العدد 380 - السبت 20 سبتمبر 2003م الموافق 24 رجب 1424هـ

تنازل ألماني للخروج من العزلة

التصويت ضد مشروع القرار العربي

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

امتنعت ألمانيا عن التصويت على قرار قدمته سورية إلى مجلس الأمن الدولي منعا لقيام «إسرائيل» بتنفيذ تهديدها بإبعاد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بينما استخدمت الولايات المتحدة (الفيتو) منعا لتمرير القرار. المحللون في برلين يتحدثون عن تنازل ألماني. فالمستشار شرودر - الذي لم يجتمع مع الرئيس الأميركي جورج بوش منذ أكثر من عام كما يبدو أنه سئم من العزلة التي فرضتها عليه الولايات المتحدة - عازم على إصلاح الخلاف مع واشنطن وقد استغل الفرصة المواتية مع حلول موعد الدورة 85 للجمعية العامة للأمم المتحدة كي يتوجه بنفسه لإلقاء كلمة ألمانيا بدلا من وزير الخارجية يوشكا فيشر وعينه على اللقاء الذي توصل إليه بين كبار المستشارين في برلين وواشنطن، مع الرئيس الأميركي.

اعتبرت برلين موافقة البيت الأبيض على هذا اللقاء نبأ سعيدا وعلامة على نوايا الرئيس الأميركي بإصلاح الخلاف مع شرودر. وكانت العلامة الأولى صدرت بصورة تصريح على لسان بوش أشاد بدور ألمانيا في أفغانستان وهو الدور الذي يصفه المحللون بأنه يخفض الأعباء الثقيلة على الأميركيين. لكن ما هي المواضيع التي سيجري بحثها في اجتماع قصير بتاريخ 32 سبتمبر/أيلول الجاري بعد كل هذه القطيعة؟ هناك صمت مطبق بالخصوص في برلين وفي واشنطن. إنه أيضا أول لقاء مواجهة بين الزعيمين بعد نشوب خلاف حاد بينهما بشأن حرب العراق واستغلال شرودر موقفه الرافض في حملته الانتخابية التي ضمنت له الفوز بمنصبه مرة ثانية فيما كتب على بوش الظهور بصورة بعبع الحرب عند الألمان.

لماذا يريد بوش الاجتماع مع شرودر بعد كل ما جرى؟ يجد المحللون أن المصاعب التي تواجه الرئيس الأميركي بسبب حرب العراق دفعته إلى طلب مساعدة الأمم المتحدة. إنه لا يريد خسارة ماء الوجه كما لا يخطط لتقديم تنازلات للأمم المتحدة. أما المستشار الألماني فإن هدفه العودة إلى مسرح السياسة الدولي وأن يؤخذ من قبل الأميركيين على محمل الجد وسيكون اللقاء اختبارا لاستراتيجية المستشار الذي يخضع لمراقبة خاصة من قبل المحللين السياسيين الدوليين وكذلك من قبل الشعب الألماني لمعرفة ما إذا كان التقارب الجديد مع بوش سيدفعه إلى قبول الحرب بعد أن رفضها ويلعب دور المنقذ المساعد في العراق.

ألمانيا الرسمية تقول إن شرودر وبوش سيبحثان الوضع المتأزم في منطقة «الشرق الأوسط» والأزمة العراقية. ووصفت صحيفة «فيلت أم زونتاج» شرودر وبوش بتعبير «صديقين جمعهما اليأس». بعد مناقشات استمرت بضعة أشهر عن مسألة مشاركة القوات المسلحة الألمانية في العراق، قالت الولايات المتحدة على لسان وزير الخارجية كولين باول إنها لم تعد تتصور أن ألمانيا ستقدم مساهمة عسكرية. تلقت برلين هذه التصريحات بارتياح كبير وكأن حجرا ثقيلا سقط عن كاهلها. أمام أعضاء البرلمان الألماني أوضح شرودر قبل أيام نوعية المساهمة التي تستعد لها ألمانيا في العراق: تدريب أفراد في الجيش العراقي والشرطة العراقية في ألمانيا.

