المواطن البحريني بعد أن احتدم الخلاف بين المعارضة والحكومة.

إن ما يجري في الساحة البحرينية اليوم من خلاف بين بعض الجمعيات السياسية والحكومة وبدأ يتصاعد بشكل لم يكن يتوقعه المواطن أمر مقلق وخصوصا في عملية التجنيس السياسي التي يتم التركيز عليها، ما يفرض سؤالا حساسا: هل تستحق عملية التجنيس التضحية بالمكاسب السابقة؟ أليس هناك خوف من أن يضطر النظام بهذا الشكل من التحاور الساخن للقيام بأمور لا نتمناها وخصوصا أن هناك من يراهن على ذلك بل ولم يقطع الأمل بعد في أن يستعدي القيادة الإصلاحية على الشعب ويضعها أمام الأمر الواقع؟ أم أن ذاك الزمان قد ولى ولا يتمكن أي نظام عربي من التراجع للأسباب الدولية المستجدة؟

المعارضة طرحت الموضوع على مجلس اللوردات في لندن وقامت بعض رموز المعارضة وقياديون في بعض الجمعيات السياسية بتحويل البكائية المحلية إلى خارج البلاد... فهل درسوا الوضع وتوصلوا إلى أنه انتهى الأمل في الحوار مع القيادة الإصلاحية المحلية وأنها وصلت بالفعل إلى طريق مسدود وأن الجماهير أعطتها صلاحية توسيع هذا الخلاف وتعميقه وتصعيده؟ وهل لعملية التوسيع شرعية من قبل المواطنين؟

لاشك أننا جميعا بمختلف أطيافنا نرى أن «التجنيس سياسي»، في الوقت الذي هناك المئات على قائمة إدارة الهجرة والجوازات ممن هم أكثر شرعية لم يتم حسم أمورهم ممن نسميهم «البدون». لكن هل الجمعيات السياسية والمعارضة مخولة الدخول في معارك ساخنة مع القيادة الجديدة قبل أن تستنفد كل ما في جعبتها من لغة التحاور؟ أوليس هناك متسع من للأخذ والعطاء؟

إن هناك من يسرب أن هناك أمورا حدثت أو تحدث من قبل بعض أجهزة الدولة من دون رضا أطراف القيادة الإصلاحية الجديدة.

هل ترى المعارضة أن كل المسئولية تقع على كاهل القيادة الإصلاحية الجديدة؟ أم أن هناك أجهزة داخل هذه البلاد تريد حقيقة لهذا الخلاف أن يتسع؟ ثم هل هذا التسخين سيصب في صالح المواطن في النهاية؟

الحقيقة أصبحت ضائعة فعلا ويكفي أن نطلع على تصريح وزير الدولة ووزير الإعلام بالنيابة عبدالنبي الشعلة الذي يكشف في حديثه أن الجهات المسئولة مازالت مستعدة للحوار وأن ما يزعجها فقط أن تتم الدعوة للتصحيح من خلال المنابر الخارجية، بمعنى أن هناك استعدادا للحوار والباب لم يغلق بعد كما قال في أعقاب لقاء المعارضة ببعض أعضاء مجلس اللوردات في تصريح لـ «الوسط»: من حيث المبدأ فإن الحكومة لا تتفق مع أسلوب استخدام المنابر الأجنبية والخارجية لمعالجة قضايا تخص الأسرة البحرينية والوضع الداخلي وخصوصا أن منابر الحوار متوافرة محليا بما في ذلك تنظيم الندوات والاجتماعات واللقاءات، ومساحة الحرية واسعة بشكل كاف ومتزايد ومُتَنامٍ.

ثم إن حديث الشعلة أخذ بعدا واضحا يكشف أن هناك استعدادا كبيرا لدى القيادة الإصلاحية الجديدة المتمثلة في جلالة الملك لتحقيق الإرادة الشعبية بل إن الوزير اعتبر اختلاف وجهات النظر ظاهرة صحية وأن كل القضايا يمكن أن تتم معالجتها، ولو اختلف على أسلوب المعالجة بما في ذلك ملف التجنيس الذي شكلت من أجله لجنة برلمانية.

إن هذا الكلام الصريح لوزير ينوب عن وزير الإعلام وعلى رؤوس الأشهاد يعني أن هناك متسعا من المجال للوصول إلى حل لعملية التجنيس، لكن الخلاف في الأسلوب وليس في المبدأ، إن كان الوزير جادا بعيدا عن أسلوب المناورة.

ومن هنا فإن عملية التصعيد لا تخدم المصلحة الوطنية. وعلى المعارضة وبعض الجمعيات السياسية التي آلت على نفسها تصعيد الموقف محليا وخارجيا أن تثبت للجماهير أنها لا تقوم بذلك متسرعة ومن موقف عاطفي وان القيادة قالت «لا»، وتثبت حقيقة ذلك عمليا وإلا فإنه لا شرعية لهذا التصعيد. ربما يكون ردهم أن حضور الآلاف ندوة التجنيس التي أقيمت حديثا في المنامة استبيان واضح لهذه الشرعية، ولكن مع ذلك فإن هذا لا يعني إطلاقا الشرعية في الذهاب إلى الخارج خوفا من أن يأتي ذلك من منطلق المثل الشعبي القائل «راح إيدور الفايده ياته الخساره زايده».

نعم، الكل متفق على خطورة التجنيس السياسي في بلد مثل البحرين التي تعاني من شح في مجال العمل وأوضاع اقتصادية متردية وتنمية جامدة وإحباط غير عادي لدى شريحة واسعة من المواطنين.

لكن الكل غير متفق على ما تستخدمه هذه الجمعيات السياسية من أسلوب للمعالجة.

إن المواطن البحريني مستعد أن للقيام بكل التضحيات المطلوبة، إن اتضخ له أن هناك تآمرا على رزقه ورزق عياله وأن هناك من يريد أن ينتزع هذه اللقمة البسيطة التي بالكاد يحصل عليها بصعوبة من فمه لكن بشرط أن تتضح له الصورة الحقيقية، وليس من حق الجمعيات السياسية الخروج من النطاق المحلي من دون العودة إليه والتعرف على المزاج الشعبي في مختلف أنحاء البلاد بحيث يعطيها الشرعية لمواصلة التصعيد.

ربما هناك تأخر في تحقيق القيادة الجديدة طموحات المواطن، والتي كانت في الحقيقة أكبر مما حدث وأن التجنيس يدخل في باب بعض سلبياتها وعدم دراسة المزاج العام لكل الأطياف التي تكاد تجمع على رفضها لهذا النوع من التجنيس وخصوصا أن الجهاز المسئول في الداخلية المتمثلة في إدارة الهجرة والجوازات لم ينجز مشكلات «البدون» التي كانت أصلا مطلبا شعبيا، ما شكك في نوايا الحكومة على رغم أن هؤلاء «البدون» أكثر التصاقا بالوطن ثقافيا وفكريا وحسيا، وخصوصا أن جلالة الملك قال في أكثر من تصريح إن المملكة مازالت تواصل طريقها الإصلاحي. وتصحيح المسارات وحديث التصحيح لا يعني ما جرى في الماضي فقط بل يعني ما يجري فيما بعد عملية التصحيح أيضا. باختصار مازال المواطن البحريني يحدوه الأمل أن يحظى بحقوقه من دون الدخول في معارك مع قيادته ومن دون انقطاع للغة الحوار الهادئ المتزن.

وحين يقتنع المواطن البحريني أن هناك تحديا واضحا من قبل هذه القيادة لمشاعر المواطنين وإصرارا منها على عدم تصحيح الأخطاء التي حدثت والتفكير في إنهاء أزمات المواطن الحياتية والمعنوية والنفسية وفي مقدمتها عملية التجنيس السياسي بشكل جاد... ساعتها تتضح علامات الاستياء على وجه كل مواطن سواء في قرى البحرين أو في مدنها في دمستان وكرزكان وداركليب وغيرها، مثلها مثل المنامة والمحرق ومدينة عيسى ومدينة حمد وغيرها.

نائب رئيس اللجنة البرلمانية البريطانية لحقوق الإنسان اللورد ايفبوري دعا إلى عقد هذه الندوة بمناسبة مرور 32 سنة على استقلال البحرين نوقره وله كل امتناننا وتقديرنا لمواقفه السابقة من دعم الشعب البحريني... أمر مفروغ منه، لكن الجديد في طرحه والذي أصبح محل الاستفسار هذا التغير المفاجئ في لهجته وأسلوبه؛ فقد بارك بشدة عمليات الإصلاح التي قام بها جلالة الملك واعتبرها خطوات جادة في مجال التصحيح يجب أن تحتذى بالأمس القريب، ويأتي اليوم ليلقي كل هذا الكم من اللوم والاتهام على القيادة بحيث يعتبر أن ما يوجد لا يعتبر برلمانا حقيقيا لأنه برلمان من دون صلاحيات وأن ما جرى كان شكلا من الخداع.

هذا الاختلاف في الطرح بين المباركة والاتهام هو الذي جعل المواطن يتساءل: ماذا وراء تغير لهجته؟

هذا الكلام أقرأ فيه أن اللورد ايفبوري كان يجامل في الماضي، ويؤكد أن ما يفعله صحيح فالديمقراطية مرنة يمكن البدء بنقطة ثم إضافة الجديد عليها، مثلما هو قائم في بريطانيا فهي ملكية دستورية من دون دستور مكتوب ويضاف الجديد إلى قوانينها كلما استجد الموقف واحتاج المواطن البريطاني إلى مزيد منها، وهذا ما فعله الملك في تشكيله البرلماني الذي ارتآه، فلماذا قال اللورد إن الديمقراطية عملية مرنة خلال في يناير/كانون الثاني الماضي؟ ولماذا لم يشدد من دون مجاملة آنذاك أن هذا الشكل من الديمقراطية لا يعتبر ديمقراطية حقيقية ليأتي اليوم ويعلن من مجلس اللوردات هذه التهم؟ ومع ذلك ومع كل اعتزاز وتقدير كل مواطن بحريني غيور على وطنه وشرفه بمواقف اللورد السابقة معنا، لكن التناقض الواضح بين اللقاء وتصريحه اليوم يجعل الإنسان يخشى من أنه سريع التأثر بما يطرح عليه ويتخذ مواقف عاطفية مستعجلة.

ومع ذلك فإن إرشاده بضرورة اتباع السياسة البريطانية لإنهاء الأزمات الموجودة من خلال تشكيل مؤسسات رسمية لإنهاء مآزق التفرقة لتنفيذ الاتفاقات الخاصة بمنع التمييز من خلال «لجنة المساواة» على غرار «CRE» التي تراقب مختلف الأمور لتتأكد أنه لا يوجد تمييز بين المواطنين على أساس إثني ولجنة تساوي الفرص « EOC» التي تراقب التعيينات في الحياة العامة وفي الشركات وفي المجالات المختلفة لتتأكد أن الفرص تتوافر لجميع المواطنين مؤكدا أن مثل هذه المؤسسات تساعد في تنمية الديمقراطية والسلم الأهلي وتقضي على إحساس بعض الفئات بالمحرومية... أمور منطقية وتساعد على تحقيق كثير من الانفراج النفسي وتعطي المواطن إحساسا بالمساواة وتبعد القيادة عن دائرة الشك من لوم الناس الذي يقع من خلال ممارسة خاطئة للأفراد المسئولين هي بريئة منها.

إنها اقتراحات منطقية ومعقولة بالفعل ويمكن تنفيذها لو صفت النية ويمكن تحقيق ذلك من خلال حوار هادئ ومن غير صراخ.

إن مشكلة المواطن لا تكمن في قيادته العليا بل في الجهات المسئولة عن إسناد المراكز القيادية لها في المناطق الحساسة على رغم سماع صراخ المواطنين وإحساسهم بأن هذه العناصر غير عادلة وتخدم مصالحها الخاصة وكأن ممارساتهم الخاطئة تفرح من أَسْنَد إليهم هذه المواقع. وهذا ما يجرح المواطن ويجعله يعيش قهرا متواصلا.

والسؤال أين تكمن الحقيقة بين معارضة تركب الطائرة لتوصل استغاثتها إلى مجلس اللوردات البريطاني وحكومة ترى أن المشكلات الأسرية يجب أن تحل بينهما بعيدا عن الفضائح من منطلق قول الرسول (ص) :«استعينوا على أموركم بالكتمان»

العدد 356 - الأربعاء 27 أغسطس 2003م الموافق 29 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً