العدد 354 - الإثنين 25 أغسطس 2003م الموافق 26 جمادى الآخرة 1424هـ

سعيد إبراهيم تجاوز «متلازمة داون» ليحافظ على الصلاة ويحرز البطولات

علاوة على زرعه الألفة في النفوس

في وقت يكفي لقراءة كتاب مؤلف من ثلاثمئة صفحة، ينطوي وقتك سريعا وبذهول حينما تجلس إليه، فجاذبيته لمن يجالسه سمة يتميز بها سعيد إبراهيم أحمد البالغ من العمر 16 عاما والذي يعاني من «متلازمة داون» الذي يتميز معظم المصابين به بعدم التكيف السوي مع المجتمع، ذاك الذي يحول دون الحضور الإيجابي بين الناس... فسعيد وبابتسامته الغنية بالشفافية يحسن آداب الجلوس مع الآخرين، ويعطر جو التخاطر بتحركاته العفوية ليضفي على جالسيه راحة لها أبعادها المختلفة.

الشاب الصغير ذاك حصل على منتهى رعاية أمـه بحنان يحتوي مأساته التي بشر بها الأطباء في تقاريرهم وخالفها سعيد بواقعه، فتقارير الأطباء أشارت إلى أنه سيتأخر في كل شيء (المشي، النطق، الفهم...) لكنه تجاوز ذلك ليكتب بحروف أفعاله عنصر المفاجأة في تحدثه وفهمه كما نقش بإضافاته البطولية الكثير من الإيجابيات التي تزيده رفعة في شأنه. إذ خاض سعيد عدة مسابقات لـ «متلازمة داون» وأحرز ما يقارب سبع ميداليات أولها ذهبية في الجري، ذلك في العام 1995 أي في السنة الثامنة من عمره، والذي حصل فيها أيضا على ميدالية فضية في رمي الجلة (الكرة الحديد)، وفي 1998 حصل على ميداليتين ذهبيتين في الجري والقفز العالي متابعا حصاده البطولي بتتابع الميداليات حتى البطولة الأخيرة 2003 التي حصل فيها على الميدالية البرونزية في كرة السـلة.

إضافة إلى كل ذلك فإن سعيد شخصية بارعة ومثيرة للعجب جراء تلك المنجزات التي يستبعدها أيٌّ منا عمن هو في إطار أطفال «متلازمة داون»، لا لشيء إلا لسيطرة نسبة كبيرة من (العتة) على هذه الفئة التي يقرر بعض العلماء أنها ضرب من ضروب التخلف العقلي. وبذلك يضيف هذا الشاب بمهاراته الأخرى استغرابات متتالية ومتتابعة وجديرة بالتأمل والنظر، وما إن تتكشف تلك المنجزات والمهارات لناظره ويلمس واقعيتها حتى يـتمـتم سبحان الله الذي خلق. فاللعب على الحاسب الآلي والرسم والمشاركة الاجتماعية من حضور احتفالات ومناسبات والحفاظ على صلوات الجماعة الذي اكسبه ود محيطه بشكل كبير، قد يجعلك تقف متأنـيا في قرارة نفسك في التقييمات المتسرعة التي قد تجحف حق البعض، فالكثيرون قيموه بتقييمات فقيرة في الدقة، غنية بالتصور اللامرتكز على أساس، الضارب في عمق خلفية من هم في هذا الشكل لا يفقهون من حياتهم شيئا، خالفهم بما ارتضاه الله من عمله القائم على تطويع تصرفاته بالشكل الصحيح.

سألنا أخاه عقيل عدة اسئلة، منها:

منذ متى اكتشفتم بأن سعيد مغاير للأطفال ممن يعانون «متلازمة داون»؟

- بطبيعة الحال لا يمكن اكتشاف ذلك إلا من خلال مقارنته بأقرانه من متلازمة داون. في البداية لاحظنا ذلك من خلال زياراتنا المتكررة للدار وملاحظة زملائه، وقد عزز ذلك ما تكرره معلمات سعيد. عموما تميز سعيد بارز بصورة واضحة في المجال الرياضي عن أي مجال آخر من خلال مشاركاته في البطولات المحلية للمعوقين.

كيف تعاطيتم مع قابليته لإتقان الكثير من الأمور؟

- سعيد في بداية تعلمه الكلمات، وخصوصا خلال نطقه للأرقام، كان يمتلك أكبر كمية من الأرقام عن طريق حفظها وترديدها... وكذلك بدأ بنطق بعض الكلمات بالإنجليزي وخصوصا أسماء الحيوانات وأصواتها. وقد جاهدت الأسرة في مساعدته بإحضار بعض البرامج للكمبيوتر تحتوي على الحيوانات وأصواتها باللغتين العربية والإنجليزية وكانت له عونا كبيرا في حفظها... ولسعيد أيضا القابلية لتقليد رسم الكلمات أي انه لا يستطيع قراءتها إنما يحفظها عن طريق رسم حروفها ونحن نساعده في نطق بعض الحروف وكذلك في حفظها وحفظ أكبر كمية من الكلمات.

وسعيد أيضا يحب الرسم والتلوين ونحن نساعده بشراء دفاتر للرسم والالوان ودفعه إلى الرسم.

هل هناك تنظيم واستمرارية في تدريبه وتعليمه وتأهيله من قبل الأسرة نفسها؟ اعطِ أمثلة.

- اهتمت الاسرة بتعليمه منذ ان استطاع الكلام، فقامت بشراء الالعاب التعليمية له ليتعلم الألوان والأرقام والحروف. أما من ناحية التدريب فهو يحب لعب الكرة في ملعب القرية ومع اخوانه، وفي الرحلات العائلية تقام مسابقات جري للأولاد ويكون هو الفائز غالبا. وتهتم المدرسة أيضا بتدريبه قبل بدء البطولات المحلية الخاصة.

هل واجهتم صعوبة في تعليمه بعض الممارسات/المهارات التي يتقنها كالصلاة مثلا؟

- لاقت والدته صعوبة بعض الشيء في تعليمه باعتباره من متلازمة داون، ولكنه استطاع حفظ حركات الصلاة لأنه عندما يرى أحد اخوانه يصلي فإنه يقف بجانبه يقلد حركاته، ثم واظبت والدته على تحفيظه السور القصيرة من القرآن الكريم حتى يقرأها في الصلاة مثل الفاتحة والاخلاص وغيرهما من السور القرآنية.

كيف هو وضع سعيد في المجتمع... هل هناك ردود فعل سلبية أو إيجابية بارزة تجاه سلوك سعيد في المجتمع؟

- سعيد اجتماعي، يحبه معظم أبناء القرية، فالشباب وكبار رجال القرية معجبون بشخصيته ويكلمون والده عنه بأنه على رغم حالته فإنه يفهم الكثير. إلا أنه في صغره ومع بداية خروجه في القرية وباعتبار انها أول حالة من هذا النوع تقريبا فيها، لم يستوعب أهل القرية طبيعة حالته فكانوا ينادونه بالمجنون وخصوصا صغار السن، فتحدثت إليهم والدته وإلى أهاليهم حتى يتوقفوا عن ذلك فإن في الدنيا عقاب وفي الآخرة حساب.

ويقام احتفال في القرية في كل عام لتكريم المتفوقين، فيقوم اخوته بشراء الهدايا وتقديمها إليه في الاحتفال حتى لا يشعر بأنه مختلف عن أقرانه من أبناء القرية.

هل تحدث سعيد مرة عن أحلامه في الحياة؟ وإن كان ذلك فما هي؟

- سعيد يعرف أماكن عمل اخوته، لذلك فهو يردد دائما بأنه يريد العمل في المكان نفسه، مثلا أخوه يعمل في«ألبا» وهو يقول إنه اذا كبر سيعمل فيها. وهو أيضا يحب شخصية حسان في المسلسل الكارتوني «سلام دانك» ويتمنى أن يصبح مثل حسان ويلعب كرة السلة

العدد 354 - الإثنين 25 أغسطس 2003م الموافق 26 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً