العدد 2617 - الأربعاء 04 نوفمبر 2009م الموافق 17 ذي القعدة 1430هـ

«خلية على السرير» ... للقاص جمال الخياط

صدر أخيرا عن دار مسعى للنشر والتوزيع بالكويت، بالاشتراك مع الدار العربية للعلوم ناشرون ببيروت، المجموعة القصصية «خلية على السرير» للقاص البحريني جمال الخياط.

ففي رمزية ملفتة، وقدرة على إخراج المعاني من مكمنها خلف أحداث ومحطات القصة، يقدّم الخياط مجموعة من القصص والمشاهد المشبعة بالتداعيات والأفكار المعلنة أحيانا ببساطة وحرية، وأحيانا أخرى بضمنية مبطّنة. يتضمن الكتاب ست قصص مختلفة المواضيع متفاوتة الرمز والتفصيل، يشعر القارئ أن خيوطا خفية تجمعها، إذ تشكّل روح الكاتب ووجدانه رابطا يصل بينها.

في قصة «خليّة على السرير»، تداعيات كثيرة تخرج من ذهن متعب، ومن حالة كتمان لا بد من انعتاقها. قالت له الجدّة: «إذا استعصى عليك البوح فالكتمان مصيبتها أعظم يا ولدي. يباغتك بغرس سكاكين من الشك في النفس حتى يحطمها ولا تستطيع بعدها الخلاص». لذا يندفع البوح خارجا على سجيته، في وصف حالة مواجهة ذاتية معقدة ورواية تفاصيلها التي تهيم كما تأتيه بصورها المربكة ورموزها الخاصة: «لم يبق من جسدي غير خلية يتيمة نجت من الاجتياح الأخير ولا تزال تنبض بالحياة في فضاء بخيل كشاهدة ثمينة على الغفلة التي عيرتني بها تلك الطفلة المتهورة»، «سأظل أروي الخلية حتى تنشطر بجنون وتتناسل لتتشكل طينا رصينا غير هذه الملامح المجوفة التي أحرص على غسلها كل صباح جديد...».

وفي «عشبة لماء الانتظار»، يتحدث عن الأوضاع العامة برموز العاصفة والمطر: «مطر انتظروا مقدمه بشوق من أجل أن يغسل آلامهم قبل آثامهم...». «لم يفهم الحشد مقصد الحجي من هذه العبارة المبهمة...»: «فمنذ زمن بعيد لم تشهد البلاد رحمة من السماء أو ينال العباد سخاء من المطر...». لكن حين أمطرت بغزارة وتوالت الأيام دون أن «يتوقف المطر النبيل عن هطوله الذي لم يعد لطيفا»، وطُلب من الحجي «لملمة المطر»، أجاب: «إنكم تغتالون المطر ولا تدركون أنكم بهذه الفعلة الشنيعة تجنون على البراءة التي تكاد تشح من هذا العالم الجشع... البشع». لكن الكاتب يطمئن الجميع في نهاية الأمر: «عما قريب سيهطل مطر حقيقي هذه المرة كما أنبأته الغيوم الأمينة».

وتروي قصة «شبيه الريح»، علاقته بأخيه «المتعجرف» الذي منذ وفاة الأب «أصبح مهووسا بفرض أوامره على الجميع بمن فيهم والدتي وأختي التي تكبره بأعوام ستة...»، وفيها يدخل الكاتب في فلسفة المعاني القابعة خلف رمزيّ «الباب والريح»، في محاولة لمعرفة أي منهما سيختار أن يكون إذ «لن تعرف ماذا تخبئ لك الأبواب ولن تستطيع الوثوق بالريح دون ضمانات»، لكن دموع أخته الساخنة ستمده بقوة تعينه على مواجهة الريح العفنة»، ويقرر: «سأكون الباب».

أما «الأزرق الباهي»، تتحدث عن «صبي مراهق يخشى البحر بزرقته الغامضة»، البحر الذي سلبه جده في رحلة الغوص الأخيرة، وعن حبه الأول لـ «صفية» الصبية التي «تقوده رغم صغرها بسنوات قليلة»، وعن «حي رائع يموج بأجناسه المتنوعة في تناغم عجيب». وكأكثرية نهايات قصص الحب الأولى: «ذهبت صفية» وظل الأزرق ذكرى وفية لمواساتي».

ويعبّر الكاتب عن فلسفته في مفهوميّ الموت والحياة في قصة «موت مؤجل» الملتبسة في واقعيتها وتخيّلها. فعلى طرح سؤال ساخر: «ماذا بعد الغرق... هل مت؟»، يرد برمزية أكثر سخرية: «المهم أنني غرقت والأكيد أنني فقدت آدميتي بعد أن لفظني البحر... قد أكون مت... ومن المحتمل أيضا نجاتي...».

وفي القصة الأخيرة «تراتيل الخلاص»، يعود الكاتب إلى حادثة فقدانه لأبيه «العظيم» الذي كان بطلا يصارع الاحتلال، وإلى «ذكريات الجدة الرائعة» عنه، وإلى البلدة التي أحبّها كثيرا، «فالناس هنا طيبون ودودون إلى درجة أنهم يتسابقون على خدمتك قبل أن تطلبها».

«خلية على السرير» مجموعة قصصية مميزة في أسلوبها الأدبي وفي سردها، تعبّر عن ذات القاص الخاصة الشفافة في تعبيرها عن هموم وشجون الحياة وعن أمور مجتمعها عامة.

العدد 2617 - الأربعاء 04 نوفمبر 2009م الموافق 17 ذي القعدة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً