العدد 351 - الجمعة 22 أغسطس 2003م الموافق 23 جمادى الآخرة 1424هـ

مَن يُحرر أميركا من جهلها؟

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

«إن الحملة المعادية للعرب المنتشرة في الولايات المتحدة اليوم هي حملة منظمة متعددة الاغراض، تستهدف الكثير من القادة العرب والمؤسسات والاسلام. واعتمدت هذه الحملة على المخاوف الناشئة من هجمات 11 سبتمبر/ أيلول والجهل المسبَق بالعرب والاسلام».

هذا الكلام ليس لعربي «متطرِف» يكره أميركا، ولا لمسلم «إرهابي» متحامل على الديمقراطية الأميركية! إنه كلام لمواطن أميركي رفيع المستوى يشغل موقع رئيس المعهد العربي الأميركي، والأهم من كل ذلك انه يستند الى مستندات ووثائق يقول انها تعود إلى عهد الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون.

ففي مقال نشرته له الزميلة «الشرق الاوسط» يكشف جيمس زغبي عما سمته في حينه السيدة الأولى هيلاري كلينتون: «مؤامرة اليمين الاعلامية الضخمة». والتي بعد ان يفصّل جيمس زغبي في شرحها من خلال الاشارة الى الدراسة التي نشرت في حينها تحت عنوان «نهر الاتصالات في تجارة المؤامرات» يعود الى تلخيصها بالقول: «إنها حملة منظمة يقودها شبكة من المفكرين اليمينيين والصحافيين والسياسيين والمنافذ الاعلامية... تعيد الى الاذهان بعضا من نفس الشخصيات التي تشارك مرة أخرى في حملة كراهية... موجَّهة هذه المرة ضد أمة ودين بأكمله، والمشاركون فيها مجموعة من ممثلي عدة منظمات يمينية متطرفة وقادة من الجماعات الدينية الاصولية، ومجموعة مما يطلق عليها خبراء الارهاب والاسلام، ومجموعة مشتركة من الحزبين من انصار حزب الليكود الاسرائيلي...».

الاشارة الى هذا النص المهم المدون بقلم أميركي منصف، أولا لاهميته في هذه اللحظة التاريخية بالذات، وثانيا حتى أرفع الشبهة عن أصحاب القلم والبيان من الكتاب العرب والمسلمين الذين طالما اتُهموا بانهم يحرضون - من دون وجه حق - على أميركا و«إسرائيل»، وثالثا حتى أقارنها بما قرأته وأتمنى ان تكون قراءة الكتّاب وأصحاب الرأي والبيان من العرب والمسلمين مدوَّنة بقلم واحد من رموز تلك الحملة المنظَّمة الذي يقف على «الضفة» الأخرى من معادلة انصاف العرب والمسلمين، ألا وهو الصحافي الشهير توماس فريدمان.

فبعد مقالاته الشهيرة التي نظَّر فيها لضرورة الحرب على العراق والدعوة الصريحة الى «كسر الجوزة واعادة بنائها» والتبيان للعرب والمسلمين «باننا نستطيع القتل والدخول الى كل بيت»، وايضا التصريح «بضرورة التجويز لمستوى ما من الحرب الاهلية في الشرق الاوسط والعراق»، وضرورة «بلورة وعي عراقي ليبرالي في مواجهة وعي ديني عراقي».

يعود اليوم ليكتب مجددا ومن العراق هذه المرة ليخرج علينا بالقول: «ان العراق الجديد سيكون المكان الذي سيتم فيه البوح بكل المحرمات... والاحلام الداعرة أو الفاحشة التي لا تستطيع البوح لأي احد بها».

وهو ما حاول نقله على لسان لبناني مجهول الهوية قال انه يعمل في مؤسسة اغاثة بالعراق. لكنه (اي فريدمان) لم يُخفِ واحدا من أهم «الاحلام الداعرة» التي يقول انه ظل يحلم بها منذ 35 سنة للعراق اي «ان ينزل في مطار بغداد مسافرا بجواز سفر اسرائيلي!»، والذي يقول عنه انه موضع قبول وموافقة العراقيين جميعا، غير انه سرعان ما يبدي تذمره وامتعاضه من عدم قدرة العراقيين على ايصال هذا الصوت الى العالم ولماذا؟ لانه: «ومع ذلك فلن يكون بوسعك ان تقف على مثل هذا الشعور من القنوات الفضائية العربية مثل (الجزيرة) لانه وعلى رغم امتلاك هذه القنوات لكل تقنيات القرن الواحد والعشرين فإنها لاتزال تخضع لسيطرة منهج التصحيح الناصري في الخمسينات، والذي يصر على ان الكرامة تأتي من الكيفية التي تقاوم بها الأجنبي حتى اذا ما أتاك محررا».

إنه نهج الكارهين لكل ما هو عربي، والجاهلين بكل ما هو جزء لا يتجزأ من «ثقافة المسلمين» حتى التبرعات الخيرية للأميرة السعودية هيفاء لمنظمة «نساء سعوديات محتاجات» وتبرع رئيس دولة الإمارات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان إلى كلية اللاهوت في جامعة هارفارد سرعان ما يتم تحويلها إلى «مادة فضيحة وطرفا في شبكة القاعدة وموضوعا للجدل في الصحافة القومية الأميركية» كما يقول الكاتب الأميركي المنصف المشار اليه اعلاه جيمس زغبي. لا أعرف منذ متى كنا نحن المسلمون والعرب جزءا من حملة منظمة ضد أميركا كشعب أو كثفافة أو كدين أو حتى كدولة ذات سيادة لها نظامها السياسي الخاص بها؟ ولكن ما أعرفه جيدا ان هناك جهلا اكيدا - وفي احيان كثيرة - جهلا متعمدا أو تجاهلا مقصودا من جانب جهات أميركية باتت معروفة بولائها للوبي يهودي اليميني المتعصب الذي يتستر بالدين احيانا ويتسلح بالكراهية دائما لديننا وشريعتنا المتسامحة واخلاق واعراف شعوبنا المنفتحة على الآخر والتي تفتح ابوابها ومدنها وقراها وبيوتها حتى لامثال توماس فريدمان، ولكنها لا ترى منه ومن أمثاله إلا ذلك الإصرار على نقل الصورة الاسطورية التي يريدها عن العرب والمسلمين، وهم يقدمون «الطاعة» لجلاديهم وقاتلي اطفالهم وفي جزاريهم من الاسرائيليين، وان يطبّعوا معهم باعتبارهم دعاة سلام، بل وان يستغفروا عما ارتكبوه من ذنب أيام التعلق بالعروبة او الوحدة او الفكر النهضوي الاسلامي.

اذا كان صحيحا اننا أمة السلام والحوار والقبول بالآخر والتعايش معه، وأمة تنبذ العنف والارهاب والتجني على المال العام والعرض والدم الانساني في كل مكان فإننا ايضا وايضا امة المسجد والمعمار الاسلامي والتكافل والتكامل الاجتماعي والاحسان والانفاق وعمل الخير والوقوف الى جانب المظلوم الى ان يُدفَع الظلم عنه، والتضامن مع أحرار العالم ومكافحيه من اجل الحرية والعدل والسلام. وهذا ما لا يمكن لاحد ان يغيّره لا بقوة السيف ولا بتكنولوجيا العصر مهما بلغت سطوته أو جبروته، فالعزة لله وحده والعظمة له لا شريك له ولو كره من كره وأبى من أبى

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 351 - الجمعة 22 أغسطس 2003م الموافق 23 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً