العدد 363 - الأربعاء 03 سبتمبر 2003م الموافق 07 رجب 1424هـ

جدلية البعد السياسي والاجتماعي للعراق في ظل الاحتلال

مجزرة النجف واغتيال الحكيم

حسين دعسه comments [at] alwasatnews.com

في ظل الاحتلال الاميركي للعراق، يأتي الاغتيال، وهو من الاغتيالات السياسية ذات البعد الديني والطائفي والاجتماعي، تختلط فيه المسميات ولا جديد امام «امن العراق» ومؤسساته الجديدة، الا بالبحث عن جدوى الفراغ والانفلات الأمني، واذا ما صحت الانباء التي نقلتها وكالات الانباء عن محافظ النجف والشرطة العراقية عن هوية وانتماءات الاربعة المتهمين بتنفيذ جريمة اغتيال آية الله محمد باقر الحكيم (وقيل انهم اعترفوا بذلك) فإن العراق بات الآن مفتوحا على سلبيات يصعب على اي احد التكهن بالمدى الذي ستصله تداعيات المجزرة التي ارتكبت ما يعني ان كرة اللهب - كما كرة الثلج - ستتسع وستأخذ طابعا يتناسب والطبيعة العراقية التي تمنح الثأر مرتبة متقدمة في الأجندات العشائرية والقبلية، ما بالك وهي الآن محمولة على بعد طائفي تغذيه عداوات ونزاعات ومؤامرات استمرت ثلاثة عقود هي عمر النظام السابق اضافة الى ارهاصات الاحتلال الاميركي البريطاني والصعوبات التي يواجهها مجلس الحكم الانتقالي وحال الانهيار الشامل في الامن والخدمات والمرافق.

ولئن مضت - تقول صحيفة «الرأي» الاردنية في افتتاحيتها ثاني يوم اغتيال الحكيم - جريمة تفجير السفارة الاردنية في بغداد من دون كشف الارهابيين والجهة أو (الجهات) التي تقف خلفهم وتلتها مجزرة تفجير مقر الامم المتحدة ولف الغموض مصير التحقيقات الجارية بشأنها حتى الآن، فإن سرعة الكشف عن الارهابيين - الذين اقترفوا مجزرة النجف «والتي يجب ان تؤخذ بحذر شديد نظرا إلى خطورة تداعياتها اثر الكشف عن انتماءات المتهمين المذهبية» - يزيد من الاسئلة عن اهمية ان يولى الملف الأمني العراقي أهمية خاصة ليس فقط لأن الفوضى هي السمة الرئيسة للمشهد العراقي بل وايضا لأن العراق بأسره بات ساحة مكشوفة ومفتوحة في الآن نفسه لأية جهة او تنظيم او حتى دولة تسعى إلى تصفية حسابات سياسية او دينية أو حتى اقتصادية بشكل او آخر كتأخير تدفق النفط العراقي او تعقيد مهمة اعمار العراق او رفع كلفة هذا الاعمار أو ايجاد مكان لها في عطاءات هذا الاعمار الذي يبدو أنه سيتأخر طويلا اذا ما استمرت الحال على ما هي عليه الآن وربما الى حال أسوأ.

ولعل اعلان السيد محمد بحر العلوم تعليق عضويته في مجلس الحكم الانتقالي حتى يتم تسليم مهمة الأمن الى قوات عراقية، وضرورة (وفق بحر العلوم) وجود قوات عربية لحماية الأماكن المقدسة العراقية يكشف المدى الذي ستصله الأمور بعد ان تجاوز مدبرو مجزرة النجف الأشرف الخطوط الحمر او أنهم فعلا ارادوا ذلك فجاءت التداعيات وفق مخططاتهم الاجرامية وادخلوا العراق والعراقيين في متاهات وخيارات بائسة لن يكون خيار الحرب الأهلية بعيدا عن هذا الوضع المتردي اذا لم يسارع الحكماء في العراق (وهم كثر) الى تحمل مسئولياتهم ووقف كل حملات التحريض والايحاءات وتحميل المجزرة بعدا طائفيا (وهو اكثر المزالق خطورة وبؤسا) لان الذين استهدفوا باقر الحكيم ارادوا الايحاء ببعدها الطائفي فيما هي ليست كذلك بل هي جريمة سياسية وجريمة ضد الانسانية وضد الدين وضد الاخلاق وكل ما يمت بصلة الى المشاعر.

العراق الآن على مفترق طرق حقيقي والفخ - الذي نجح الارهابيون ومن يقف خلفهم في نصبه للشعب العراقي المنهك والمتعب والجائع والمظلوم - يجب ان يرتد على اصحابه وعلى الذين يحبون العراق وشعبه والذين يقولون انهم عارضوا النظام السابق او اكتووا بدكتاتوريته وظلمه ان يتنادوا الى كلمة سواء وان يحاصروا الفتنة وألا يحملوها بعدا طائفيا بل ان يحصروها في بعدها السياسي وتداعياتها وبذلك يمكن ان يتجاوزوا - وان بكلفة عالية ودماء زكية كثيرة - المأزق الذي يسعى اعداء العراق في الداخل وفي الخارج على حد سواء الى زج الشعب العراقي باتجاهه لمضاعفة مأساته وتدمير ما تبقى من وطن وتحويله الى أفغانستان جديدة أو صومال اخرى أو حتى «لبننته» ببعده الطائفي.

وكانت عودة الحكيم الى العراق بعد اقامة قسرية في ايران، وكذلك عسيرة اذ مارس حكامها عليه ضغوطا كبيرة، لاسيما في السنتين الأخيرتين، حين كان فيها الرئيس المخلوع صدام حسين يستقبل وزراء ايرانيين في بغداد. والضغوط وان بدت مختلفة كانت حاضرة حين ارادت طهران من الحكيم ان يلعب دورا لحسابها ضد النظام في العراق لنحو عشرين عاما. وجاءت عودته الى النجف مهد المرجعية الشيعية وجامعاتها، لتحرره من الضغوط في هذا الاتجاه او ذاك، فهو وبعد عناء اصبح بين مؤازريه واهله، وليس ضيفا ثقيلا.

صحيح ان الحكيم - كما يشير الى ذلك تقرير كتبه محلل سياسي عراقي - بقي مقيما في العاصمة الاردنية حتى احتلال العراق، وكان يبدو بمظهر «القائد العسكري» وهو يجوب مناطق من الحدود مع العراق ايام كان يقود «فيلق بدر» الجناح العسكري للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية، الا انه كان يعرف ايضا عبء وجود عدد غير قليل من افراد المخابرات الإيرانية بين مقاتلي الفيلق الذين كانوا يشنون هجمات ضد مواقع عسكرية وسياسية حساسة تابعة لنظام صدام «بينها القصر الجمهوري»، فالإيرانيون كانوا يوجهون قيام «الفيلق» بشن الهجمات داخل العراق بشكل متصاعد كلما تصاعدت هجمات «مجاهدي خلق» ضد نظام طهران انطلاقا من الأراضي العراقية وبايعاز من مخابرات صدام.

وحرصُ الحكيم على الحضور الفاعل في اللقاءات التي كان يجريها زعماء المعارضة العراقية من خلال شقيقه عبدالعزيز الحكيم (العضو حاليا في مجلس الحكم الانتقالي) كان حركة سياسية ذكية لتخفيف الضغط.

وكان الراحل ودع - في كلمة له بطهران وقبيل دخوله العراق وتحديدا في 9 مايو/أيار الماضي - رموز الحكم الإيراني، حين كان المسئولون يرفضون تدخل الحكيم لصالح تخفيف الضغوط على نحو نصف مليون لاجئ عراقي عاد غالبيتهم الى العراق بعد عودة الحكيم.

وفي البصرة التي وصلها الحكيم عبر الحدود البرية ظهرت نبرة جديدة في تعاطي الرجل مع القوات الأميركية، فبعد مزيج من السخرية بالأميركيين وبالذات عدم قدرتهم على القبض على صدام وهو ما كان يقوله الحكيم انطلاقا من ايران، قال «نريد حكومة ديمقراطية، نريد حكم الشعب للشعب».

الخطاب السياسي المعتدل للحكيم بدا واضحا في كلمته الأولى اثناء دخوله العراق «نريد حكومة تمثل المسلمين جميعا شيعة وسنة وتمثل المسيحيين ايضا وكل طوائف العراق التي تمثل جميع ابناء الشعب». ومع ان الحكيم كان واضحا في موقفه الرافض للوجود الاجنبي في العراق «ليتركوا العراق للعراقيين وسيجدون العراقيين يستطيعون ان يحققوا الامن وان يحموا العراق» الا انه لم يشجع على «المواجهة المسلحة» سبيلا لترك الاجانب العراق.

الوسطية - في خطاب الحكيم - كانت حاضرة في اكثر من منحى «نريد ان نبني دولة عصرية بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى، دولة تعرف مفاهيم الاسلام وجوانبه الروحية وللمرأة - وهي نصف المجتمع - فيها نصيب كبير، فالبعض قد يتصور ان المتدينين سيحجبون المرأة عن المجتمع وهذا غير صحيح لأن المرأة نصف المجتمع».

وكان ابرز ما في نهج الحكيم، التعامل السياسي القائم على الاعتقاد بالديمقراطية البرلمانية في حال قيام نظام سياسي جديد في العراق «عندما يكون النظام العراقي بهذه الخصائص» منتخبا من الشعب «يكون نظاما اسلاميا عصريا ينسجم مع اساليب هذا العصر والزمان ومع التطورات الاجتماعية الموجودة فيه».

وللسيد الحكيم الراحل موقفه الواضح تجاه اي حس طائفي «نلتزم بتشيعنا لكننا لسنا طائفيين ولا نريد ان نفرض تشيعنا على أحد، وللسني ان يلتزم بمذهبه وان يكون مع اخيه المسلم الآخر، ويجب ان نكون متحدين في قضايانا الاسلامية وان تحكمنا المودة والحب والتناغم لكي نقيم حكومة العدل».

العدد 363 - الأربعاء 03 سبتمبر 2003م الموافق 07 رجب 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً