العدد 352 - السبت 23 أغسطس 2003م الموافق 24 جمادى الآخرة 1424هـ

المقاومة العراقية: السياسي والعسكري

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

كشفت عملية تفجير مقر الأمم المتحدة في بغداد عن خلل في الوعي السياسي لاجنحة المقاومة العراقية. فالعملية - اذا سلمنا جدلا انها من صنع المقاومة لا من صناعة التيار المؤيد للغزو والاحتلال - افادت قوات الاحتلال واعطت شرعية للمجلس العراقي الحاكم ودعوته الدائمة لاستخدام القوة الحاسمة في ضرب وملاحقة المناطق التي تنطلق منها الهجمات ضد المواقع والدوريات الاميركية.

حتى الآن لا يعرف من هو الطرف الذي ارتكب مثل هذا العمل الا انه يعرف من هو الطرف المستفيد منه ولمصلحة من انصبت النتائج السياسية لمثل هذا العمل؟ فالولايات المتحدة كانت المستفيد الاول من ضرب مقر الأمم المتحدة فهي نجحت في اضعاف المنافس الدولي لموقعها ودورها في بناء مستقبل العراق. كذلك استفادت واشنطن من عملية الهجوم على السفارة الاردنية في بغداد في وقت برزت ملامح خلاف بين الحكومة الاردنية وبين احد ابرز قادة مجلس الحكم العراقي الانتقالي أحمد الجلبي. فأميركا في الضربتين عززت موقعها وبررت دورها الخاص والمستقل عن الادارة الدولية من جهة وفي تثبيت مكانتها كطرف ثالث يقوم بدور ترتيب العلاقات العراقية - العربية من جهة اخرى.

من المستفيد؟ ولمصلحة من؟ ومن هو الطرف المتضرر مباشرة والرابح مداورة؟ هذه اسئلة يجب ان تبقى الشغل الشاغل لعقل المقاومة العراقية... والا تحولت المقاومة إلى مجرد قوة عسكرية فالتة تضرب من دون ضوابط كالمدفع الرشاش شمالا وجنوبا ويمينا ويسارا من دون ادراك لمعنى الضربة ونتائجها السياسية والتداعيات المترتبة عليها. فالمقاومة من دون عقل تعني هجمات عشوائية لا وظيفة سياسية لها ولا منطق يحدد اهدافها ضمن جدول اولويات يختلط في درجاتها الاول والاخير والرئيسي والثانوي.

فالسياسة في النهاية هي الاساس وهي الرافعة التي تنهض عليها كل عناصر المقاومة من شعبية ومدنية إلى عسكرية وقتالية. ومن مصلحة المقاومة العراقية وهي لاتزال في بدايتها ان تثبت للرأي العام وللشعب انها تملك زمام المبادرة وتدرك ماذا تفعل وماذا لا تفعل والا فقدت الكثير من زخمها وصدقيتها.

فالهدف اساسا طرد الاحتلال ومنعه من تثبيت مواقعه والسيطرة على ثروة العراق والاستفادة من جغرافيته باعتباره مركزا للانطلاق وتهديد الدول العربية والمسلمة المجاورة. فاذا كان هذا هو هدف المقاومة فالمطلوب منها ان تدرس تكتيكاتها العسكرية حتى تخدم تلك الاستراتيجية والا تحولت الى قوى هلامية تضرب في كل الاتجاهات من دون تمييز بين عدو وصديق أو بين متعامل ومواطن عادي يمر مصادفة في الشارع.

المسألة السياسية مهمة في اختيار الاهداف... حتى حين يكون الهدف سهلا على المقاومة. فالهدف السهل لا يعني ان المقاومة اصابت سياسيا. فالاصابة اصلا لها علاقة بالوظيفة السياسية لكل عملية من العمليات.

ماوتسي تونغ مثلا خلال فترة حرب التحرير الشعبية منع قواته من الهجوم على مواقع جنود جيش العدو. لان الجنود ينتمون إلى الارياف والبلدات الصينية وهم في معظمهم ابرياء لا علاقة لهم بالسياسة الكبرى. وخوفا من تأليب الريف الصيني ضد المقاومة امتنعت قواته من توجيه ضربات ضد جنود لانهم في النهاية الاحتياط البشري للقوات الشعبية. ونجح ماوتسي تونغ في تكتيكه اذ استطاع ان يوجه رسائل سياسية للجنود من خلال تركيز ضرباته على المواقع الحساسة التابعة لكبار القادة والجنرالات.

حزب الله مثلا استخدم في لبنان تكتيكات عسكرية مشابهة اذ تجنب في البداية توجيه ضرباته ضد «جيش لبنان الجنوبي» او ما يسمى بعملاء الاحتلال الاسرائيلي حتى ينجح في توجيه رسالة سياسية وهي: ان معركتنا ضد الاحتلال وليس ضد جنود (أو مجندين) ينتمون إلى عائلات قرى وبلدات الجنوب اللبناني.

المقصود من كل هذه الدروس هو ان تحدد المقاومة اهدافها الرئيسية وتركز عليها. ومع اتساع التأييد الشعبي لها وتراجع الاحتلال و«عملاء الاحتلال» تبدأ المرحلة الثانية من الهجوم. فالهدف في النهاية عزل الاحتلال ومنع التطبيع معه حتى لا تنجح قوات الغزو في تثبيت مواقعها والسيطرة على بلاد الرافدين ونهب خيراتها.

ضرب مقر الأمم المتحدة كشف عن خلل في الوعي السياسي للمقاومة العراقية وعدم قدرتها على تحديد اهدافها الرئيسية بعزل الاحتلال عن الناس.

الا ان هذا الخطأ السياسي يجب ان يكون نهاية مرحلة وبداية مرحلة تتضح فيها الرؤى الاستراتيجية التي من اولوياتها اخضاع التكتيكات العسكرية للاغراض السياسية... والا وقعت المقاومة في فوضى وخسرت الكثير من المؤيدين محليا وعربيا وعالميا

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 352 - السبت 23 أغسطس 2003م الموافق 24 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً