صدر أخيرا كتاب باللغة الإنجليزية لكاتبة أجنبية يولد فينا الشعور بالعودة إلى صحف حقبة ماضية أو إلى مجموعة صور قديمة بالأبيض والأسود لأناس تعرفهم تماما... وما يحمله إليك لا يزيد كثيرا على إعادة إحياء ما سجلته الذاكرة ومدونات كثيرة.
الكتاب من تأليف اليجا غوردون وقد صدر بالإنجليزية في ماليزيا إذ تقيم غوردون وهي داعية سلام كانت قد زارت مصر العام 4591 وأمضت فيها فترة.
عنوان الكتاب بالإنجليزية (إن ذي تايم أوف مشمش) أي (في زمن المشمش). كما حمل فوق العنوان كتابة بالعربية بخط اليد هي (بكرة بالمشمش بكرة في المشمش). وعلى الغلاف صورة لجمال عبدالناصر في رحلة له بالقطار، وهو يرفع يده محييا مستقبليه الريفيين. وجاء لون الغلاف أصفر بلون المشمش الناضج.
تشرح الكاتبة مفهومها لمسألة المشمش بالحديث عن الجلوس مع أصدقاء مصريين في مقهى الفيشاوي الشهير... وخارجه عربات باعة المشمش الذي تقول عنه إن مواسمه سريعة قصيرة. وتضيف: وفي الداخل كنا ننتظر زمن المشمش... ننتظر عالما جديدا يتسرب بتردد عبر خشبات الصناديق. وواضح أن القول المصري المعروف قد يذهب في سلبية معناه إلى ابعد مما شرحته. ويقول المصريون عن شيء انه سيحدث (في المشمش) تعبيرا عن استحالة حدوثه لقصر موسم المشمش.
كتب الكتاب العام 8591 ولكنه لم ينشر إلا أخيرا، وجاء في 111 صفحة. ومادة الكتاب هي انطباعات ذاتية وعمل تسجيلي. انه تصوير ذاتي لحوادث غدت معروفة. وقراءة المؤلفة الذاتية لهذه الحوادث... ما تقوله أو تلمح إليه... لم تأت بجديد. والكتاب أيضا ليس تأريخا ولا هو عمل أدبي فني محض. وما جاء به من معلومات وشهادات عيان لا يتعدى... عندما نقرأه الآن... اليومي المألوف عن عبدالناصر سلبا أو إيجابا. أما قيمته عند تسجيل مواده أي قبل نحو نصف قرن فلا يمكن الحكم في شأنها الآن. وما تكتبه... على شاعريته المستملحة أحيانا... يحمل صفات خبر ذي (ألوان) إنسانية تكتبه مراسلة صحافية ولا يتفرد كما يبدو لنا الآن بحقائق غير معروفة. ثم انه يختلف عن الموضوع الصحافي في انه يحمل آراء معينة بينة.
تكتب عن الفقر والمرض والجهل وعن السياسة والاخوان المسلمين والشيوعيين ومحمد نجيب والخلافات بين الضباط وعن عبدالناصر اليد القوية دائمة الحضور. وتتحدث عن الصبي ابن الثانية عشرة الذي يعمل نجارا بإشفاق يذكر بكتابات أدبية إنجليزية قديمة عن مأساة الأطفال الذين ينظفون المداخن. ولعل بعض عناوين محتويات الكتاب تفصح عن طبيعة موضوعاته. من ذلك: هذه مصر التي عرفتها. الخوف... إعدام أحد الإخوان، العودة إلى الثكنات، مكيافيللي يولد كل يوم، الشيوعيون يعتقلون والسوفيات يدخلون خفية، الفلاحون.
ولابد من الإشارة إلى أن الكاتبة (تطعم) كتابتها بين فترة وأخرى بكلمات عربية غير صحيحة اللفظ أو الترجمة وتكتبها بالأحرف اللاتينية. من ذلك الهتاف (يعيش عبدالناصر) وتكتبه (عيش عبدالناصر) وكذلك الهتاف المصري - السوداني (نيل واحد شعب واحد أمة واحدة) يصبح (واحد نيل واحد شعب واحد أمة). ومع ذلك كله فالكتاب يشكل قراءة ممتعة. وتختم المؤلفة كتابها بالقول التغيير الأساسي ليس قائما. علينا انتظار زمن المشمش إذ يتحول سير العالم ويصبح الناس أحرارا. ولهذا الزمن المجيد كرست حياتي وأكرس الآن هذا الكتاب.
العدد 363 - الأربعاء 03 سبتمبر 2003م الموافق 07 رجب 1424هـ