أكد مدير إدارة التوظيف بوزارة العمل محمد الأنصاري أن الوزارة لم تسجل أية طفرة أو أثر ملحوظ في معدلات البطالة خلال الأشهر القليلة الماضية بسبب تداعيات الأزمة المالية العالمية، وأنه لا وجود لحركة غير طبيعية في أعداد الموظفين والعمال الذين فقدوا وظائفهم نظرا إلى ثبات النسبة على المعدل الطبيعي المستقر.
وأضاف الأنصاري أن «الوزارة لم تُسجل لديها منذ شهر أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي أية حالة طوارئ في معدلات البطالة وفقدان الوظائف، بل على العكس، إذ كانت الوزارة تتسلم وبشكل يومي عددا من الوظائف الجديدة من قبل المؤسسات العامة والخاصة على حد سواء».
جاء ذلك على هامش ندوة عقدها التجمع القومي التقدمي بشأن مخاطر تسريح العمالة الوطنية في الأوضاع الراهنة وإرهاصات الأزمة المالية العالمية، في نادي العروبة مساء أمس الأول (الاثنين).
وقال الأنصاري: إن «وزارة العمل حرصت حتى قبل حدوث الأزمة المالية العالمية على إيجاد خط وحلول لمثل هذه المشكلات والأزمات الطارئة أو المترتبة مع الوقت، علما بأن الرؤية في وزارة العمل موجودة دائما، ومن ضمنها على سبيل المثال مشروع التأمين ضد التعطل الذي تعرض لكثير من المواجهات والاعتراضات آنذاك، وهو الذي أُسس للشفافية في أرقام العاطلين التي تعلن بشكل شهري عبر وسائل الإعلام، ما عدّه منطلقا لحل مشكلة البطالة والمشكلات الطارئة على الوضع الحالي في البحرين».
رواتب للمسرحين وفق «التأمين ضد التعطل»
وأكد الأنصاري وجود شركات تتعرض للخسائر المالية مع مرور الوقت، وقال: «في الوقت الذي تتعرض فيه شركات ومؤسسات مالية للخسارة، فإن هناك شركات جديدة تُفتح»، مبينا أن «الوزارة لا تطمئن إلى أن الأوضاع وردية وهادئة، لكن الوضع في البحرين استنادا إلى الأرقام والحقائق التي تصل إلى الوزارة جدّا طبيعي، ونحن مستعدون لإعطاء حل مؤقت وفوري، علما بأن الوزارة تسعى إلى صرف رواتب بما لا يتجاوز 500 دينار لمدة 6 أشهر، أي بنسبة 60 في المئة من راتب الموظف أو العامل المفصول أو المسرح».
وتابع الأنصاري «إضافة إلى ذلك، فإن هناك جهودا قامت بها الوزارة لمواجهة المشكلات المترتبة على تأثيرات الأزمة المالية العالمية، وتم التنسيق مع محافظ المصرف المركزي من أجل توجيه المصارف للمحافظة على العمالة الوطنية أولا وليس العمالة الأجنبية كما قامت به بعض المؤسسات المالية والاستثمارية».
وأشار الأنصاري إلى أنه «قد تحصل بعض المشكلات بشأن تسريح 5 أو 2 أو أي عددٍ كان، ولكن يعمد البعض إلى وضعها تحت المجهر ويجعل منها أزمة اقتصادية في الوقت الذي كانت مثل هذه التسريحات تحدث باستمرار خلال فترة ما قبل الأزمة».
وأكد الأنصاري أن «الوزارة مستعدة لعلاج هذه الحالات، وتدعو من لديه مثل تلك المشكلات إلى اللجوء للوزارة من أجل التدخل لإيجاد تسوية معقولة على أقل تقدير»، مبينا أن «مشروع التأمين ضد التعطل فيه وفرة ويمكن تطويره للاستفادة منه بشكل أكبر عبر تدخل السلطة التشريعية».
البحرين تمر بمرحلة التباطؤ في النمو
من جهته، تحدث النائب عبدالعزيز أبل في الجانب التشريعي لتداعيات الأزمة المالية، وقال: «يجب أن يكون التشخيص الحالي للأزمة فيما إن كانت البحرين وصلت إلى حالة الكساد أو التباطؤ في النمو أو الركود، وذلك من أجل تحديد الموقف اللازم للتحرك على أساسه، فنحن حاليّا في حالة التباطؤ في النمو ولم نصل إلى مرحلة الركود».
وأوضح أبل أن «القطاع المصرفي والمالي لم يتأثر كليّا، مثل المصارف الإسلامية وشركات التأمين، وأن من تأثر هي المصارف والمؤسسات التي تستمر في السوق العقاري ومن لديها استثمارات في أميركا».
ولفت إلى أن «الخطر الكبير الذي يجب أن تعيه الحكومة والمؤسسات المسئولة، هو حين تصل تداعيات الأزمة على المستوى البحريني إلى حد حدوث حالات تسريح في القطاع العام، والمؤسسات الإنشائية، إذ اقتصر الأمر حاليّا بحسب آخر المعلومات على المؤسسات الاستثمارية التي سرحت عددا من موظفيها، علما بأنه في كل الأحوال لابد أن ندرك آليات التعامل وحل تلك الأزمة على المستوى المحلي تحديدا».
وتابع أبل «نحن لدينا قانون في التعامل مع هذه الحالة، وهو قانون الضمان ضد التعطل الذي لا يلبي حاجيات البلد في حال كانت هناك أزمة بطالة كبيرة، لأنه لا يلبي الاحتياجات الكافية إلا لأصحاب الأعمال البسيطة وذات الدخل المحدود، وفي هذه الحالة فإن القانون يعالج فئة معينة دون أخرى، ما سيخلق حالة من القصور في هذه المسألة».
وشدد أبل على ألا يتضرر القطاع المصرفي بشكل كبير لتلافي أضرار أكبر، مبينا أنه وبشكل عام لا تحدث هزة شاملة لكل المصارف والمؤسسات المالية.
كما تحدث الأمين العام لاتحاد نقابات عمال البحرين سيدسلمان المحفوظ بشأن رؤية القطاع النقابي والاتحاد العام عن سبل مواجهة مخاطر تسريح العمالة الوطنية. وقال: إن «الأزمة المالية بحسب الأرقام والحقائق بحاجة إلى معالجة لأنها في صدد التفاقم، وأن على مؤسسات المجتمع المدني أن تهتم بهذه الأزمة لتهتم الحكومة أيضا بهذه المؤسسات كشريك لإيجاد حلول وخطط ناجحة».
محاذير منظمة العمل الدولية
وتطرق المحفوظ خلال حديثه إلى التقديرات التي أعلنتها منظمة العمل الدولية، وبين أن «تقديرات منظمة العمل الدولية تشمل جميع دول العالم، وبالتالي فإن ما تنشره من تقديرات ومعلومات تُعنى بها كل الدول من دون استثناء، إذ أكدت المنظمة أن مخاطر الأزمة المالية ستؤثر بحسب التوقعات على ملايين الموظفين والعمال».
وأكد المحفوظ أن «الموضوع أكثر من كونه محصورا في تسريح العمالة الوطنية فقط، فقد بدأت تتفاقم مشكلات في الإنتاجية لدى المؤسسات بمختلف مجالاتها، وكذلك الإحباط من عدم رفع الأجور وفقدان الثقة في تحسينها»، منوها إلى أن «تقديرات المنظمة بشأن الكيفية التي ستؤثر بها هذه الأزمة على الشعوب والمجتمعات على مختلف المستويات، توقعت أن تكون هناك زيادة في عدد البطالة العالمية بنحو 20 مليون عاطل، وهو ما لا نستطيع أن نؤكد على غراره أن البحرين ستكون في منأى عن ذلك».
وأشار المحفوظ إلى أن أكثر القطاعات التي ستتأثر جراء الأزمة المالية، هي قطاعات البناء والسيارات والسياحة والخدمات والعقارات والماء. علما بأن أعداد الفقراء من العاملين الذين ينفقون أقل من دولار في اليوم سيرتفع إلى أكثر من 40 مليون فقير بحسب المنظمة العالمية، وهي أيضا من المؤشرات التي لابد أن تأخذها البحرين في الحسبان.
وأكد المحفوظ أن «البحرين لم تصل حاليّا إلى مرحلة الكساد، لكن لابد من توخي الحذر في ذلك تحسبا لبلوغه، وألا تتعامل المصادر الرسمية البحرينية تحديدا مع الأزمة ببرود والاكتفاء بطمأنة الناس، فإن كل المؤشرات التي تطرقت إليها سالفا رسمية وبإمكان الحكومة الرجوع إليها في أي وقت».
ولفت إلى أن «على الجهات الرسمية المعنية أن تعي جيدا أن إرهاصات الأزمة المالية العالمية تمسها مباشرة، وأن تسمية الأزمة بالعالمية بعد أن كانت مقتصرة على الولايات المتحدة الأميركية فقط لم تكن من فراغ، إذ تم إطلاق مسمى العالمية عليها نظرا إلى ارتباط اقتصاد المنطقة بالاقتصاد الأميركي مباشرة».
من جهة أخرى، أفاد المحفوظ بأن «عددا من مجالس الإدارات في بعض المؤسسات المالية والاستثمارية بدأت اجتماعات مكثفة بشأن طرق تلافي ومعالجة الأزمة المالية، وأنه للأسف فإن الحلول الأولى التي وصلوا إليها هي خفض نسب الموظفين والعمال لديهم، وهو مؤشر خطير يجب على الحكومة أن تتخذ خطوات سريعة لتلافي ذلك، وأن يكون لها دور في استقرار المواطن في وظيفته».
مخالفات صريحة لـ «قانون العمل»
وبين المحفوظ أن «عددا من المؤسسات والمصارف بدأ بتسريح العمالة الوطنية، ولا تعتمد في عملية التسريح على ما نص عليه قانون العمل البحريني بتسريح العمالة الأجنبية ثم العربية وبالتالي الوطنية».
واختتم المحفوظ حديثه، وقال: إن «الاتحاد العام دائما يدعو إلى تكاتف جميع الجهود من أجل الحفاظ على العمالة الوطنية، وإن ما يؤسف له هو أن القانون يطبق بالصورة العكسية كما أشير إليه سالفا. وأعتقد أن الاتحاد أكد أن الأزمة لم تؤثر في تسريح العمالة الوطنية فقط، بل وصلت رسائل إلى بعض الموظفين بإيقاف المكافآت السنوية»، مشيرا إلى أن «الاتحاد يرى حالة من عدم الوضوح من قبل الحكومة بشأن تداعيات الأزمة على المستوى البحريني».
أما النائب السابق عبدالنبي سلمان، فقال: «أعتقد أن الكثير من التجمعات الإقليمية والاقتصادية بدأت تستعد بشكل مبكر للأزمة قبل استعدادنا في دول المنطقة للأسف بشأن درء المخاطر. وأن الشيء الملموس في هذه الأزمة أن الإقليم الخليجي لايزال يتعامل مع الأزمة بشكل غامض، ولايزال الناس يعتمدون على الأرقام المتحصلة من خارج المنطقة، في الوقت الذي تصمت فيه المصادر الاقتصادية الرسمية في البحرين، علما بأن حكوماتنا مازالت تصر على أن الأوضاع مازالت مستقرة ولا وجود لأي سلبيات للأزمة، ولكن على الأقل لابد أن تتخذ خطوات محسوبة لإيجاد حلول وتوقعات، فهي تتعامل مع الأزمة وكأنه لم يحصل شيء، لأنها تعتمد على سلعة وحيدة فقط وهي النفط».
وتابع سلمان «هناك إرباك على مستوى وضع السياسات الاقتصادية والموازنات المالية، ولكن لا توجد أيضا حلول أو توقعات بشأن آليات التعامل مع الأزمة المالية حتى على أقل مستوى، في الوقت الذي مازالت الكثير من الدول العربية تصرح بأن الوضع الاقتصادي في العام الجاري صعب، علما بأننا لا نريد أن نصعب الأمور لكن الواقع الملموس أصعب».
الأزمة ستستمر لـ 5 أعوام
وقال سلمان: إن «السؤال المهم الذي يطرح نفسه على الحكومة، هو ما الذي ستعمله في ظل هذه الأزمة المالية تجاه المستجدات التي على رأسها تراجع أسعار النفط، فهناك مؤشرات حقيقية في البحرين بشأن بعض المؤسسات المالية والشركات التي بدأت في تقليص عمالتها الأجنبية والوطنية»، مبينا أن «وزارة العمل اتخذت خطوة موفقة في توجيه المصارف والمؤسسات لعدم تسريح العمالة الوطنية، ولكن يجب إيضاح الرؤية لنفسها وللعامة في الكيف الذي ستتعامل الحكومة به في حال اضطرت تلك المؤسسات إلى ذلك فعلا».
وأضاف سلمان أن «المطلوب من الجهات الرسمية هو التحرك بشأن المسألة سريعا تخوفا من ازدياد عدد حالات المسرحين والبطالة، واتخاذ خطوات استباقية على مستوى حكومي ومؤسسات المجتمع المدني، فهناك تسريحات بالآلاف في الإمارات وغيرها من الدول المجاورة، والبحرين ليست ببعيدة عن ذلك المنحنى. علما بأن الأزمة المالية ستستمر إلى نحو 5 أعوام مقبلة وخاصة أن هناك أرقاما تلقى من الجانب الرسمي لا نستطيع إثبات حقيقتها»
العدد 2322 - الثلثاء 13 يناير 2009م الموافق 16 محرم 1430هـ