العدد 387 - السبت 27 سبتمبر 2003م الموافق 01 شعبان 1424هـ

خدعة الأمن «أولا»

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أعادت حركة «طالبان» سيطرتها على أربع مناطق في أفغانستان بعد سنتين من الحرب التي أعلنتها أميركا. ولاتزال الدولة الأفغانية تنتظر الوعود بالمساعدة على النمو والتنمية... وكل ما حصل عليه نظام كابول بعض خدمات انصبت على تطوير الشرطة وبناء ألوية بإشراف واشنطن.

نظام كابول ينتظر تطبيق الوعود التي انهالت على حامد قرضاي بالأطنان من الكلمات والأوراق، وحركة «طالبان» تنتظر المناسبة... مناسبة يأس قرضاي من الانعاش الاجتماعي والازدهار الاقتصادي حتى تضرب ضربتها حين تأتي الفرصة.

حتى الآن يمكن القول إن نظام كابول فشل في تحقيق بعض الرخاء، ويتأتى هذا الفشل من نظريات عسكرية فاشلة تقول بها الإدارة الأميركية وخلاصتها أن الأمن هو «المفتاح السحري» لكل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية.

حتى الآن تبدو هذه النظرية غير موفقة لاحتواء تداعيات الاحتلال الأميركي لأفغانستان والاجتياح العسكري للعراق. فالعراق مثل أفغانستان فهو لايزال ينتظر الوعود بالأمن والرخاء والنمو بعد مرور أكثر من خمسة أشهر على سقوط بغداد. كذلك الأمن العالمي لم يتحسن. وحتى الآن لاتزال تصدر التحذيرات تنبه المواطنين وكل الرعايا الأميركيين في العالم لاتخاذ الحيطة من احتمال تعرضهم لهجمات من جهات مجهولة لا يعرف «أصلها» من «فصلها».

يوم أمس فقط صدرت تحذيرات جديدة من وزارة الخارجية الأميركية لكل الرعايا في البلاد وخارجها تنبه إلى احتمال وجود خطط جديدة تعرض حياتهم للخطر. وأمس أيضا قررت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إرسال عشرة آلاف جندي لتعزيز الوجود الأمني والسيطرة العسكرية بعد مرور قرابة 5 أشهر على إعلان الرئيس الأميركي عن انتهاء العمليات الكبرى في الأول من مايو/ أيار الماضي. هذا أمس فقط. وفي الأسبوع الماضي حتى البارحة شهد العراق سلسلة هجمات فوضوية طالت عضوة مجلس الحكم الانتقالي عقيلة الهاشمي وبعض المقرات الرسمية التابعة لأجهزة الحكم والأمم المتحدة.

هذه الهجمات الفوضوية التي لا يجمعها أي تفسير مشترك تحصل يوميا في العراق، ومن الصعب قراءة دوافعها في إطار واحد. فما الذي يجمع مثلا تفجير حافلة في حي الأعظمية ببغداد مع قصف بالهاونات يقع على حي مدني في مدينة بعقوبة؟ وما الذي يجمع قتل عشرة رجال من الشرطة العراقية المكلفة بالحراسة والأمن في الخالدية والفلوجة مع قصف بالصواريخ الصغيرة على فندق الرشيد ببغداد؟ وما الذي يجمع بين تعرض مقر الأمم المتحدة للهجوم مرة ثانية في بغداد في وقت قررت المفوضية الدولية خفض العاملين في دائرتها من 006 إلى 06 موظفا وقبل يوم من قرار الولايات المتحدة تعزيز قواتها في العراق؟

أسئلة كثيرة لا يربطها المنطق ولا يمكن الحصول على جواب واحد عنها. فهناك تفاسير كثيرة ولكنها كلها تصب في خانتين:

الأولى عراقية وهي احتمال تطور الفوضى الأمنية (المنظمة أميركيا) وصولا إلى «حروب أهلية صغيرة» تفكك ما تبقى من الدولة الواحدة، وتبرر لاحقا إعادة توزيع سلطاتها وصلاحياتها على حكومات محلية ذات صبغة طائفية أو مذهبية أو أقوامية (كرد، عرب وترك).

والثانية إقليمية وهي احتمال تطور المواجهة الكلامية مع سورية (قانون المحاسبة في الكونغرس) وإيران (وكالة الطاقة الذرية) إلى لغة حامية تتطلب تعزيز القوات العسكرية والاحتراز من توقعات غير محسوبة.

ومهما كانت التفسيرات المشوشة والاحتمالات المضطربة فإن السؤال يبقى عن نظرية «الأمن» وفشلها بصفتها الحل الوحيد للمشكلات السياسية في العالم. فالحروب ليست حلا... انها في أفضل الحالات واسطة دموية للحلول إلا أنها ليست كافية لقراءة تعقيدات الواقع واحتواء عناصره المتفجرة.

هذا في الجانب النظري. أما في الجانب العملي فقد كشفت نظرية الأمن عن فشلها حين طبقت في العراق وقبله في أفغانستان.

أفغانستان الآن تعاني من مشكلات بنيوية لها صلة بتضاريسها الطبيعية (المرتفعات) والاجتماعية (القبائل). وهذا يشرح لماذا نجحت «طالبان» في إعادة سيطرتها على أربع مناطق في وقت لايزال قرضاي ينتظر الوعود الأميركية (العرقوبية) بينما تنقل وكالات الأنباء عن عودة زراعة المخدرات (الأفيون) إلى الازدهار مجددا في ظل الاحتلال الأميركي.

نظرية الأمن «أولا» خدعة أميركية... لأن الأهم في قاموس مصالح واشنطن «ثانيا» و«ثالثا» و«رابعا» وهذه قضايا لها صلة بالاقتصاد والطاقة والموقع الاستراتيجي.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 387 - السبت 27 سبتمبر 2003م الموافق 01 شعبان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً