العدد 338 - السبت 09 أغسطس 2003م الموافق 10 جمادى الآخرة 1424هـ

مئة يوم من الجنون

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

مضى 100 يوم على الاحتلال الأميركي للعراق. وحتى الآن يمكن وصف الوضع العسكري في بلاد الرافدين بأنه ليس جيدا. إلا أنه أيضا ليس سيئا إلى حدٍّ يجبر الإدارة على التخطيط للانسحاب. فالكلام الذي يتردَّد أحيانا عن «مستنقع فيتنامي» تورّطت فيه واشنطن ليس دقيقا... وهو كلام سابق لأوانه وإن وجدت إشارات تبرر مثل هذه الأقوال.

الانسحاب الأميركي من العراق لم يأتِ حينه بعد. لأن مثل هذا القرار يعادل في جوهره بداية انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة، ويشابه بداية انسحاب «إسرائيل» من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة. الانسحاب الأميركي الآن ليس واردا كما تشير المعطيات الجيوسياسية، ومن يبني سياسته على أساس هذا الاحتمال يكون وضع قطاره على السكة الخطأ. أميركا لن تنسحب من العراق، كذلك «إسرائيل» لن تنسحب من الأراضي المحتلة.

فالانسحاب برأي هذا الثنائي يعني بداية ضعف وخطوة أولى نحو الانهيار الشامل. وهذا الأمر يحتاج إلى وقت طويل وجهود مضاعفة تزيد عما تبقى من ولاية بوش وصديقه شارون. وعلى الأقل يرجح أن تبقّى القوات الأميركية فترة أطول من رئاسة بوش في حال فشل في الانتخابات المقبلة. ويرجح أيضا أن الانسحاب لا تفكر فيه الإدارة الحالية وربما المقبلة في حال جدد لبوش فترة رئاسية ثانية.

عدم الانسحاب لا يعني مراوحة أميركا في مكانها والاكتفاء بانتظار تلقي الضربات. فهذا أيضا لا تقوى واشنطن على تحمّله. والحل قد يكون بالنسبة إلى إدارة مهووسة بالحروب ليس الانسحاب ولا الثبات في المكان نفسه بل محاولة التخطيط لهجوم آخر. والهجوم برأي الإدارة الحالية، وربما المقبلة، هو أفضل وسيلة للدفاع. كذلك يغطي الهجوم نقاط الضعف ويلهي الناخب الأميركي بمشكلات جديدة بدلا من إضاعة الوقت في حلّ المشكلات السابقة. فأميركا الآن في ورطة سياسية وليست عسكرية، والهجوم الذي قادته على العراق لم يثمر سياسة جديدة في «الشرق الأوسط». فالحال بقي على حاله. والحلُّ عند إدارة متطرفة تقتات سياستها من «جنون العظمة» ليس التراجع واحتواء المشكلات كما عودتنا إدارات سابقة بل «الهروب إلى الأمام» من طريق افتعال هزّات أمنية تلصق مسئوليتها ببعض الأطراف المحلية والعربية والإقليمية التي تتهمها واشنطن بالارهاب أو على الأقل بدعمه... أو، وهنا الطامة الكبرى، بتغذيته من دون علم حكوماتها.

هذه الإدارة اعتمدت، منذ وصولها، رمي المشكلات على الآخرين وتحميلهم وزر سياساتها بأساليب شتى استخدمت كل الطرق الملتوية وكل الفرضيات الملموسة أو الاحتمالية. فالإدارة تتهم ثم تبحث عن الأدلة والأسباب والمسببات... فإذا لم تجدها في السياسة وجدتها في الاقتصاد، وإذا لم تجدها في الاقتصاد وجدتها في الثقافة، وإذا لم تجدها في الثقافة بحثت عنها في الدين، وإذا لم تجدها في الدين تحاول أن تجد ما يبررها في المذاهب أو في برامج التربية والتعليم أو في الفقر أو في قلة «الديمقراطية». وفي النهاية لم تبقَ دولة من دول العالم الثالث، وتحديدا العالم العربي، خارج دائرة الاتهام... وربما الملاحقة.

أميركا، وبناء على هذه السياسة الملتوية، تفكر في الهجوم (الهروب) إلى الأمام لا في الانسحاب إلى الوراء، لأنّ انسحابها يعني بداية مغادرتها المنطقة تاركة إياها دائرة فراغ للصراع الإقليمي - الدولي... وهذا لا تريده واشنطن أن يقع في منطقة حيوية تعتبرها أهم مساحة تمسّ أمنها الوطني والاقتصادي.

مضى 100 يوم على احتلال الولايات المتحدة للعراق، والمحصلة 100 يوم من الجنون: جنون العظمة، وجنون السياسة... وجنون القوة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 338 - السبت 09 أغسطس 2003م الموافق 10 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً