العدد 387 - السبت 27 سبتمبر 2003م الموافق 01 شعبان 1424هـ

الإصلاح الإيراني يواجه العواصف الدولية

حسن فحص comments [at] alwasatnews.com

.

وسط التحديات الاقليمية والدولية الكثيرة المحيطة بايران، والتي تستدعي من كل الاطراف الايرانية، وتحديدا التيارين الاصلاحي والمحافظ، التلاقي في مشروع انقاذ وطني يضمن التوصل الى مصالحة وطنية للنهوض بايران في المرحلة المقبلة والخروج بها من مأزق الازمات التي تواجهها من جميع الجهات، فإن الاجواء الداخلية تبدو انها تنحو نحو مزيد من التعقيد والتشنج، خصوصا بعد فشل الرئيس الايراني محمد خاتمي في التوصل الى نقطة تلاق بينه وبين مراكز القوى المحسوبة على التيار المحافظ في مجلس صيانة الدستور ومجمع تشخيص مصلحة النظام في مشروعي تعديل قانون الانتخابات وتحديد صلاحيات رئيس الجمهورية الدستورية، على رغم وقوف مجلس النواب (الشورى) بغالبيته الاصلاحية الى جانبه في هذا الصراع.

ويبدو ان عمق الازمة التي خلقها رفض مجلس صيانة الدستور لمشروعي القانونين دفعت خاتمي للحديث عن امكان اللجوء لاحدى خطوتين.

الاولى: طرح المشروعين على الاستفتاء العام، وهي النقطة التي يرى غالبية اعضاء مجلس النواب انها قد تشكل حلا، على رغم انه سيكون ناقصا، لان الاستفتاء بحاجة الى رأي مرشد الثورة السيد علي الخامنئي بناء على الدستور، لكي يأخذ صفته العملية، وهو امر تتفق كل القوى السياسية الايرانية على استبعاد حدوثه من منطلق ان موافقة مرشد الثورة على الاستفتاء ستفتح الباب واسعا امام استفتاءات اخرى لا يمكن توقع الافق التي ستكون عليها، اضافة الى ان الاستفتاء على تعديل قانون الانتخابات ينطوي على نقطة خطيرة تمس الورقة الرابحة في يد التيار المحافظ، وهي لجنة دراسة اهلية المترشحين للانتخابات التي شكلت في السابق المدخل الذي منع الكثير من الوجوه الاصلاحية في الوصول الى مجلس النواب، وستشكل في الاشهر المقبلة السد امام جميع الوجوه الاصلاحية او المقربة منها في التقدم الى الانتخابات النيابة ايضا.

الثانية: امكان الاستقالة من منصب رئاسة الجمهورية ما لم يمر كلا المشروعين من سد مجلس الصيانة ورفض تحويلهما الى اروقة مجمع تشخيص مصلحة النظام المتربص لتقزيمهما بحيث لا يبقى منهما الا الاسم.

وقد بدأت وتيرة الحديث عن الاستقالة تخرج من الهمس الى العلن قبيل بدء الحرب الاميركية على العراق بأشهر قليلة، وكأن اول ما تسرب منها في سبتمبر/ ايلول من العام الماضي 2002، الا ان تسارع وتيرة الحوادث الاقليمية وقرقعة السلاح الاميركي على الحدود مع ايران، اضافة الى وقوعها في احدى زوايا محور الشر، جعلت من خاتمي يحجم عن تصعيد الموقف الداخلي خوفا على ايران من التحديات التي تواجهها، وكذلك لمنع حدوث اي فراغ في السلطة قد يؤدي الى زيادة المتاعب الايرانية على رغم انه قد سمع حينها كلاما عن امكان تشكيل حكومة طوارئ لتسيير الامور في حال اقدم على ذلك.

بعد مضي ست سنوات ونيف على تولي السيد محمد خاتمي رئاسة الجمهورية بدورتين، استطاع التيار المحافظ، وبكثير من الذكاء وبالاعتماد على المواقع السياسية التي يسيطر عليها، تخريب صورة خاتمي السياسية والشعبية، وبالتالي تفريغ المشروع الاصلاحي القائم على ترسيخ مقولة التعايش بين الديمقراطية والدين والمرتكز على التنمية الاجتماعية والسياسية والفكرية ومنح المزيد من الحريات الفردية والجماعية والحزبية. وكانت اخر المعاقل التي يراهن على وقوفها الى جانبه في المواجهة التي يعتقد انها باتت خاسرة، هي الحركة الطلابية، الا ان الحوادث الاخيرة التي شهدتها الجامعات الايرانية في يونيو/حزيران من هذا العام، والشعارات التي رفعها الطلاب خلالها، اسقطت من يده هذه الورقة، فقد كان التطور اللافت فيها دعوتها خاتمي إلى الاستقالة واتهامه بالمساومة على مشروعه وشعاراته، في تحول يعد نوعيا بينها وبين التحرك الطلابي الذي حدث في العام 9991، والذي كان تحت سقف النظام وحاملا لشعارات خاتمي وداعما لمشروعه الاصلاحي.

لذلك، ليس من المستبعد او المستغرب ان يعيد خاتمي في هذه المرحلة الحديث عن امكان الاستقالة من رئاسة الجمهورية، او ان يلتقط فرصة الحديث عن امكان دمج بعض العمليات الانتخابية مع بعضها الاخر بهدف التخفيف من كثرة العمليات الانتخابية التي تكلف الدولة مبالغ مالية كبيرة لكثرتها وتعددها، وهي الفرصة التي اتاحها كلام احد الاطراف في النظام، الذي تحدث عن امكان التمديد لمجلس النواب الذي تنتهي ولايته تقريبا بنهاية يناير/كانون الثاني من العام المقبل الى ابريل/نيسان العام 5002 للتزامن مع انتخابات رئاسة الجمهورية، ليتقدم باقتراح اخر يصب في الاطار نفسه الا انه يأتي متوافقا مع رغباته والتوجه الذي يضمن وصوله الى هدفه السياسي من وراء الحديث عن الاستقالة، وان كان ذلك يخفف كثيرا من وقع الحدث سياسيا على الساحة الداخلية ويفقده الكثير من اثره الشعبي.

الاقتراح الخاتمي الرافض لتمديد عمر مجلس النواب والموافق على اجراء الانتخابات النيابية والرئاسية بالتزامن، كان منطلقا من نقطة قانونية لا تسمح بخرق القانون او خلق سابقة دستورية في النظام الذي استطاع تجاوز الكثير من الازمات الاشد خطورة من ذلك في السابق، وهي تمديد عمر المجلس، لذلك فقد عمد الى اقتراح مشروع تقديم استقالته قبل موعد الانتخابات النيابية، ما يفسح المجال امام اجراء انتخابات متزامنة للنواب والرئاسة.

مساعي خاتمي للخروج من السلطة او تكرار الحديث عن الاستقالة من منصبه يشكل مدخلا للاعتراف بفشل مشروعه الاصلاحي وبالتالي الفشل في مواجهة الضغوط التي مارستها مراكز القوى المحافظة في تركيبة النظام التي لم تترك فرصة الا استغلتها لتحقيق اهدافها، وهو ما يقطع الطريق ايضا على الحديث عن عودة خاتمي الى السلطة من باب المجلس النيابي، اي الاستقالة قبل ثلاثة اشهر من موعد الانتخابات النيابية ما يسمح له بالترشح وهو امر مستبعد لان مجلس صيانة الدستور ولجنة دراسة اهلية المترشحين فيه لن يتساهلا معه في حين كانا مجبرين على ذلك في الانتخابات الرئاسية وخصوصا في الدورة الثانية منها. ولعل ابرز النقاط دلالة على فشل مشروعه ما تعرضت له الصحافة والصحافيين من قبل الاجهزة القضائية التي احكمت قبضتها وضيقت الخناق على اهم المنابر الاعلامية والاسلحة الشعبية في التواصل بين التيار الاصلاحي الداعم لخاتمي وجمهوره، اضافة الى الضغوط التي مورست على الحركة الطلابية والاعتقالات التي طالت الكثير من الناشطين فيها الى جانب عدم قدرته على الوقوف الى جانب الكثير من وجوه الاحزاب السياسية الذين تعرضوا للاعتقال والسجن والمحاكمة.

وقد ادت السياسة التي اتبعها التيار المحافظ الى خلق حال من الاحباط الشعبي من المشروع الخاتمي والاصلاحيين على حد سواء، ظهرت نتائجه في نتائج الانتخابات البلدية الاخيرة، المرحلة الابرز في مشروع خاتمي للتنمية الاجتماعية والسياسية وبناء مجتمع مدني، والتي جاءت نتائجها لتعلق جرس الانذار كما عبر عنها خاتمي نفسه، واسفرت عن حقيقة قدرة التيار المحافظ في السيطرة على البلديات وهزيمة الاصلاحيين بعد ان كانوا يسيطرون على غالبية بلديات ايران.

وعلى رغم ان وصول المحافظين الى البلديات قد جاء باقل عدد من اصوات الناخبين، اذ لم تتعد نسبة المشاركين في طهران الـ 31 في المئة، فإنه كشف عن مؤشر جدي لما ستكون عليه الانتخابات النيابية والرئاسية المقبلتين، بغض النظر عن التفسيرات التي لجأ اليها الاصلاحيون لتسويغ هزيمتهم المدوية وانصراف الجمهور عن تأييدهم ودعمهم. وهو ما فتح الباب واسعا امام اقطاب من التيار المحافظ للحديث عن ان الانتخابات البلدية شهدت مشاركة شعبية واسعة، وعن تكرارها في الانتخابات النيابية وان المرحلة المقبلة ستشهد متغيرات سياسية كبيرة في ميزان القوى.

والمتغيرات التي يراهن على حدوثها التيار المحافظ تكمن بالدرجة الاولى في الاصرار على رفض مشروعي قانوني تحديد صلاحيات رئيس الجمهورية الدستورية وتعديل قانون الانتخابات، مع امكان ضئيل بالسماح للمشروع الاول بالمرور لانه يشكل قاعدة تساعد على تعزيز صلاحيات رئيس للجمهورية منهم (المحافظين)، وهو ما لم ينفه او يستبعده خاتمي. اما المشروع الثاني الذي يطالب بإلغاء لجنة دراسة اهلية المترشحين، فلن يكون من السهل على المحافظين ومجلس صيانة الدستور السماح بتمريره حتى مع ادخال الكثير من التعديلات على نصه، لانه يمس جوهر عملية تحكمهم بنوعية وانتماء الشخصيات التي قد تصل الى مجلس النواب او غيرها. وان الاصرار على رفض المشروع الثاني ايضا يمهد الطريق امام عودة المحافظين الى مراكز القرار في السلطتين التنفيذية والتشريعية اللتين خرجتا عن قبضتهم بوصول خاتمي الى السلطة العام 7991.

لذلك فإن الاعتقاد السائد والشبه اكيد ان زمن الاصلاحيين في السلطة التنفيذية والتشريعية قد شارف على نهايته، وان عصرا جديدا سيبدأ مع الانتخابات المقبلة، وسيشهد محاولة لوصل ما انقطع في سيطرة المحافظين حتى ولو جاء مستوى المشاركة الشعبية في العملية الانتخابية اقل من سابقاتها او مشابها لما شهدته الانتخابات البلدية.

من المحتمل ان تكون المرحلة المقبلة من عمر الجمهورية الايرانية ونظامها الاسلامي والتي ستشهد عودة للتيار المحافظ الى المراكز التي كان قد خسرها لصالح الاصلاحيين في السابق، مرحلة شديدة التعقيد والحرج على المستوى الدولي بغض النظر عن المستوى الداخلي الذي يمكن السيطرة عليه في ظل عزوف شعبي واسع عن الاهتمام بمجريات الحوادث وعملية تناقل او تبادل السلطة بين التيارات. وقد يكون على التيار المحافظ العائد حينها في الدرجة الاولى ان يقدم الادلة على انه يتمتع بتمثيل شعبي داخلي يمنحه المشروعية في تولي السطلة، وكذلك البرهنة انه لا يشكل مصدرا للتطرف (او الارهاب بحسب القاموس الاميركي) او تهديدا لمصالح العالم الغربي، وخصوصا الولايات المتحدة الاميركية التي تسعى إلى انتهاز اية فرصة لتأكيد موقفها ونظرتها تجاه ايران وتسويغ الاتهامات التي توجهها لها بين فترة واخرى، تمهيدا لامكان التدخل المباشر. وهي هواجس بدأ التيار المحافظ منذ الان السعي إلى وضع اجابات عليها تحسبا، فهل سيكون بمقدروه القيام بذلك اذا سنحت له الفرصة لاستعادة المبادرة والسيطرة على كل مراكز السلطة من جديد؟ لعل المرحلة المقبلة وتطوراتها اضافة إلى نتائج الانتخابات المرتقبة واشكالية استقالة خاتمي او عدمها قد تشكل المدخل الى ذلك!

العدد 387 - السبت 27 سبتمبر 2003م الموافق 01 شعبان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً