العدد 358 - الجمعة 29 أغسطس 2003م الموافق 02 رجب 1424هـ

واشنطن تغير شعارات الحرب لإنقاذ بوش

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

بالتأكيد لم يتوقع جورج بوش هذا الموقف. ومنذ أيام غيرت وسائل الاعلام الأميركية لهجتها وبدأت تضم صوتها للأصوات الناقدة في أوروبا والعالم العربي التي ترى ان ما يجري اليوم في العراق انعكاس لما تم التحذير منه قبل وقوع الحرب. للمرة الأولى بعد الشعبية الصاروخية التي حصل عليها بوش قبل عامين بعد إعلانه الحرب على الإرهاب عقب هجوم 11 سبتمبر/ أيلول بدأت شعبيته في الداخل تنخفض، واصبح من المتوقع ان تتخلى وسائل الاعلام الأميركية عن معاملته بدلال كما دأبت في العامين الماضيين. كما بدأ الحزب الديمقراطي المعارض بشن حملات مركزة ضد إدارة بوش وخصوصا في مجال السياسة الخارجية، في وقت يشعر المحافظون بالقلق بسبب الانزلاقة التي لم تتوقعها واشنطن في المستنقع العراقي. وتشك نسبة 69 في المئة من الأميركيين وفقا لحملة استطلاع تمت لحساب مجلة (نيوزويك)، في بلادهم ستنجح في تحقيق الديمقراطية في العراق كما أعربت نسبة مماثلة عن قلقها حيال مصير الجنود الأميركيين.

ان الأنباء التي ترد من العراق لا تحمل يوميا تقارير عن الهجمات التي يتعرض لها جنود الاحتلال فحسب بل أيضا، الزيادة العالية لتكاليف الغزو والبالغة 4 مليارات دولار شهريا. كذلك اعترف الحاكم المدني في العراق بول بريمر بأن هذا البلد سيحتاج في العام المقبل إلى أكثر من 10 مليارات دولار للبدء في اعادة الاعمار، الأمر الذي لا تتمكن الخزانة الأميركية ان تتحمله بسبب مديونيتها العالية التي وصلت حد 480 مليار دولار.

كان دافع بوش ان يفوز بانتخابات الرئاسة مرة ثانية ويدخل الحملة الانتخابية كبطل حرب. غير ان سقوط أكثر من 140 جنديا بعد اعلان الرئيس رسميا نهاية العمليات العسكرية في العراق بتاريخ الأول من مايو/ أيار الماضي، واعتراف الجنرال الأميركي من اصل لبناني جون أبي زيد ان القوات تواجه مقاومة ضروس من جماعات متعددة الأهداف والجنسيات، وكذلك اعلان بوش ان القوات ستبقى فترة زمنية طويلة في العراق، كل هذه التطورات مجتمعة بدأت تغير نظرة الرأي العام الأميركي للحرب وانتشار مشاعر العداء ضد بوش وأعضاء إدارته وخصوصا وزير الدفاع دونالد رامسفيلد ونائبه ومهندس الحروب بول ولفوفوفيتز، في صفوف الجنود الأميركيين.

وكانت الولايات المتحدة شنت حربها على العراق بذريعة القضاء على «أسلحة الدمار الشامل» التي قالت واشنطن ولندن انها تهدد أمن «إسرائيل» وسائر الدول المجاورة كما تهدد أمن الغرب. واستطاع بوش ان يصمد أمام الاتهامات بالكذب على شعبه والعالم نتيجة فشل بلاده في العثور على هذه الأسلحة، الأمر الذي دفعه إلى الكشف ان مصدر هذه المعلومات كانت الحكومة البريطانية ورئيسها طوني بلير الذي يعاني الآن من ضغط كبير يهدد مستقبله السياسي وخصوصا بعد انتحار مفتش الأسلحة البريطاني ديفيد كيلي. وقد فشلت واشنطن ولندن في الحصول على موافقة مجلس الأمن الدولي لحصول حرب العراق على تفويض دولي كما تواجهان الفشل حاليا في الحصول على قرار جديد بشأن العراق، يرسخ احتلالهما لهذا البلد العربي.

بعد فضح كذبة أسلحة الدمار الشامل راح الأميركيون يتحدثون عن جرائم النظام السابق ضد حقوق الإنسان، ولكن ذلك لم يكن فعالا ولم يبرر الحرب. كل يوم يمضي على وجود الاحتلال، يزيد قلق الشعب الأميركي ويضعف فرص بوش للفوز بانتخابات الرئاسة المقررة في العام المقبل.

امام هذا المأزق وخشية على مستقبل الرئيس يبدو ان الرؤوس المدبرة لحرب العراق فكرت مرة أخرى بخطوة تضمن لها استعادة الثقة التي تبددت في الآونة الأخيرة. إذ يلاحظ في التصريحات التي بدأت تصدر بصورة مكثفة عن بريمر، وسائر المسئولين السياسيين والعسكريين الأميركيين، انه يتم التركيز على دافع جديد للاستمرار في احتلال العراق، وهو مكافحة الإرهاب الدولي. ويرى المراقبون انها خطوة سيركز الصقور في واشنطن بصورة خاصة عليها لان من شأنها ان تؤدي إلى نتائج مفيدة تخدم مصالح الولايات المتحدة في منطقة الخليج. ولم يكن مجرد صدفة ان يقارب بوش الحرب التي نشأت بعد إعلانه نهاية العمليات العسكرية في مطلع مايو الماضي، والحرب المناهضة للإرهاب التي أعلنها بعد هجوم 11 سبتمبر 2001.

والواضح ان بوش يعرف حساسية موضوع الإرهاب عند الشعب الأميركي وخصوصا الفئات المحافظة، وامكان الحصول على تأييد الغالبية لسياسته في العراق التي من ا لآن وصاعدا ستحمل شعار الحرب ضد الإرهاب بعد أن بدأت عملية ترويج مكثفة لمعلومات تتهم السعودية وإيران وسورية بغض النظر عن تسلل مقاتلين ينتمون إلى جماعات اصولية، يريدون تصفية حسابات قديمة مع الولايات المتحدة إذ ادت الظروف إلى تحول العراق إلى ساحة مواجهة جديدة للإسلاميين مع جنود القوة العظمى. الهدف الاستراتيجي الثاني هو جر الدول المنضمة للحرب المناهضة للإرهاب إلى المستنقع العراقي من خلال التمسك بان الولايات المتحدة تواصل الحرب ضد الإرهاب على ارض العراق. على سبيل المثال ألمانيا التي رفضت المشاركة في حرب العراق ونشأ توتر شديد في علاقاتها مع الحليف الأميركي، تشهد مناقشات حاليا بشأن احتمال ارسال جنود ألمان إلى العراق في حال صدور قرار دولي من قبل الأمم المتحدة أو في إطار قوة تابعة لحلف شمال الاطلسي، ويجمع المراقبون هنا على رغبة المستشار الألماني غيرهارد شرودر عقد مصالحة مع بوش بتاريخ 23 سبتمبر المقبل حين يلتقيان في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومن المنتظر ان يعلن كل منهما عن موقف مهم بخصوص العراق. وكان وزير الخارجية الألماني يوشكا فيشر أول مسئول ألماني تبنى الموقف الأميركي حين صرح حديثا بأن الإسلاميين المتطرفين يريدون القضاء على الحياة التي يعيشها الناس في الغرب وانه ينبغي محاربتهم.

ويزيد بوش ومساعدوه على ذلك برفع الشعار الآتي: «ينبغي علينا محاربة الإرهابيين في أماكن وجودهم». وفي هذه الحال في العراق. يأمل بوش ان ينجح من وراء هذه الاستراتيجية بجمع البلدان النشطة في الحرب المناهضة للإرهاب إلى جانبه كي تزداد فرصته بالفوز بولاية جديدة في البيت الابيض. ترمي الإدارة الأميركية من وراء رفع الشعار القديم الجديد الى صرف الانتباه عن المناقشات التي اشعلها الثلاثي: روسيا وفرنسا وألمانيا، بحصول الأمم المتحدة على دور رئيسي في بناء العراق. ولكن ليس هناك ما يوحي ان الولايات المتحدة عازمة على التنازل للهيئة الدولية. ان معنى الرسالة التي وجهها بوش إلى الشعب الأميركي واضحة حين قال إن بلاده تحارب إرهاب الإسلاميين المتطرفين في العراق. إذا لم تحاربهم الولايات المتحدة في أماكن وجودهم، سيسعون إلى القيام باعتداءات على الولايات المتحدة مثلما فعلوا في نيويورك وواشنطن. ومازالت صور هجوم 11 سبتمبر راسخة في اذهان الأميركيين. وسيصبح كل هجوم على الجنود في الفلوجة أو بغداد أو تكريت بمثابة عمل إرهابي على مستوى واحد مع هجوم سبتمبر. ويريد بوش ان يجري النظر لجنود الاحتلال في العراق كأنهم رجال المطافئ في نيويورك، الذي يعاملون معاملة الابطال، أي يصبح جنود الاحتلال ابطالا وضحايا. وهذه هي الورقة الأخيرة بيد بوش قبل بدء حملته الانتخابية ذلك انه مع سقوط اعداد متزايدة من الجنود في العراق يهدد فرصة الفوز بولاية ثانية في البيت الابيض. ولكن تجربة حرب فيتنام دلت على ان الرأي العام الأميركي يحتاج إلى وقت طويل حتى يبدأ بالاحتجاج.

إن بوش الذي قلل الكثيرون من قدرته على التصرف، استغل هجوم 11 سبتمبر وحصل على تأييد غالبية الأميركيين للمضي في الحرب على «طالبان» و«القاعدة» في أفغانستان ثم اقنع الأميركيين بأن صدام حسين ضالع في الهجوم على نيويورك وواشنطن.

ويخطط الاستراتيجيون في واشنطن لاستغلال الذكرى الثانية لهجوم 11 سبتمبر في اظهار بوش بصفة بطل حقق انتصارات على الإرهابيين. بوسع صور الجنود الأميركيين القتلى والجرحى ان تساعد حملة بوش الخادعة في التركيز على ضرورة مواصلة الحرب المناهضة للإرهاب واستخدامها كتحذير للناخبين من الابتعاد عن تأييد الرئيس الذي أصبح يحوز خبرة في مجال شن الحروب. في هذا الإطار قال قائد القوات الأميركية في العراق ريكاردو سانشيز عبارة بمثابة تحذير موجه إلى الشعب الأميركي: «اننا نقاتل الإرهابيين في عقر دارهم واذا انسحبنا من العراق فسينقلون الحرب إلى داخل الولايات المتحدة. وهذا سيلحق ضررا مباشرا بأمن الشعب الأميركي

العدد 358 - الجمعة 29 أغسطس 2003م الموافق 02 رجب 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً