العدد 354 - الإثنين 25 أغسطس 2003م الموافق 26 جمادى الآخرة 1424هـ

ثلاث قصص من الغرب ومثلها من الشرق

الفارق بيننا وبينهم

محمد غانم الرميحي comments [at] alwasatnews.com

ليس كل ما في الغرب صحيحا أو خاطئا على طول الخط، كما يتوهم بعض المتعلقين بالأوهام الايديولوجية، ففيه من الصحيح الكثير، ومن الأخطاء الفادح، الفارق أن هذه الأخطاء تظهر للناس، وصادف هذا الأسبوع أن اهتم الرأي العام بثلاث قضايا لافتة إلى النظر، أريد إشراك القارئ الكريم في النظر فيها للمقارنة بقضايا عربية ثلاث.

القصة الأولى هي قضية جون بريسكوت، ولمن لا يعرفه، هو النائب الأول لرئيس الوزراء البريطاني طوني بلير، ووزير قديم للمواصلات في بريطانيا، ومتحدث عمالي مفوه، وناشط في إحدى نقابات عمال السكة الحديد في السابق. اليوم توجه نداءات عاجلة من نواب المعارضة والصحافة البريطانية من اجل فتح «تحقيق علني» معه، بسبب تجاهله لمتطلبات يفرضها القانون على النائب البريطاني، وتحددها لجنة الشئون الأخلاقية في مجلس النواب، وهي أن يعلن المسئول كل ممتلكاته ومصادرها. ووجدت اللجنة أن نائب رئيس الوزراء تجاهل إعلان احتفاظه بشقة كانت توفرها له نقابة السكك الحديد، عندما كان عضوا في مجلس إدارتها، وبعد انتقاله إلى مسكن نائب رئيس الوزراء الرسمي احتفظ بالشقة من اجل ابنه (ديفيد) الذي يعمل مراسلا تلفزيونيّا ولا يحق له أن يحتفظ بالشقة.

احتفاظ بريسكوت بالشقة التي تكلف مبلغا زهيدا من المال، وفر عليه، كما تقول الصحف، في السنوات القليلة الأخيرة، مئة ألف جنيه استرليني (من المال العام)، ليس المطلوب أن يردها فقط، بل أن يعتذر للجمهور على فعلته التي اخترق فيها القاعدة الأخلاقية لعضو مجلس النواب المنتخب من الشعب.

القصة الثانية هي قصة ارنولد شوازنيغر، وهو لمن لا يعرفه أيضا، بطل أفلام هوليوود المعروفة بـ (الأكشن) ومنها مسلسل أفلام (المخول وقبله رامبو). شوازنيغر هو بطل كمال أجسام نمسوي وصل إلى الولايات المتحدة قبل عشر سنوات، وبسبب بنيته العضلية استقبلته هوليوود لاستخدامه في أفلام العنف المختلطة بالخيال. تزوج من عائلة كنيدي ذات الاسم المعروف في السياسة الأميركية، ولكن الموضوع ليس هنا، فقد قرر شوازنيغر - المهاجر الجديد ذو اللكنة الأميركية الثقيلة التي تدل على اصله الجرماني - أن يخوض معركة سياسية هي الترشيح لمنصب حاكم كاليفورنيا التي تعتبر صاحبة رابع اقتصاد في العالم، بعد اتهام حاكمها الحالي بالفساد المالي.

الحاكم الحالي لم تنته فترة انتخابه بعد، ولكن بحسب القانون في كاليفورنيا وفي بعض الولايات الاميركية - وهنا بيت القصيد الأكثر لفتا إلى النظر - فإنه يحق للناخبين، إن تبينوا أن المرشح الذي صوتوا له غير مؤهل لأن يتابع فترة ولاياته، أن يقوموا بإزاحته عن الولاية وانتخاب غيره حتى لو بدأ الولاية قبل أشهر قليلة.

اللافت أن هذا القانون مطبق في بعض الولايات وعلى كل المستويات. وخوف أو انزعاج البعض أن يعمم هذا القانون أو فكرته الأساسية، فلا يعود سياسي أو رسمي منتخب يعول على أن يمضي السنوات التي قررها القانون أو العرف لولايته السياسية كاملة.

شوازنيغر يريد مثل غيره من المرشحين أن يستفيد من هذا القانون، وهو فكرة إن عمقت وزاد استخدامها تضع الديمقراطية الغربية التي عرفناها موضع الاختبار من جديد.

أما القصة الثالثة فهي قصة المواطن (السوداني) الذي يعمل في لندن سائقا لسيارة أجرة لنقل الركاب، وهو رجل بسيط، ما إن جلست معتدلا في سيارته، حتى بدأ يتحدث عن الوضع السياسي العربي مع نقده نقدا مرّا، وهو بعيد عنه. عرفت منه أن غادر السودان منذ ثلاثة عشر عاما ليجد مكانا مناسبا يعيش فيه، فوجده في لندن، التي احتضنته وقدمت إليه وسائل العيش الكريم، وهو يعول الآن أسرة مما توفره له مهنته باعتباره سائق سيارة في شركة خاصة للنقل في لندن وضواحيها. وبناته وأبناؤه، إما تخرج بعضهم أو على وشك التخرج. سألته هل توافرت لك (الجنسية) البريطانية؟ فأجاب بالإيجاب: منذ سنوات، فأنا وأسرتي مشمولون بالرعاية الطبية والتأمين الاجتماعي. ولم استطع أن امنع نفسي عن سؤاله، وأنا اعرف مسبقا انه لا يعرف الجواب: لماذا أنت حصلت على الجنسية، وواحد مثل محمد الفايد، المليونير دافع الضرائب للخزينة البريطانية، لم يحصل عليها بعد، وحتى بعد معركة قانونية؟ قال: ربما بسبب فلوسه!

هناك عدد كبير من المهاجرين إلى بريطانيا سواء من أوروبا أو من الشرق الأوسط أو من افريقيا حصلوا على الجنسية البريطانية، منهم عدد وافر من العرب. وبريطانيا تفاخر بأنها كانت تاريخيّا الملجأ للمضطهدين، ربما منذ منتصف القرن التاسع عشر، بل إن كتابا صدر منذ فترة بعنوان «هدية هتلر إلى بريطانيا» ظننت للوهلة الأولى أن العنوان تهكمي، فكيف يقوم هتلر عدو بريطانيا الأول بإهدائها هدية؟ وتبين من الكتاب انه رصد لمساهمة أولئك الذين طردهم هتلر من ألمانيا، أو اضطروا إلى الفرار منها، وكيف ساهموا إيجابيّا في الحياة الثقافية والعلمية البريطانية، مساهمة حملتهم إلى أعلى مستوى في المجتمع البريطاني. رجال مثل مؤسس علم النفس الحديث سيغمون فرويد، وأستاذ التاريخ المشهور في جامعة كيمبردج جفري التون، والموسيقي البارز جورج سولتي، وآخرون غيرهم وجدوا في البيئة البريطانية ليس ملجأ فقط من الاضطهاد، بل مجتمعا متسامحا حقق لهم طموحاتهم العلمية والثقافية.

تلك ثلاث قصص ليست منتقاة ولكنها تحدث اليوم في بلاد بعيدة عن بلادنا العربية، فكيف تقابلها قصصنا في الفضاء العربي؟

ثلاث قصص غربية تقابلها ثلاث عربية اهتمت بها وسائل الإعلام في الأسبوع الماضي، الأولى عن المبلغ الخرافي الذي قدمته ليبيا إلى ضحايا كارثة لوكربي. وتقول الأرقام إن كل ضحية في هذه الكارثة ستحصل على أكثر من ستة ملايين جنيه استرليني، كما تنقل الأخبار أن فرنسا بعد أن وافقت على تعويض سابق لطائرتها التي أسقطت في أجواء افريقيا، تريد أن ترفع التعويض إلى ما يعادل ما حصل عليه الأميركان والبريطانيون من ضحايا لوكربي. ثم تنتهي الأخبار بالقول إن المحتجزين الغربيين في الجزائر أطلق سراحهم بعد أن قدمت ليبيا (مرة أخرى) فدية مالية إلى مختطفيهم!

بكل المقاييس ما المبرر الأخلاقي الذي يتيح للبعض أن يقتطع من مال الشعب الليبي هذا المبلغ أو المبالغ الخرافية التي تدفع الآن؟ فعلى رغم التعاطف الكامل مع اسر الضحايا، فإن خطأين لا يشكلان صحيحا.

فهذه الأموال أولى بها الشعب الليبي، الذي لم يستفذ من خيرات ترابه الوطني. ويتجرأ بعضنا على القول إن «الاستعمار» نهب ثروات شعوبنا، ثم لا يسأل عن النهب والتبديد الذي يقوم به البعض، من دون مسئولية أخلاقية أو دينية أو سياسية، ومن دون مساءلة من مؤسسات وطنية مستقلة.

بعض أسر الضحايا ظهرت على التلفزيون، وتحدثت عن ان هذا المال هو «مال مغموس بالدم». وقتما تفجرت هذه القضية منذ سنوات مضت، كان كاتب هذه السطور مع الرأي القائل إنها قضية لن تنتهي ببساطة، ولايزال التقدير السابق قائما، إذ إن هذا التعويض المالي هو إقرار بالفعل، لا ينفي أن يلاحق فاعلوه سياسيّا في المستقبل. كما انه من جانب آخر أثار تساؤلا لدى الكثيرين، فكيف تقبل السلطات (الحضارية الغربية) تعويضا ماليّا بهذا الحجم وهي تعرف انه مال انتزع من أناس يستحقون أن يعيشوا في بلادهم بمظلة من الأمن والتنمية ومن دون أن يؤخذ رأيهم؟

أما القصة العربية الثانية فهي معركة «سرقة الكهرباء» في لبنان. فحتى اليوم وبعد أكثر من 12 عاما من عودة «الدولة اللبنانية» نجد أنها عاجزة أو قاصرة عن متابعة سرقات الكهرباء التي تجرأ عليها البعض أيام الفوضى، فكيف يمكن أن نتوقع أن يعود العراق بعد أشهر قليلة من سقوط الدولة إلى وضع عادي!

لعل ثالثة الأثافي ما حدث في القدس عندما فجر شخص نفسه في حافلة مدنية فقتل الأطفال، وبدت جثثهم المعروضة على وسائل الإعلام الغربية وكأنها تنذر إما ببحر من الدم، أو بحرب أهلية بين الفلسطينيين أنفسهم، وهما خياران سيئان، وكلاهما إنذار بالفوضى، والتاريخ يقول لنا انه لم تنجح حركة (تحرير) تعددت فيها البنادق والعناوين السياسية.

تلك قصص ثلاث عندهم تقابلها ثلاث عندنا حدثت في التوقيت نفسه، الأسبوع الماضي، هل في مقارنتها ببعض نوع من التعسف، أم أن بها عبرة...؟ ذلك السؤال يحتاج إلى ذكاء للإجابة عنه

إقرأ أيضا لـ "محمد غانم الرميحي"

العدد 354 - الإثنين 25 أغسطس 2003م الموافق 26 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً