العدد 2630 - الثلثاء 17 نوفمبر 2009م الموافق 30 ذي القعدة 1430هـ

القبيلة البريطانية المنسية!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

صفحةٌ مطويةٌ سوداء في التاريخ البريطاني الحديث يتم نشرها هذه الأيام، تجعل الكثيرين يعيدون تقييم الأسس التي قامت عليها امبراطورية بريطانيا العظمى، فضلا عن أسباب الازدهار في قارة استراليا.

تاريخٌ أسود من الخداع والقسوة، في عملية «شحن» آلاف الأطفال البريطانيين إلى استراليا في العشرينيات، بعد إقناعهم بموت آبائهم، وأن الحياة في المستعمرة البعيدة ستكون نعيما. وبالمقابل، تم خداع ذويهم بأن أطفالهم تم تبنيهم في مناطق بريطانية أخرى. وعند وصولهم استراليا يفصل الإخوة عن الأخوات، ليودعوا في معسكرات للعمل حيث تعرضوا لاعتداءات جسدية ونفسية وجنسية.

بريطانيا التي كانت ترفض الاعتذار لما صنعته بشعوب مستعمراتها، تصحو اليوم لتقلّب بعض صفحات تاريخها السوداء، وما ألحقته بآلاف من أطفالها الأبرياء من أذى وظلم وانتهاكات.

حركة التهجير هذه استمرت حتى نهاية الستينيات، تحت سمع وبصر السلطات الثلاث. ويستغرب المرء أن تتم مثل هذه الجرائم المبرمجة في بلدٍ عريقٍ تحكمه المؤسسات والقوانين والأعراف الديمقراطية، لكن... متى اقتصرت انتهاكات حقوق البشر على العالم المتخلف؟

التفاصيل أوردتها الـ «بي بي سي» في نشراتها وعلى موقعها الالكتروني، وهي قصةٌ تستعصي على التصديق، فهي تذكّرك بالقصص الزنجي مثل «الجذور» و»كوخ العم توم». ولكن الضحايا هذه المرة لم يكونوا من أبناء المستعمرات والممالك الأفريقية التي استباحها الغزاة الأوروبيون، وإنّما من أطفال الامبراطورية الغازية نفسها.

من بقي حيا من الجيل الأول من الضحايا هو الآن في التسعين، أما أحدثهم ترحيلا فلا يقل عمره عن الستين. فهؤلاء في خريف العمر الآن، ومع ذلك لم ينسوا الآلام والمعاناة، ورفعوا صوتهم مؤخرا طلبا للعدالة والإنصاف.

في أواخر التسعينيات قدّم أحد هؤلاء (الأطفال) شهادته أمام لجنة برلمانية بريطانية، وتحدّث عمّا تعرّض له من اعتداءات إجرامية وجنسية على أيدي بعض القساوسة الكاثوليك القساة. ولأنهم كانوا معجبين بعينيه الزرقاوين قام هذا البائس بضرب عينيه أملا بتغيّر لونهما ليتخلص من جحيم الانتهاكات.

الغريب أن رئيس الوزراء الاسترالي قدّم اعتذارا إلى مجموعةٍ منهم تُعرف باسم «الاستراليين المنسيين»، معترفا نيابة عن الحكومة الاسترالية، باستمرار معاناة 500 ألف شخص كانوا محتجزين في دور الأيتام بين عامي 1930 و1970.

عند التهجير، كانت هناك نظرتان تتناوشان الجانبين: ففي استراليا كانت الحكومة تعتبرهم مهاجرين مثاليين، فـ «الطفل هو أفضل المهاجرين» لأنك تشكّله كالعجينة كيفما تريد. أما في بريطانيا فكانت الحكومة تعتبرهم عبئا عليها، وتشعر بالسعادة لرحيلهم.

إحدى هؤلاء الضحايا واسمها ساندرا انكر (وهي عجوزٌ تجدون صورتها على موقع البي بي سي) رُحّلت عام 1950 وهي في السادسة، ولذلك تستخدم كلمة «المنفى»، لأنها حُرمت من الطفولة والوطن. وبقيت تنتظر سنوات علّ أحدا ممن يعنيهم الأمر يدرك الخطأ الذي تم ارتكابه بحقهم. وعاشت سنوات من البؤس دون أن تفهم من أين جاءوا ولماذا حرموا من حقهم في أن يكونوا بريطانيين. وهي كبقية الضحايا المهجّرين، تشعر بالغضب لأن الحكومة الاسترالية قررت تقديم اعتذار وطني، قبل أن تفعل الحكومة البريطانية ذلك.

يبدو من السذاجة أن نسأل: أين كانت الحكومة البريطانية؟ لأنها كانت متورطة في الجرم، ولكن أين كان البرلمان ومجلس اللوردات؟ وأين كانت القوانين والتشريعات؟ وأخيرا... أين كانت الصحافة البريطانية من كل هذه المؤامرة بما فيها من بؤس وكذب وعناء؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2630 - الثلثاء 17 نوفمبر 2009م الموافق 30 ذي القعدة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 3:16 م

      ذو الحجة

      اليوم 1 ذو الحجة

    • البحار | 3:13 م

      فاقد الشي لايعطيه

      هكذا هي الدمقراطيه هكذا تريدون لنا ان نكون ومن هكذا دوله تريدون استيراد هكذا مفاهيم فلانستغرب وعد بلفور ولا الوقوف مع اعداء الامه ان كانت تلك المعامله لاطفالهم واسرهم فكيف كان حالهم من مستعمراتهم

    • زائر 6 | 12:26 م

      الذين أسضعفوا في الأرض !!!

      عذر الدول العظمى أنها ليست بذات دين حقيقي يردعها عن خلق المآسي .. وإضطهاد الآخر ... ولكن ماذا عمن يتمهن الإضطهاد في بلاد تدعي حكوماتها إسلام الرحمة عنواناً ... لا والله لا عذر لمن يعتذر أو حتى لا يعتذر ... والعاقبة للمتقين !!!

    • زائر 5 | 3:26 ص

      ظلم الدولة العظمى

      شاهدت فيلما يروي قصة واقعية للجرائم الوحشية التي قام بها البريطانيون أبناء بريطانيا العظمي في استراليا. فقد قرروا محو السكان الأصليين من بلادهم عن طريق اختطاف الأبناء من أسرهم وايداعهم في المدن الحديثة بقصد تعليمهم ودمجهم مع السكان الانجلينزي الجديد. الفيلم يصف الخوف والظلم الذي عمّ كل الأسر الاسترالية . اسم الفيلم
      Behind the rabbit fence

    • زائر 4 | 1:54 ص

      جرائم رعاع العالم حدث ولا حرج

      هل تعرفون ان اعضاء الحكومة والبرلمان الاسترالى يأتون بهم خصيصا من بريطانيا لادارة دفة مور بلدهم لندن وهل تعلمون ان السكان الاصلى الاسترالى كان عرضة للقنص بالشوزن وقتلهم مثل الطيور والحيوانات حتى عام 1996 عندما سن برلمانهم قانون منع اصطياد وقنص السكان الاصليين ولكن؟؟ وهم شبيهين بالهنود الحمر فى امريكا-مثلما مكنوا الصهاينة من فلسطين بحجة ارض بلا شعب نفس العملية للانجليز فى استراليا وغيرها من الجزر المحادية لها قمع سفك دماء اضطهاد عنصرى بغيض لامثيل له للاصليين وللمهاجرين (فوبيا)مسلمين وللسمران

    • زائر 3 | 1:07 ص

      اكبر ذنب ان لاتعترف بالخطأ

      ان كنا نستخلص عبرة من هذه القصة فهي ان آلام الظلم لاتمحى مع الزمن وان العمر لاينسي المظلوم ماعاناه وان الحق لابد ان يظهر. فلايمكن تجاهل الناس الضحايا من البحرين وغيرها لمجرد ان الدولة قد ابدت "توجها " نحو الافضل " وياريت تم تطبيق نصف هذا التوجه" ولايمكن ان نعتقد ان المظلومين المعذبين, او الذين سجنو او رحلو او حرمو من العمل الكريم والعيش الحر سوف تختفي هذه الالام بمجرد إتاحة الكلام عبر الصحف او تنظيم تجمعات او حتى مردود مادي. ان العدل يتطلب الاعتراف بالذنب ولامناص من ذلك.

    • زائر 2 | 12:47 ص

      فليخسأ الخاسئون

      حفظك الله ياسيد فإحساسك بالمعاناة وصل إلى الشعوب الأخرى.فأنت تنظر بمنظار الإنسانية بعيداً عن الدين والمذهب

    • زائر 1 | 10:59 م

      خيركم للناس خيرة لأهلة

      هذه الدولة التي يذهب اليها المتباكون . لتحريرهم من البطش و التطهير العرقي .
      و لكن وافق شن طبقة . و الطيور على أشكالها تقع .فابناء الأصول يذهبون ليشتكوا حالهم لأبناء الأصول . و خيركم للناس حيركم لأهله .
      حتى نسباتنا ما سلموا منا .

اقرأ ايضاً