العدد 380 - السبت 20 سبتمبر 2003م الموافق 24 رجب 1424هـ

البنك الدولي يركز على التحديات وسط مناخات تشاؤمية

الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

سمير صبح comments [at] alwasatnews.com

.

قبل انعقاد الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين التي ستعقد بعد أيام في دبي، نظم البنك الدولي يوم الجمعة الماضي في باريس، لقاء لمناقشة تحديات التنمية في منطقة «مينا» (الشرق الأوسط وشمال إفريقيا) ولم تتمكن الطروحات المتوازنة والمدروسة التي اعتمدها مسئولو المؤسسة المالية العالمية من تبديد الاجواء القاتمة التي ستسيطر على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في هذا الجزء من الكون لعقد جديد على الاقل. كما بقيت غالبية الأسئلة المطروحة من قبل الحضور من دون اجابات عليها، خصوصا فيما يتعلق بمستقبل العراق والاراضي المحتلة، والدور المحدد الذي سيضطلع به الصندوق والبنك حياله عدا الوصفات والنصائح المعهودة.

لقد وجد كل من نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كريستيان بورثمان والنائب الاول للرئيس ومسئول التنمية الانسانية فيها جان لوي سربيب، صعوبة كبيرة في اختيار العبارات الملائمة لتبرير مضمون مداخلتيهما اللتين لم تتجاوزا مجتمعة النصف ساعة. لذلك جاءت أسئلة المشاركين في هذا اللقاء - الذي اعتقد البعض في البداية انه سيقدم تصورا متكاملا عن الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية - عكس التوقعات، في المقابل اكتفى المنظمون على ما يبدو بتوزيع تقارير ودراسات واحصاءات.

فاذا كان المحاضر الاول لم ينجح في اخفاء تشاؤمه إلى حد تقديم النصح على هامش مداخلته للمهتمين بالاستثمار في السوق العراقية داعيا إلى اتباع سياسة انتظارية، أقله في هذه المرحلة، بانتظار جلاء الامور، فإن المحاضر الثاني كان نسبيا أكثر «هجومية» عندما أثار مسألة المنتجات الزراعية والخدمات التي تقدمها بلدان منطقة «مينا» للدول التي وقعت معها اتفاقات شراكة اقتصادية في اطار المشروع اليورو - متوسطي. فمن خلال التركيز على هذه النقطة شدد جان لوي سربيب على ضرورة الاهتمام بعملية التكامل الديموغرافي، ولم يتردد هذا الأخير في انتقاد اوروبا التي يشيخ سكانها بشكل مطرد والتي تعاني من عدم قدرتها على سداد تعويضات التقاعد بالشكل المنشود، في حين ان 06 في المئة من سكان دول الشرق الاوسط وشمال إفريقيا الشريكة لا تتجاوز اعمارهم الـ 42 سنة، وقادرون على العطاء والعمل. ما يعني انه يتحتم وبسرعة ايجاد التوازن الافضل لتلبية مصالح دول الشمال في المدى القصير، فعدا هذه الفكرة المميزة لم يخرج من هذا اللقاء ما يمكن وصفه بالجديد على مستوى الطروحات، فيما عدا الخطوط العريضة الواردة في التقرير المنشور قبل فترة بسيطة عن الطريقة الافضل لإدارة عملية التنمية في هذه المنطقة وتحسين مستويات الاداءات وتحمل المسئوليات بشكل اكثر جدية.

أما فيما يتعلق باجتماعات دبي، فإن حديث الكواليس كان أهم، إذ ان خبراء البنك الموجودين في مقره بالعاصمة الفرنسية يرون انها لن تخرج عن حدود اطار التظاهرة السنوية التي تحمل اقتراحات وتمنيات ربما لن ترى النور على غرار سابقاتها خصوصا كون المنطقة تمر بمرحلة حرجة على أكثر من صعيد.

محاور ثلاثة

وتشير اعمال محللي هذه المؤسسة الى ان التجارة الخارجية والاستثمار الخاص، هما العنصران الأساسيان لتحريك عملية النمو وتطويرها بالنسبة الى دول الشرق الاوسط وشمال إفريقيا ويرى هؤلاء ان تحديات التنمية الرئيسية في العقد المقبل تتلخص بالدرجة الأولى في خلق فرص عمل كافية لمواجهة التزايد السريع في اعداد القوى العاملة. اذ ان عدد الوافدين لاسواق العمل في الفترة الواقعة بين سنتي 0002 و0102، سيبلغ في تعداده الوسطي ما يقارب الـ 2,2 مليون فرد سنويا. اي ضعف عدد القادمين خلال العقدين الماضيين. لذلك فإن الوسيلة الوحيدة الأكثر ضمانة وديمومة لمواجهة التحدي المفروض بحدة تشمل تسريع عملية اندماج جميع دول المنطقة في هياكل التجارة الخارجية الاقليمية والعالمية، كذلك جذب الاستثمارات الخارجية المباشرة بمساعدة شركائهم.

بناء عليه فان التحول بات مطروحا على الجميع من دون استثناء. فالنظام القديم المرتكز على القطاع العام، والمستند إلى عائدات الهيدروكربورات والدعم المادي الخارجي وتحويلات العمال المهاجرين لم تعد كافية لإحداث نمو اسرع، ولا خلق فرص عمل جديدة أكثر. فغالبية حكومات هذه المنطقة قد بدأت منذ فترة بعمليات تغيير. ويشير تقييم البنك الدولي في هذا الصدد إلى الجهود المبذولة في هذا المجال، من قبل كل من الاردن وتونس اللذين انفتحا بقوة على التجارة الخارجية وهيأتا اجواء استثمارية أكثر قبولا، ما سمح لها بتحقيق نتائج مشجعة. من جهتهما قام كل من المغرب ومصر باتخاذ اجراءات على قدر من الاهمية تتعلق بإصلاح اوضاع تجارتهما الخارجية وتحسين شروط تدفق الاستثمارات.

وبالنسبة الى اقتصادات البلدان الاخرى في المنطقة، المعتمدة على ثرواتها الطبيعية من النفط والغاز، فإن الجزائر وايران قد لجأتا إلى إعادة فتح انظمتهما التجارية، وشجعتا الاستثمار الخاص ولو بنسب متفرقة، لا تفي حتى الساعة بالمطلوب منهما لدفع التحديات المشار اليها. اما فيما يختص بدول الخليج العربي فتعطي احدى دراسات البنك الدولي أهمية خاصة لتجربة الامارات العربية المتحدة في التنمية وتصفها بالناجحة، خصوصا المبادرات التجارية والاستثمارية التي تضطلع بها امارة دبي. وتعتبر الدراسة ان الدولة الاتحادية تتابع تنفيذ استراتيجية طموحة مبنية على انفتاح باتجاه الخارج مترافق مع جني أرباح لا يستهان بها.

في المقابل، نجد بلدان منطقة الشرق الاوسط وشمال إفريقيا نفسها أمام انخفاض منتظم لعائداتها النفطية، مقارنة بدخل الفرد فيها، كذلك الامر لناحية انسياب المساعدات الاستراتيجية والتحويلات. فالمنافسة المتنامية على الاسواق العالمية تشكل اساس هذا الضغط المتزايد.

ولا يمكن لهذه التحولات الضاغطة بوجهيها السلبي والايجابي الا ان تسحب نفسها على فرص العمل. من هنا يخشى ان يتحول رأس المال البشري الذي يواجه هذه التبدلات القاسية مع الوقت، إلى أزمة اجتماعية اكثر عمقا. فمعدلات البطالة التي تضاعفت في السنوات العشرين الماضية، حاليا هي الأكثر ارتفاعا في العالم، لذلك ليس من المستغرب ان يدفع هذا التشاؤم لناحية القدرات التجارية للمنطقة، بالكثير من بلدانها إلى التراجع عن البرامج الاصلاحية المقررة خوفا من الفشل ونتائجه على أوضاعها الاجتماعية ونظمها السياسية. فهذا التشاؤم موجود بل متجذر لدى البعض، على رغم الاستثناءات مثل تونس والاردن والامارات العربية المتحدة، يضاف الى ذلك التخوف من العجز عن التصدي للمنافسة في الاسواق الدولية.

ولا يمكن اعتبار هذا التشخيص خصوصية في حد ذاتها لدى دول منطقة «مينا MENA». فالتشاؤم بالمطلق كما هو حاصل لدى البعض يبقى في بعض الحالات من دون اساس كما يلاحظ خبراء البنك الدولي.

وفي التوجه التقييمي هذا، يعتبر هؤلاء انه باستطاعة دول هذه المنطقة جذب استثمارات أكبر، وذلك بتشجيع الاستثمار الداخلي وتوجيهه بشكل افضل، نظرا إلى قربه من احتياجات السوق وتفهمه لطبيعة الفرص المتاحة وتكوين المجتمع. وتفيد الدراسات التي اعدتها هذه المؤسسة العالمية بأن حجم الاستثمار الخارجي المباشر الذي يمكن لبلدان هذه المنطقة الحصول عليه اذا ما اعتمدت السياسات والادوات الملائمة وتأمين المناخات المطلوبة من قوانين استثمارية حديثة، وشفافية، وتحسين شروط مالية، يمكن ان يتضاعف بمعدل خمس الى ست مرات المقارنة بوضعه الحالي، بحيث يجاوز 3 في المئة من معدل ناتج الدخل القومي اي بزيادة عن المعدل الوسطي بمقدار 5,0 في المئة.

بدوره، فإن قطاع الخدمات مرشح للنمو من خلال «انسحاب» معلن للقطاعين العام والخاص، كذلك الزراعة، التي هي دون المستويات الانتاجية، لذلك فانه من الضروري الاستمرار في المبادرات الهادفة إلى تقييم الثروات الانسانية وتعميم ظاهرة تحسين الاداءات على مستوى الادارة، وإحداث توازن عادل، لا يفرق بين المرأة والرجل في سوق العمل بهدف اعادة تصويب النشاطات القائمة على المعرفة.

في الإصلاحات

يركز البنك الدولي هنا على الاصلاحات التي قامت بها الدول التي لا تملك ثروات طبيعية مثل مصر، تونس، لبنان، المغرب والاردن، واذا كانت هنالك فوارق ملحوظة على مستوى التطبيق فإن بلدان هذه المجموعة، تعتبر متقدمة لناحية توجهاتها الاصلاحية بشكل عام. فالتحدي المطروح بحسب رأي مسئولي المصرف، يتمثل حاليا في اعتماد سلسلة جديدة من اجراءات تحرير التجارة تكون أكثر حسما وأكثر صدقية، ولابد ان تأتي سياسات أسعار الصرف المعتمدة مساندة لتسريع عملية اصلاح التجارة.

ففي الماضي، اعتبر الخبراء - على سبيل المثال - ان الزيادة المفتعلة والمستمرة في معدلات سعر الصرف في المغرب ساهمت بشكل مؤثر سلبا في ضعف اداء الصادرات خلال أعوام التسعينات.

لكن الوضع عاد وتحسن أخيرا. فالحواجز الضريبية وغير الضريبية، ستكون على ما يبدو، على جدول اعمال اجتماعات دبي وغيرها من اللقاءات الفرعية المقررة في المستقبل القريب، ويثير خبراء صندوق النقد والبنك الدوليين في كل مرة الضرائب المرتفعة في كل من المغرب وتونس ، 63 في المئة بالنسبة الى البلد الاول، و03 في المئة للثاني، ما يوازي اكثر من ضعف المعدل الوسطي في جميع الدول ذات الدخل المتدني، وبالتالي فإن الاصلاحات يجب ان تهدف الى خفض هذه النسب حتى ولو كانت الانعكاسات في البداية قاسية. ويعطي الخبراء على الدوام مثال المغرب وتونس للدلالة على ضخامة الضرائب الزراعية التي تصل في بعض الاحيان الى نسبة 853 في المئة، في حين ان الضرائب القياسية لمنتجات أخرى تبقى محدودة كون هذه الأخيرة تحظى بسياسات حمائية.

أما فيما يختص بالجزائر يؤكد جان لوي سربيب أن الاصلاحات الجارية في هذا البلد هي مثل اسنان المنشار. فعلى رغم الاحتياطات الكبيرة في العملات الاجنبية المتكونة في السنوات الاربع الأخيرة لدى الجزائر مثلا (بحدود 32 بليون دولار) ولبنان في السنتين الاخيرتين (5,21 بليون دولار)، فإن الاصلاحات المنشودة لم تكن في الموعد المحدد. ويرى هذا الأخير أن العائدات من الهيدروكربورات في البلد الاول ليست قادرة على اضفاء دينامية على الاقتصاد المترهل ولا على تحسين مستوى الانتاجية. كما انه لا يمكن توقع حدوث اصلاحات مهمة في هذه المرحلة التي تسبق الانتخابات الرئاسية المحددة في شهر ابريل/ نيسان 4002 ذلك لأن حدة الصراعات التي بدأت لابد ان تجمد هذه المبادرات. اضافة الى ان الاحتياطات الكبيرة لدى الخزينة لم تساهم حتى الآن في عملية الاصلاح ولم تستخدم جزئيا، في التخفيف من حدة الازمة الاجتماعية المتفاقمة.

ولا ينكر مسئولو البنك الدولي ان قدرة هذه المؤسسة في تحويل المساعدات تبقى محدودة. فبالمقارنة مع المستويات السابقة، فإن احتياجات التمويل الخارجي لدول منطقة الشرق الاوسط وشمال إفريقيا ستشهد عجوزات في موازين مدفوعاتها بنحو 32 بليون دولار للسنوات الثلاث المقبلة 3002 - 5002. في السياق نفسه تجدر الاشارة على سبيل المثال إلى ان النفقات العامة على التربية تتجاوز الـ 31 بليون دولار سنويا، كما ان اعادة الفقراء الى مستوى دخل في حدود الدولارين يوميا - عبر نظام تحويل نقدي هادف، من دون حساب الكلفة - يتطلب موازنة سنوية في حدود الـ 5 بلايين دولار (نموذج معتمد لست دول: الجزائر، مصر، الاردن، المغرب، تونس، واليمن). من هذا المنطلق اعتمد البنك الدولي في عقد التسعينات معدلا للالتزامات السنوية الجديدة بقيمة 2,1 بليون دولار فقط. ذلك لأن تحويلات المؤسسة لا يجب ان تتجاوز مستوى القروض المقدمة في السابق.

وضعية مجلس التعاون الخليجي

فيما يتعلق بدول مجلس التعاون الخليجي، الغنية بالثروات الطبيعية يرى خبراء البنك الدولي ان هذه الاخيرة ستواجه تحديا مزدوجا في المستقبل، ويتلخص الاول في ضرورة تسريع وتيرة النمو بالنسبة الى المنتجات غير النفطية، بهدف خلق فرص ملائمة واضافية للعمل الى نحو 07 في المئة من السكان الذين تتجاوز اعمارهم الـ 03 سنة. اما التحدي الثاني فيكمن في خفض الضعف البنيوي للاقتصاد حيال تذبذب اسعار النفط. وفي كلتا الحالتين ينبغي الاشارة الى ان دول مجلس التعاون الخليجي الاصغر حجما هي التي حققت النجاحات الاكثر. لكن هناك تحديات اخرى تفرض نفسها من جديد، اذ ان مستويات دخل الفرد في تراجع لدى غالبية هذه الدول. ففي المملكة العربية السعودية، تدنى هذا الدخل بشكل ملفت من 00071 دولار في بداية الثمانينات الى اقل من 0009 دولار حاليا. ما وصفه الخبراء بانهيار لا سابق له.

وتشير الدراسات الأخرى الى ان دول المجلس قد انتهجت اصلاحات عميقة تعد بدعم التوجهات السياسية الاساسية. كذلك تسريع اندماجها في الاقتصاد العالمي. فقد وضعت هذه البلدان قواعد لوحدة جمركية يقدر حجمها بـ 533 بليون دولار، ستسمح - فيما لو سارت الامور على ما يرام في العالم - بخلق سوق مشتركة اكثر توسعا مع حواجز جمركية متقلصة تجاه العالم، اضافة إلى تعرفة جمركية ثابتة بمعدل 5 في المئة. فالهدف الرئيسي من وراء هذه الخطوات، الوصول الى وحدة متجانسة لتسهيل التجارة فيما بينها، كذلك المفاوضات المشتركة مع منظمة التجارة العالمية والاتحاد الأوروبي.

ولا يغفل تقرير المصرف ضخامة نفقات هذه الدول الست على الدفاع والأمن، وعلى الاشكال الاخرى من الدعم والتعويضات المنظورة والسرية، والتي تمارس في نهاية المطاف ضغوطات على الموازنات العامة. لذلك فان الدور التقليدي للدولة، او منطق الدولة «الراعية» لابد من مراجعته كذلك سياسات دعم المواد الاولية الغذائية، وقطاعات الصحة، والتربية والزراعة، والصناعات الاساسية، فاذا كان الدعم العلني اقل اهمية مما هو عليه بحسب المقاييس العالمية (2 الى 3 في المئة من ناتج الدخل القومي الاجمالي) فان الدعم المستثمر من خلال اسعار الطاقة المتدنية والقروض الطويلة الاجل، يبقيان الأكثر تأثيرا. على رغم الحشد الهائل وجميع المظاهر الاحتفالية والاعلامية والتسويقية التي يقوم بها منظمو اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين في دبي فإن التشاؤم هو سيد الموقف في هذه المرحلة، ليس في ظل الازمات التي تعصف بمنطقة الشرق الاوسط فحسب، بل ايضا بما يمكن ان تشهده منطقة شمال إفريقيا في المدى القريب، بحسب التقارير غير المعلنة التي اعدها خبراء هاتين المؤسستين.

العدد 380 - السبت 20 سبتمبر 2003م الموافق 24 رجب 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً