العدد 363 - الأربعاء 03 سبتمبر 2003م الموافق 07 رجب 1424هـ

عراقيون يتهمون واشنطن بتدبير مجزرة النجف واغتيال الحكيم

المد والجزر بين واشنطن والمجلس الأعلى للثورة الأسلامية

عصام فاهم العامري comments [at] alwasatnews.com

.

العلاقة وثيقة بين مذبحة النجف وبين تفجيري مقر الأمم المتحدة وسفارة الأردن في العراق. فأسلوب التفجير الذي ادى الى المجزرة مقارب لأسلوب تفجير مبنى الأمم المتحدة في بغداد، والسفارة الأردنية. والنتيجة الطبيعية لهذا معناها ان الجهة الفاعلة وراء كل هذه التفجيرات واحدة ربما تكون خارجية لها المصلحة في استطالة الفوضى التي تعج بها البلاد.

وعلى رغم ان الاتهامات الاولية اتجهت صوب فلول النظام السابق ونحو من يعتقد أن لهم ارتباطا به من المتشددين الاصوليين أو من تنظيم «القاعدة» فإن اتهامات اخرى لم تستبعد ضلوع اطراف خارجية في هذه التفجيرات وخصوصا في تفجير النجف. وبالنسبة إلى كثير من العراقيين، هناك اعتقاد بوجود رغبة اسرائيلية عميقة في ان يظل العراق وريث خلافات طائفية داخلية تطحنه وتلقي به بعيدا في غياهب الزمن فترة من الوقت، وان أكثر من فريق امني وسياحي واقتصادي دخل العراق فعلا لترسيخ اقدامه في البلاد. وان هذا التغلغل الصهيوني لقي انتقادات واضحة من المراجع الدينية والسياسية. ووفقا لهذه القناعة فإن الافتراض القائم لدى البعض يكمن في ان تفجير النجف من تدبير مخابرات «الموساد» الاسرائيلي. ويشير عميد كلية العلوم في جامعة بغداد ورئيس جمعية الشبان المسلمين، أنيس الراوي، إلى ان ضخامة التفجيرات الثلاثة (السفارة الاردنية ومقر الامم المتحدة ومن ثم النجف) ودقتها وتشابهها يبعث على اليقين بأنها من تنفيذ جهة واحدة ذات كفاءة فنية عالية.

ويرى الراوي «أن المخابرات الاسرائيلية التي باتت تسرح وتمرح في العراق من دون رقيب هي أكثر الجهات صلة بهذه الجرائم». ولا يستبعد ان تكون هذه العمليات تمت بعلم القوات الاميركية، بهدف إثارة الفتنة، والايحاء بأن هناك صراعا طائفيا. وختم الراوي تعليقه قائلا: «إن إشاعة الفوضى وانعدام الأمن يصبان في مصلحة قوى الاحتلال، ويمنحاها فرصة البقاء مدة أطول».

والحقيقة ان اصواتا كثيرة ترى ان هناك مصلحة في اغتيال السيدمحمدباقر الحكيم عبر الوسائل التي تبرع فيها المخابرات الاميركية، ويستند اصحاب هذه الرؤية إلى ان خلافات الحكيم عميقة مع الاميركيين الذين طلب مقاومتهم سلميا وظل يسميهم في خطبه بالاحتلال على عكس بقية اطراف المعارضة العراقية الاخرى، وإن ظل يعارض المقاومة المسلحة ويعتبرها خيارا أخيرا.

وتشير هذه الأوساط الى ارتباط الحكيم بإيران «فكريا»، الامر الذي دفع المسئولين في واشنطن إلى التعهد بمنع قيام نظام حكم على طريقة الثورة الاسلامية الايرانية، وان الرغبة الاميركية في «حرق» هذا البديل مع اقتراب لحظة تقسيم السلطة دفعهم إلى ارتكاب مذبحة النجف لخلط الاوراق حتى تبقى الاطراق ضعيفة يسهل التعاون معها والاعتماد عليها. ويؤكد اصحاب هذه الرؤية ان المراجع العليا في النجف لا تحبذ التدخل في السياسة وتؤمن بأن على علماء الدين ألا يتدخلوا في شئون الحكومة، وانه يجب المحافظة على مسافات تفصل بين الدين والسياسة، على عكس الحكيم الذي لم يفصل بين الدين والسياسة ويؤمن بدور للمراجع في الحكم. ويذكر اصحاب هذه الرؤية أن القوات الأميركية سبق ان هاجمت مقرات المجلس الاعلى للثورة الاسلامية مرات عدة واعتقلت مجموعات من التنظيم وهاجمت صحيفته «العدالة» الناطقة باسم المجلس مرات وتركت في المقابل أطرافا اخرى تعمل في هدوء.

ويستحضر اصحاب هذه الرؤية تجربة الحكيم لدعم تصوراتهم، ويشيرون في هذا الصدد إلى مشاركة الحكيم في العام 8591 في تأسيس «حزب الدعوة الإسلامية» بالتعاون مع مراجع شيعية أمثال آية الله العظمى محمدباقر الصدر، والعلامة محمد مهدي الحكيم، والعلامة مرتضى العسكري، غير ان الظروف أملت عليه ترك العمل داخل الإطار الحزبي في العام 1691 والتفرغ للعمل الجماهيري. ويؤكد اصحاب فرضية وجود مصلحة اميركية في اغتيال الحكيم انه دعا إلى ان تكون المرجعية الدينية هي الاطار العام للعمل السياسي والاجتماعي.

ويرى رئيس مركز الدراسات الدولية في بغداد محمد جواد علي ان القوات الاميركية جاءت لتبقى. ومن اهم مقومات وجودها وهيمنتها غياب وحدة القوى الوطنية والاسلامية. مشيرا إلى «ان حجم المؤامرة أكبر بكثير مما يمكن ان يتصوره أحد». مؤكدا «ان غزو العراق لم يكن عملية تحرير، وإنما هو مشروع استراتيجي اميركي متكامل يهدف إلى السيطرة ليس على المنطقة وحدها وإنما على العالم»... ويذهب جواد أبعد من ذلك عندما يعتبر الاتهامات الموجهة إلى شبكة «القاعدة»، بأنها «دعاية اميركية وصهيونية تهدف إلى ابعاد الشبهة عن الولايات المتحدة واسرائيل».

ان نظرية المؤامرة التي يتشبث بها البعض في رؤيته للحوادث ربما تذهب به بعيدا في الجنوح إلى عدم مراعاة وقائع الحاضر التي تشير إلى ان العراق بلد تحتله القوات الاميركية والبريطانية التي يعنيها نجاحها في فرض الاستقرار فيه. ومجزرة النجف برأي استاذ الاستراتيجية في جامعة النهرين فكرت نامق تبرز الصعوبات التي تواجهها القوات الاميركية البريطانية في إعادة الوضع إلى طبيعته وإرساء الاستقرار والأمن، وبالتالي فإن هذه المجزرة تشكل ضربة قاسية لجهود تلك القوات في هذا الاطار. ويعتقد استاذ الاستراتيجية ان الحكيم كان «صمام أمان» تحكم بقدر كبير في ضبط الغضب الشيعي من الاحتلال، ويقول «إن واشنطن فقدت بمقتل الحكيم رجلا معتدلا وبراغماتيا كان يمثل - على المدى القصير على الاقل - عنصرا مهما لضمان الاستقرار لدى الطائفة الشيعية التي تشكل الأكثرية في العراق»، باعتبار انه كان يعارض الهجمات ضد قوات الاحتلال. وتابع: «ان الحكيم كان يريد منع التصادم بين الشيعة والاميركيين، وبين الايرانيين والاميركيين، وبين الشيعة والسنة». واضاف: «ان وجود الحكيم كان ضروريا لواشنطن للحيلولة دون انفجار المرجل العراقي الذي كان يغلي بغضب الاكثرية، فضلا عن انه كان وسيلة اتصال بايران المجاورة، حيث امضى 32 عاما منفيا في هذا البلد».

ولكن زميله خليل الطيار يذكر «ان مقتل الحكيم اطاح برجل كانت تعتبره طهران عنصرا مهما لحفظ توازن القوى بين الولايات المتحدة وايران في عراق ما بعد صدام، وان مقتله يصب في مصلحة أميركا للتقليص من النفوذ الايراني، وبالتالي اضعاف لهيمنة المراجع وحراكها السياسي في الشارع العراقي، وهذا يخدم مصلحة اميركا التي تريد التعامل مع وسط سياسي ضعيف».

ويستعرض الطيار علاقة المجلس الاعلى الذي كان يتزعمه الحكيم بالولايات المتحدة ويصفها بأنها علاقة متقلبة بين المد والجزر، وقال «ان واشنطن ابعدت الجناح العسكري للمجلس الاعلى فيلق بدر عن الحرب على صدام وقبلت بمشاركة الميليشيات الكردية». ويوضح «ان المجلس الاعلى رفض المشاركة في اول اجتماع للمعارضة في الناصرية بعد سقوط النظام السابق، بل ان المجلس نظم تظاهرات شارك فيها الآلاف من الشيعة تنديدا بالاحتلال الاجنبي».

ويتابع الطيار: «ان قوات بدر هي التي سيطرت على مدينة بعقوبة إلى الشمال الشرقي من بغداد وبدأ فيها نشاطا مكثفا، قبل ان يصلها جنود البحرية الاميركيون بعد اسابيع من انتهاء الحرب وتحديدا منذ نهاية ابريل/نيسان لتنطلق بعد ذلك في بعقوبة مقاومة مازالت متواصلة ضد القوات الاميركية».

وأضاف الطيار ان الحكيم «كان براغماتيا مستعدا للتعامل مع الولايات المتحدة، لكنه في النهاية كان يريد اقامة جمهورية اسلامية». واشار في هذا الصدد إلى تصريحات الحكيم القائلة بقيام «دولة حديثة واسلامية» يشعر الجميع فيها بالامان وتلعب فيها المرأة دورا اساسيا. وأوضح ان الحكيم دفع المجلس الاعلى إلى المشاركة في اللعبة السياسية وان ادت إلى قيام نظام سياسي وطني تتمثل فيه الاحزاب والطوائف، لكنه كان ينطلق في ذلك من ان الشعب في النهاية سيطالب بحكومة اسلامية، باعتبار ان ارادة الناس ستنتصر في النظام الديمقراطي.

ويؤكد الطيار ان واشنطن كانت على طول الخط مرتابة من المجلس الاعلى، وهذا ما يفسر المداهمات المستمرة التي كانت تتعرض لها المكاتب التابعة للمجلس وكذلك الاعتقالات التي كانت تطول عناصره. ويقول ان مشاركة المجلس الاعلى في مجلس الحكم الانتقالي ما كانت لتتم «لولا احمد الجلبي الذي لعب دورا مطمئنا للامريكيين في اعتدال هذه الحركة التي تتمتع بالشعبية في اوساط الشيعة المتدينين».

لكن الطيار نفسه، يقول ان وجود المصلحة الاميركية في التخلص من الرجل، لا يعني اقدامها على فعل ذلك في هذا التوقيت. على الاقل لأن ذلك سيعقد الامور على القوات الاميركية والبريطانية ويزيد من مصاعبها في وقت بات يشكل العراق فيه عنصرا في استطلاعات الرأي الاميركي بصدد ادارة الرئيس جورج بوش. ويعتقد الطيار ان «اصابع القاعدة ليست بعيدة عن مسرح مجزرة النجف ولا عن الحوادث التي سبقتها في بغداد».

العدد 363 - الأربعاء 03 سبتمبر 2003م الموافق 07 رجب 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً