العدد 393 - الجمعة 03 أكتوبر 2003م الموافق 07 شعبان 1424هـ

حرب أكاذيب

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

حين كانت واشنطن تستعد لضرب العراق تحدث الرئيس الأميركي جورج بوش مرارا عن امتلاك إدارته كميات هائلة من الأدلة والوثائق تؤكد تورط صدام حسين في انتاج «أسلحة دمار شامل». وفي احدى المرات بالغ بوش في كلامه فقال انه يملك من الأدلة والوثائق كميات هائلة يبلغ ارتفاعها قمة «جبل افريست».

كان الخلاف على أشده بين «دول الضد» التي رفضت الانسياق وراء كلام لتبرير حرب على بلد مستقل من دون تقديم الذريعة. «دول الضد» رفضت الانجرار وراء حملة هوجاء تريد تكريس معادلة جديدة في منطقة «الشرق الأوسط» لتمرير أهداف بعيدة المدى تتجاوز صدام حسين وأسلحته.

بينما واصلت «دول الحرب» حملتها مستخدمة أساليب الخداع والتورية بغية تنفيذ خطة تقوم على تكريس معادلة تخترق القوانين الدولية وتعيد انتاج صيغة استعمارية قديمة تعطي الحق للقوي بالتدخل في شئون الضعيف. أميركا كانت تريد من «دول الضد» الموافقة على قرار محدد يمكن أن يتحول إلى سابقة في العلاقات الدولية تجيز للقوى الكبرى التدخل تحت شعارات شتى ومفتعلة لتحقيق غايات لها صلة بالاقتصاد والسوق والطاقة والموقع الاستراتيجي.

بوش كان يعلم أن إدارته تكذب، وكان يريدها أن تستمر في خداعها حتى يتظاهر أمام العالم بأنه يريد انقاذه من خطر «لا أول له ولا آخر». وحين كانت تسأله دول الضد (روسيا، فرنسا، ألمانيا وإلى حد ما الصين) عن تلك الأدلة والوثائق كان يرفض إعطاء إجابات واضحة وقاطعة ويلجأ إلى «التعمية» لتبرير عدم قدرته على كشف البراهين لأنها تقع تحت خانة «الأسرار العسكرية» وإذا كشفها ربما يستفيد منها العدو.

باختصار كانت أميركا تريد الحرب على العراق مهما كلف الثمن بذريعة أو من دونها، وبوجود الأدلة أو عدمها. تحولت الحرب إلى حاجة داخلية وضرورة لكسب نقطة في معادلة دولية ترجح كفة على كفة. فالحرب كانت من أجل الحرب... وبعدها الطوفان.

وقعت الحرب وبالضد من دول الضد وغصبا عن كل العالم. حتى تلك المظاهرات المليونية التي هبت في مختلف عواصم ومدن العالم وأميركا وكانت الأكبر منذ سبعينات القرن الماضي وأحيانا تضخمت لتكون الأكبر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية... حتى مظاهرات الغضب تلك لم تلقَ الاهتمام ولم يسمع أصواتها بوش وكتلة الشر التي تدير القرار من «البنتاغون».

بعد الحرب بدأ العد العكسي، انطلاقا من السؤال الأول: أين قمة افريست؟ حتى الآن لا يعرف بوش أين افريست؟ يسأل «البنتاغون» تحيل الجواب إلى وكالة المخابرات المركزية (سي. آي. ايه). يسأل الوكالة عن الأدلة والوثائق فترد عليه بأنها موجودة في أجهزة وزارة الدفاع. وزارة الدفاع تحيل السؤال إلى الداخلية والداخلية إلى الإدارة، والإدارة إلى الخارجية، والخارجية إلى الدفاع، والدفاع إلى المخابرات، والمخابرات إلى معلومات جاءت من لندن...

السلسلة لا تنتهي. فهي مؤلفة من حلقات دائرية، وكل دائرة تتوسطها مجموعة دوائر وزوايا. وأخيرا وجد بوش ضالته فاتهم رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير بأنه ورطه في معلومات تبين أنها غير دقيقة استقتها مخابراته من أطروحة دكتوراه تقدم بها أحد الطلبة قبل عشر سنوات ونشرت صفحاتها على الانترنت.

بلير إذا هو الحلقة الضعيفة وهو في النهاية ليس أميركيا ويمكن التضحية به لانقاذ سمعة إدارة فاشلة تريد التجديد لنفسها في دورة رئاسية ثانية.

الحرب على العراق انتهت في فصولها الكبرى، بينما المعركة على الأدلة والوثائق لاتزال في بدايتها. فالكونغرس الأميركي بدأ بفتح تحقيقاته عن موضوع «أسلحة الدمار»، والبرلمان البريطاني بدأ منذ ثلاثة أشهر تحقيقاته وتحديدا مسألة المبالغة في الموضوع على خلفية «انتحار» خبير الأسلحة ديفيد كيلي.

إنها حلقة جهنمية، تدور وتدور على نفسها... وكتلة الشر في «البنتاغون» مصرة على مواقفها وتريد توسيع حلقة النار لتطال الدول المجاورة للعراق. انها حرب أكاذيب... وأكاذيبها ارتفعت وباتت أعلى من قمة افريست.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 393 - الجمعة 03 أكتوبر 2003م الموافق 07 شعبان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً