العدد 350 - الخميس 21 أغسطس 2003م الموافق 22 جمادى الآخرة 1424هـ

ثقافة بلكريف

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

لا شك في أن بعضا من مثقفينا لا يزالون مسكونين بتلك الثقافات الاستعمارية القديمة، ولو قمنا بالتحديد لقلنا بحرينيا بعض هؤلاء مسكونين بثقافة «بلكريفية» نسبة إلى المستشار البريطاني لحكومة البحرين سابقا تشارلز بلكريف. وفي طريقة قراءته وقناعته بأن العقلية البحرينية غير قادرة على النهوض على رغم اعترافه ـ ولو ضمنيا ـ بأن الشاب البحريني محب للعمل، وذلك عندما قال في مذكراته وهو يتكلم عن انتفاضة الغواصين: «ولم يكن الشبان صغيرو السن يمانعون من العمل كغواصين بسبب قلة فرص العمل التي يحصلون من ورائها على أجر تلك الأيام، فحتى الغواص عندما يصبح عجوزا ومتعبا يجب عليه الاستمرار في العمل، ويذكر ان أفضل الغواصين وأحسنهم عادة ما يكونون من كبار السن»، (مذكرات بلكريف ص74).

لكن عقليته تأبى الا أن تفسر الأشياء ومطالب الناس تفسيرا تآمريا، إذ راح يصف من رفضوا القوانين التي أراد فرضها على الغواصين «هؤلاء يبحثون عن فرص لتشويه سمعة الحكومة»، (ص75).

وراح يصف من طالبوا بالحقوق بأنهم «كانوا زعماء الفتنة وتم إحضارهم إلى سوق المحرق، إذ جلد كل واحد منهم 10 جلدات أمام جمهور كبير»، (ص77).

هذه العقلية نراها جليا في كثير من مثقفينا في تفسيرهم للقضايا وخصوصا من يمتلكون «أستاذية» في نفخ القضايا الجزئية أو من يمارسون دور البطل في الوشاية بين الناس والمسئولين.

بلكريف كان يعيش عقدة انتقاص للكفاءة البحرينية ويرى كل ما يأتي من الغرب هو الأصلح. يقول في المرجع ذاته: «الكثير من الشباب البحريني المتعلمين بالخارج والذين يعتقدون أنهم مؤهلون وأكثر قدرة، يفتقرون إلى الخبرة التي يمكن الحصول عليها بعد سنوات طويلة من الدراسة في الدول الغربية يتم خلالها الاهتمام بتشكيل الشخصية وبنائها، وهذا الشيء لا يوجد ضمن مناهج البلدان الشرقية»، (ص133).

بلكريف غادر البحرين ولكنه ترك وراءه بعض مخلفاته، وهذه الثقافة «البلكريفية» نلاحظها واضحة وجلية في كثير من قطاعاتنا. عقد الخبير الأجنبي وسيل اللعاب أمامه والافتتان به إلى درجة قد تصل إلى تآكل كل جزء أيضا من الإحساس الوطني ولو في اللاشعور.

أصبت بالذعر عندما وصلتني «الإيميلات» والشكاوى واللقاءات التي جمعتني مع عدد لا بأس به من مهندسين وفنيين بحرينيين. ولكل واحد منهم قصة... راتب لم يتغير منذ سنين، ورتبة شاخت فلم تتغير. يبقى هذا المهندس سنين في وزارة الأشغال أو الكهرباء وبخبرة قد تصل إلى 15 عاما أو 20 عاما ينتظر الفرج وخصوصا بعد انتهاء عقد مسئوله الأجنبي، وتبقى الوظيفة شاغرة عدة أشهر ينتظر أن يأخذ هو الموقع لانطباق كل مواصفات المنصب عليه... ينتظر وإذا به يفاجأ بإشهار المنصب لأجنبي آخر، فيصاب بخيبة أمل. لكنه يقنع نفسه بأن المنصب ذهب مع الريح أو مع الضيف العزيز وخصوصا إذا آمن المسئول بقاعدة حاتم «يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا نحن الضيوف وأنت رب المنزل!».

كثير من الشكاوى تتقاطع في مثل هذه المشكلة. ليس غريبا ذلك، ألم يقل بلكريف وهو يصف بعض قادتنا التاريخيين من المواطنين: «إن هؤلاء أرادوا الجري قبل تعلم المشي؟!»

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 350 - الخميس 21 أغسطس 2003م الموافق 22 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً