العدد 2633 - الجمعة 20 نوفمبر 2009م الموافق 03 ذي الحجة 1430هـ

«إسرائيل» تدفع العرب والمسلمين لواقع اللادولة

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

في المشهد الفلسطيني، يدفع الاحتلال الصهيوني الأحداث والمعطيات في الاتّجاه الذي يوصل الفلسطينيّين، ومعهم كلّ الواقع العربي والإسلامي، إلى واقع اللادولة، تحت غطاء دولي، واتّجاه عربيّ للتعامل مع الأمر الواقع كما هو. وقد أدرك العدوّ هذه النقطة جيّدا، فعمل على تحويل القضيّة من حركة مقاومة وتحرير إلى حركة مفاوضات، وأخيرا إلى قضيّة على الورق تتقاذفها الكلمات من هنا وهناك.

كلّ ذلك، وكيان العدوّ يشعر بالاطمئنان إلى أنّ أيّا من الإدارات الغربيّة لن تسمح بإدانته أو إحراجه أو حشره في الزاوية؛ ولذلك يسير كيان العدوّ مع رفض إعلان الدولة الفلسطينية من طرف واحد، حتّى مع علمه بعدم توفّر أيّ من الظروف الواقعيّة لذلك، لا إقليميا ولا دوليّا ولا حتّى محلّيا...

وللأسف، فإنّ الحركة الاستكبارية التي تقودها الدول الكبرى قد أوصلت مسألة الدولة الفلسطينية إلى أن تغيب حتّى في الشكل والإعلان، حتى عبّر بعض المسؤولين الغربيّين عن أنّه لا بدّ أن تكون هناك دولة فلسطينية في الواقع حتى نعترف بها... في دلالةٍ على حجم السقوط الحضاري الغربي، في منطقه في مقاربة قضايانا، بحيث تصبح «إسرائيل» المحتلّة الغاصبة والمجرمة، لا تملك الشرعية القانونيّة فحسب، بل هي التي تمنّ أو لا تمنّ على الفلسطينيّين بدولة أو سلطة أو ما إلى ذلك..

لقد آن لنا أن نُدرك جميعا، ولا سيّما الشعب الفلسطيني، أنّ الاعتماد على الغرب لم ولن يُبقي للفلسطينيّين أيّ شيء، وإذا سقطت قضيّة فلسطين ـ لا سمح الله ـ فسوف تكون نتائجها كارثيّة على كيانات الأمّة كلّها، ولذلك فليس أمامنا إلا إعادة تفعيل المقاومة في خطّ التحرير؛ لأنّ هذا العالم لا ينصت إلا للأقوياء، والسياسة الدوليّة لا تحترم المستسلمين للإملاءات والمفرّطين بحقوق شعوبهم ومستقبلها.

أمّا في المشهد العربي والإسلامي، فلا تزال الأحداث والمواقف تكشف الوجه الثابت للإدارات الأمريكيّة، والتي لا تعرف الإخلاص إلا لمصالحها الاستكباريّة والتي تتطابق مع مصلحة كيان العدوّ، وقد أثبتت التجارب منذ مجيء أوباما أنّ السياسة الأمريكية تجاه العالم العربي والإسلامي لم تتغيّر، وها هو الرئيس الأمريكي يعود إلى لغة الوعيد والتهديد تجاه إيران في ملفّها النووي السلمي، ليلوّح بعضلاته العسكريّة أمامها فيما يبرز بصورة ناعمة أمام الوحش الإسرائيلي الذي يمتلك أنيابا نوويّة، ويتلقّى الدعم المالي والعسكري، وتُقام معه المناورات المشتركة الموجّهة إلى المنطقة بأسرها.

وأمام ذلك نُريد للدول العربيّة والإسلامية التي ترزح تحت ضغط الإدارة الأمريكية، أن تبدأ مسيرة التحرير الكامل لإراداتها من هذا الضغط؛ لأنّنا نعتقد أن مسيرة الاستقرار في منطقتنا مرهونة بالتخلّص التدريجي من الضغط الأمريكي الآتي عن طريق السياسة والاقتصاد، أو القادم عن طريق الاحتلال.

وفي هذا الجوّ، التقينا في الأيّام الماضية بقمّة منظّمة التغذية والزراعة التي عقدت في إيطاليا تحت عنوان محاربة الجوع، في ظل تجاوز أرقام الجوعى في العالم المليار ومئة مليون، وحيث يموت ستّة ملايين طفل من الجوع سنويّا...

وقد لاحظنا إصرار الدول الغنيّة على عدم حضور هذه القمّة، ورفضها تقديم تعهّدات ملزمة لتخفيف أرقام الفقر في العالم، في الوقت الذي تنفق فيه هذه الدول مئات المليارات على آلة الحرب والدمار، وعلى إنقاذ الشركات الاحتكاريّة من الإفلاس.

إنّ علينا أن نعرف أنّ مشكلة الجوع في العالم لا تنفصل عن المشكلة السياسيّة التي صنعتها الدول المستكبرة، وبالتالي فعلى الدول الفقيرة أن تعمل لتحقيق استقلالها الذاتي على المستويات الاقتصاديّة والسياسية والاجتماعيّة، عبر التعاون المشترك فيما بينها، بدلا من السعي لاستعطاف الدول الناهبة، والتي زرعت الفقر والخراب والجوع في كلّ البلدان التي دخلت إليها مستعمرة ومحتلّة.

أمّا لبنان، الذي يتنفّس قليلا في ظلّ الهدوء السياسي الذي استطاع أن يُغلق الكثير من السجالات والمناكفات غير المجدية، فيحتاج إلى خطوات لحماية هذا الهدوء وتعزيزه، من خلال الإصرار على سلوك طريق الحوار الهادئ والهادف، والتعاون الحقيقي داخل الحكومة وخارجها، وعدم الالتفات إلى بعض الأصوات التي تشكّل عنصر ضغط سلبي على مسيرة السلم الأهلي بطريقة وبأخرى...

إنّ لبنان بحاجة إلى الكثير من ورشات العمل الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة، كما يحتاج إلى تحصين أمنه ومستقبله أمام التحدّيات، ويحتاج أكثرَ ما يحتاج إلى إعادة زرع المحبّة والرحمة بين أبنائه بعدما لوثّت السياسة كثيرا من عناصر الطهارة لديهم، بالأحقاد البغيضة، والعصبيّات المنغلقة، والتي نخشى أن تُستعاد عند أيّ محطّة انتخابيّة أو مصلحيّة هنا وهناك.

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 2633 - الجمعة 20 نوفمبر 2009م الموافق 03 ذي الحجة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 10:47 ص

      رد على رقم 3

      كل المراجع يرون عدم وجوب الشهادة لعلي في الصلاة، اما التربة الحسينية فليست من الثوابت قدسيتها في ثباته وعدمه وهو ير قدسية التربة التي في قبره، واطاعة ولاة الامر فكل الطائفة بمراجعها يرون ان ولاة الامر هم النبي وآله، لان الله لا يأمرنا باطاعة من هم فاسقون ( الحكام)والاغلب منهم ظالم وفاسق الا القليل، والله اعلم.

    • زائر 3 | 5:51 ص

      ما قالة حسين فضل الله .

      هل نتبع الشيخ السيد حسن فضل الله . فهوه القائل بأن الشهادة بعلي علية السلام في الأذان غير واجبة و التربة الحسينية ليس له قدسية مخصصة . و هو من قال عليكم بأتباع ولاة أمركم .
      فهل نحن مقتنعون .

    • زائر 2 | 3:58 ص

      الدنيا بخير بوجودك

      لازلت فضل الله تسموا للعلاه ,,, انت يانسل الاكرمين تحملت مسؤلية الدين والحياة بكل ماتحمل الكلمة من معني امدك الله بصحة والعافية والعمر المديد

    • زائر 1 | 2:10 ص

      لله درك

      ما أخطأ من كتب فيك "أمة في رجل"، فكرك النير ومواقفك العادلة وعطائك المتواصل، نبل سيرتك وإعتدال منهجك وحسن تسامحك،،،، كل ذلك فعلاً يخولك لأن تكون أمة،،،، حفظك الله يا سيد وأبقاك ذخراً وحصناً للمسلمين والمستضعفين

اقرأ ايضاً