ليس بوسع شرودر تقديم أكثر من هذه المساهمة المتواضعة، من دون أن يفقد صدقيته عند الشعب الألماني خصوصا الذين انتخبوه قبل عام. وقد رفض شرودر مرارا العودة للعمل بسياسة دفتر الشيكات التي عملت بها الحكومة الألمانية السابقة في عهد المستشار كول ووزير الخارجية هانز ديتريش غينشر، حين كانت ألمانيا تعفي نفسها من مهمات محرجة مثل المشاركة في حرب الخليج العام 1991، بتحمل تكاليف طائلة. وتجد ألمانيا أن دورها الحالي في أفغانستان جزء من مساهمتها في تحمل الأعباء الدولية إلى جانب الولايات المتحدة. وقال السفير الأميركي في ألمانيا دان غوتس عن العمل المشترك: إنه في مصلحة الولايات المتحدة وألمانيا وأوروبا والعالم كله، أن نعمل جميعا على إعادة إعمار أفغانستان والعراق.

كذلك سيكون للقاء شرودر مع بوش في نيويورك انعكاسات على الجولة التي سيقوم بها المستشار الألماني في الفترة من 4 إلى 7 أكتوبر/تشرين الأول المقبل إلى مصر والسعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة لإجراء مباحثات سياسية واقتصادية.

على رغم أن هذه الدول الثلاث أبرز الشركاء التجاريين لألمانيا في العالم العربي فإن المستشار الألماني لن يقوم بدور بائع متجول على حد تعبير مصادر رسمية في برلين بل سيدعو بإصرار شديد من أجل تنفيذ «خريطة الطريق» التي اقترحها الرئيس بوش وتواجه أشد خطر بعد التطورات الأخيرة التي حصلت في «الشرق الأوسط». ويحتاج بوش إلى تحقيق تقدم في عملية السلام للاستعانة بهذه الدعاية في حملته الانتخابية. يتساءل المراقبون إذا ما كان شرودر سيلعب دور سفير بوش حين يزور «الشرق الأوسط». إنه الدور الذي يرغب به بوش ليس في «الشرق الأوسط» فحسب بل في أماكن أخرى. قبل سفره إلى مصر سيشارك المستشار الألماني في قمة الاتحاد الأوروبي في روما وهي المناسبة التي سيستمع فيها الرئيس الفرنسي جاك شيراك إلى تفصيلات المحادثات التي أجراها شرودر مع بوش وتحديدا ماذا يريد بوش؟ وماذا وافق عليه شرودر؟

يريد الرئيس الأميركي أن تقدم أوروبا مساهمة مالية وعسكرية ومشاركة الولايات المتحدة المسئوليات في العراق. وكان المحور الألماني/الفرنسي أبرز عقبة أوروبية أمام الولايات المتحدة حين سعت الأخيرة إلى تبرير الحرب على العراق. وتجد فرنسا أن بوش يعمل على ضم الألمان إلى صفه وهي خطوة ترمي إلى معاقبة فرنسا على موقفها الرافض للحرب. لكن ليس في صالح شرودر تعرض العلاقات الألمانية الفرنسية إلى شرخ لأن المحور الألماني/الفرنسي هو محرك عملية الوحدة الأوروبية بما تشتمل عليه من توسيع العضوية في الاتحاد الأوروبي وتعزيز هذه الوحدة.

داخل البيت الألماني أيضا هناك من ينظر بشيء من الريبة إلى نشاط المستشار في مجال السياسة الخارجية. يوشكا فيشر الذي رضي بالتخلي عن طموحه بالحصول على منصب وزير خارجية الاتحاد الأوروبي بغرض دخول المعركة الانتخابية بوصفه الزعيم غير الرسمي لحزب الخضر إلى جانب رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي شرودر، يراقب كيف يعمل شرودر منذ وقت في لفت أنظار الشعب الألماني من خلال السياسة الخارجية؟ وكيف يعمل شرودر في خطف الأضواء من وزير الخارجية؟ في حكومته خصوصا في قضايا محببة عند فيشر مثل أوروبا و«الشرق الأوسط». ويرغب فيشر في الحصول على دور بارز حين يتحدث الأميركيون والألمان مع بعضهم بعضا من جديد. يواجه شرودر مهمة صعبة في نيويورك وربما الأصعب منذ أن فاز بمنصب المستشارية للمرة الاولى في سبتمبر العام 8991.

العدد 380 - السبت 20 سبتمبر 2003م الموافق 24 رجب 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً