العدد 380 - السبت 20 سبتمبر 2003م الموافق 24 رجب 1424هـ

إيران بين «حصار» الخارج و«خيارات» الداخل

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

عندما سألت الرئيس السابق علي اكبر هاشمي رفسنجاني عما اذا كان يخشى محاصرة الاميركيين لبلاده بعد ان احاطوا بها من كل جانب، أجاب: «انهم هم المحاصرون! وبالتالي فانهم هم الذين ينبغي ان يخشونا وليس العكس! فنحن في بيوتنا وبين اهلنا بينما هم بعيدون عن اهلهم وديارهم وقد غادروها بعيدا بمئات الآلاف من الكيلومترات».

ثم استدرك قائلا: «طبعا لا اقصد بالضرورة حصار النار والتكنولوجيا المتقدمة للسلاح، فقد يكونون هم الأقوى في هذا المجال، نعم، لكنهم محاصرون بالناس، بالشعوب التي لا تقبل الهيمنة والاحتلال والتسلط مهما كانت الظروف، وسيبقون غرباء هنا مهما فعلوا لأهل هذه الديار». وعندما قلت له ألم يكن جاركم العراقي بين اهله وقد رأينا ما حصل له على يد هذا الاميركي الغريب؟ فأجاب: «ليس صحيحا أن صدام كان بين اهله، فلو كان بين أهله فعلا لما حصل ما حصل، ولما استطاعت قوى الارض مجتمعة ان تقتلعه من بينهم، وقد رأينا كيف انه انهار كما ينهار بيت العنكبوت لأن اهل العراق قرروا الوقوف على الحياد وتركه يتهاوى امام ضربات القادم من بعيد، لانه ليس منهم وكان (عملا غير صالح) فكان يجب ان يغرق وينتهي».

وعندما سألته عن موقف الشعب الايراني تجاهكم انتم جماعة الحرس القديم وعن رأيه في المآل الذي ستفضي اليه الاصلاحات في ايران قال: «الشعب الايراني شعب حي وحيوي ويحب الحياة ولن يقبل بالجمود ولا بالفوضى او الحركة الهوجاء او العمياء وعندما اختار الرئيس محمد خاتمي بأكثرية شبابه ونسائه كان واعيا فيما فعل، وعندما ستنتهي ولاية الرئيس خاتمي الثانية فإنه لن يعدم اكتشاف عنصر شبابي اصلاحي جديد من بين صفوفه، فالاصلاحات باتت جزءا لا يتجزأ من حياته ودينه بعد ان ذاق طعم الحرية وفي المقدمة حرية الانتخاب. واما نحن اذا كنا قد تخلفنا بعض الشيء عن مواكبة حركة الشباب لسبب او لآخر فاننا على استعداد لاصلاح انفسنا من جديد لاننا ايضا قد تعلمنا ضرورة الاصلاحات وحتميتها حتى نبقى بين اهلنا. ومن لا يقبل منا برؤية المستجدات فإن مصيره مصير من جرفتهم الرياح العاتية، واما انا شخصيا فقد قررت ان ادعم كل قوة شابة تريد المضي بالاصلاحات على الطريق القويم تماما كما فعلت مع الرئيس محمد خاتمي».

كان هذا حديث قائد من قيادات الحرس القديم الذي طالما اثار جدلا واسعا كلما تدافعت الامور في ايران تدافعا حرجا او بدت على مفترق طرق محير.

في المقابل شهدت الساحة الايرانية على صعيد رجالات «العهد الاصلاحي» الخاتمي اذا جاز التعبير تحولا مهما في نوعية الخطاب المتداول.

فقد خطب نائب رئيس البرلمان الاصلاحي والمعروف بـ «عميد الاصلاحيين» وهو المهندس بهزاد نبوي قبل ايام أمام حشد من الطلبة فقال من بين ما قال: «ان الاصلاحات في ايران تلفظ انفاسها الاخيرة، بعد ان قام معارضوها بخنقها وتحويلها إلى اسم هامد فاقد الحركة، وبعد ان اصابوا الرئيس محمد خاتمي - الامل الاخير في الخلاص في اكثر من موقع - في الصميم من نحره!».

لم يكن بهزاد نبوي الوحيد من بين اقرانه فيما ذهب اليه، فقد خرجت اصوات كثيرة في الآونة الاخيرة عبّرت عن المعنى نفسه من اوجه مختلفة، فكان من بينهم اصلاحي شاب حديث العهد بالبرلمان وهو النائب جعفر كلباز الذي قال قبل ايام ايضا في تصريحات نشرتها الصحافة الاصلاحية: «اللعبة انتهت والاصلاحيون فشلوا في تحقيق ما ارادوا، وهم الآن في طريق مسدود وقد ذهبوا إلى غرفة تبديل الملابس - كما يفعل الرياضيون من الفريق الخاسر - ليخلعوا ملابس اللعبة في طريقهم إلى بيوتهم، والملفت انهم لا يحملون معهم اي رصيد إلى اهاليهم!».

انها نظرة قاسية وفي غاية التشاؤم طبعا لكنها تعبر عما يسميه البعض بـ «الانسداد السياسي» الذي وصلت اليه اللعبة بين الاصلاحيين والمحافظين.

غير ان الرئيس خاتمي ربما كان الوحيد بين زعامات الاصلاح «الشابة» الذي لايزال محافظا على أمله في تجاوز الاصلاحات «عقبة» الانسداد الذي يتحدث عنها زملاؤه كثيرا هذه الايام.

فخاتمي اذ يشارك زملاءه رؤيتهم الواقعية لقساوة اللعبة والصراع، فإنه لا يشاطرهم الرأي بان الوضع في حال انسداد كلي! بل انه يشاطر سلفه في الحكم وان كان ينتمي الى فئة «الحرس القديم» بأن الشعب الايراني لن يعدم خيارات الاصلاح من بعده مطلقا وانه قادر على «اجتراح الخيارات المناسبة حتى من بين انقاض المعركة» ذلك لأن طريق الاصلاحات في رأيه «طريق لا رجعة فيه بعد ان بات خيارا نهائيا للجميع وبعد ان بات الشعب هو البطل ولم يعد بحاجة الى البطل الفرد» حتى لو كان خاتمي.

ثمة مثل صيني شهير يقول:

اذا كنت ترغب في تنمية عمرها سنة فازرع رزا.

واذا كنت ترغب في تنمية عمرها عشر سنوات فازرع شجرا.

واذا كنت ترغب في تنمية عمرها قرنا من الزمان فازرع انسانا!

ان هذه المقولة الصينية بل الحكمة الانسانية تشهد اختبارها اليوم ليس في ايران لوحدها بل هي مقولة تنطبق فحواها على العراق الجديد كما على السعودية ومصر وسورية ولبنان وفلسطين.

انها اختبار جدي وحقيقي لصدقية الحكام كل الحكام ولاسيما بعد الذي حصل في العراق. انها امتحان لمعرفة من هم الضاربون عميقا في الارض ومن هم «المزروعون» اصطناعيا فوق الارض في لحظة غفلة من الناس كما كان الحال في العراق مثلا.

وحدها التجارب القاسية في الميدان هي التي ستمحص الرجال وتكتشف معادنهم. فالطارئون والعابرون ستهزهم رياح التغيير العاتية مهما عمروا في الظاهر، فيما الذين زرعهم الناس وزرعوا هم من الناس ما يبقى لقرون هم الذين سيحسب لهم الطارئون ألف حساب.

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 380 - السبت 20 سبتمبر 2003م الموافق 24 رجب 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً