العدد 400 - الجمعة 10 أكتوبر 2003م الموافق 13 شعبان 1424هـ

مأكولات وأناشيد وقصائد وأطفال ينشدون «ناصفة حلاوة...»

المحافظات الخمس تحيي ليلة النصف من شعبان

المحافظات - محررو التحقيقات المحلية 

10 أكتوبر 2003

ليلة تتقاطع مع ليلة العيد في تقاسيم كثيرة، تتميز على طول السنين بنكهة ليس لها مثيل عن أية ليلة أخرى، ليلة النصف من شهر شعبان، ليلة «الناصفة» كما درجت تسميتها الشعبية... فرحة وتباريك ومشاركة الآخرين احتفالهم بالليلة المباركة، إذ يحرص الكثير من الناس على إحيائها على مر الأزمنة والعصور ويتنافسون في ذلك. كان الأطفال في السابق هم الشريحة الكبرى التي تحيي الليلة الشعبانية هذه، لكنها ما عادت حكرا لهم ففي السنوات الأخيرة أصبح الكثير من الشباب والشابات يشاركون في الاحتفالات التي تقيمها المساجد والمآتم في المحافظات الخمس مصطحبين معهم أولادهم أو أقاربهم.

ثياب شعبية تبدأ من «البخنك» والجلابية وتنتهي بـ «الكحفية» والثوب والعقال، أيدي اكتست بالحنة، وشعر ذيل بالمشموم والرياحين... وجوه تحافظ على الابتسامة المشرقة طوال الوقت، وكلمات بسيطة راحت تردد «ناصفة حلاوة على النبي صلاوة...»، فيحصلون جراء ذلك على الحلوى والمكسرات والقطع النقدية، وأمام وجوه بريئة فرحة لا يستطع من تولى مهمة توزيع المكسرات والحلوى على الأطفال كبت فرحته بفرحة الأطفال، فيدعو الله أن تعاد المناسبة والمسلمون بخير وعافية.

وفي السنوات الأخيرة أخذ الناس يتنافسون في تزيين منازلهم لهذه المناسبة السعيدة وفيما يوزعونه في تلك الليلة، فتنوع الأشكال والسلال التي توزع بالمناسبة بروح المنافسة ذاتها، ما قاد إلى رواج بضاعة كهذه في هذا التوقيت وبالمقابل راجت أيضا محلات بيع الهدايا والزهور التي تنشط في هكذا أيام لا تختلف كثيرا عن ليلة «القرقاعون».

والأمر لم يقف عند ذلك إذ صارت الجهات المنظمة للاحتفال في القرى والمدن تنظم المسابقات وتوزع الجوائز. هذا إلى جانب انتشار ظاهرة «البوفيهات» في السنوات الأخيرة إذ تبقى مفتوحة للزوار والأهالي.

ولا ينسى الناس في هذه المناسبة موتاهم، إذ يزورون القبور لقراءة سورة الفاتحة على أرواحهم فتصبح المقابر في هذا اليوم زاهية وعامرة بالزوار، وبالمناسبة أيضا يختم القرآن على أرواح الموتى.

احتفال النويدرات

وتعيش قرية النويدرات في ليلة النصف من شعبان، أفراحا مميزة على أنغام الموسيقى والأناشيد الحماسية، في ظل تجمع أهل القرية وزيارة آخرين لها من قرى مجاورة... وعلى طوال الشارع الممتد من مدخل القرية إلى مسجد الشيخ أحمد، زينت البيوت والشوارع، وتفنن شباب القرية في إظهار الحفل بأبهى صورة.

التقت «الوسط» بعضو لجنة إعداد «طبق أهل البيت» عقيل مطر لسؤاله عن هذا المشروع، فأشار إلى أن أول طبق كان في العام 1998 في مولد الإمام الحجة (ع) نتيجة فكرة اقترحها أحد الشباب خلال جلسة في إحدى الديوانيات، فتم وضع طاولة واحدة، وكل شخص جاء من بيته بوجبة، وكانت هذه البداية كما قال.

بعد ذلك - بحسب مطر - تكونت لجنة «طبق أهل البيت» العام 2001 من ثمانية أشخاص، بعد أن قرر الأعضاء عمل طبق بمناسبة مولد الرسول الأعظم (ص) وعمل طبق ثالث بمناسبة عيد الغدير الأغر، مشيرا إلى أن اللجنة تعتمد في إعداد الأطباق من تبرعات الأهالي، إذ إن المساهمة كبيرة جدا من قبل الأهالي، وتصل التبرعات النقدية في الطبق الواحد إلى 500 دينار، إضافة إلى التبرعات العينية المتمثلة في أطباق الأهالي.

وعن الإعداد للطبق، قال مطر: «نقوم بإنزال إعلان للتبرع بالطبق، ونبدأ بتركيب الزينة، يساعدنا في ذلك الأهالي بمعية مجموعة من الشباب، وقد ازدادت طاولات المأكولات من طاولة واحدة إلى 10 طاولات منتشرة في منطقة الحفل الممتدة من مدخل القرية حتى مسجد الشيخ أحمد، إذ إن كل طاولة لها مجموعة معينة تتكفل بتزيينها وإعداد الأطباق عليها، بالتنسيق مع اللجنة.

وأضاف: «يقدر الحضور في تلك الفعالية بـ 3 آلاف شخص تقريبا طوال فترة إقامتها، إذ تبدأ من الساعة السابعة والنصف وحتى الساعة الحادية عشرة، بعد ذلك تقوم لجنة تنظيف الشارع بتنظيف الشارع، من مخلفات المأكولات».

وعن فعاليات الطبق، ذكر مطر وجود عرض بشاشات البروجكتر لأناشيد المواليد والمقاومة الإسلامية في فلسطين عند كل طاولة لإشعار الناس بالبهجة وأجواء الاحتفال، إضافة إلى التهنئات من المؤسسات والعوائل الموجودة في القرية بهذه المناسبة، وهناك استوديو «أهل البيت» لتصوير الأطفال بمبلغ رمزي، يعود ريعه للطبق، وتقوم اللجنة بتوزيع هدايا وألعاب على الأطفال، وهذا يخلق الارتباط الاجتماعي بين أهالي القرية، إذ تجتمع القرية بكل فئاتها وأعمارها ونخبها الثقافية، وبمشاركة من الصندوق والنادي والجمعية الحسينية وجميع مؤسسات القرية.

وضمن إيجابيات الطبق، لفت مطر إلى أن النويدرات من القرى القليلة التي لم يكن فيها «القرقاعون» ولكن منذ بداية هذا الطبق، تم الترويج لفكرة «القرقاعون»، فأصبحت عادة مستمرة.

ولكن ما ميز احتفالات قرية النويدرات هذا العام، هو ثلاث فعاليات تقام لأول مرة وهي:

1- خيمة الأطفال: إذ يوزع فيها الهدايا والألعاب على الأطفال الصغار.

2- خيمة النساء: إذ تحوي على أطباق مأكولات للنساء فقط.

أما الفعالية الثالثة فهي خيمة الذكرى التي اقامتها لجنة طبق أهل البيت والتي تحوي على الكثير من الصور القديمة كالفرق الرياضية وشيوخ القرية.

مضيفا «أعددنا نشرة خاصة بكل طبق، فيها موضوعات تتعلق بالطبق، معلومات إسلامية تتعلق بالمناسبة وبشخصيات إسلامية، ونطمح من خلال هذا الطبق، التقرب إلى الله (عز وجل) وإلى أهل بيته (ع) ونشر فكرهم، ونأمل تطوير أفكار جديدة، إذ طورنا فكرة الطبق ليشمل النساء، فأصبح هناك طبق مشابه بالتعاون مع اللجنة النسائية في القرية.

مدينة حمد

ومن النويدرات إلى مدينة حمد إذ يقيم أهالي المنطقة الأولى في مدينة حمد والتي تشمل الدوارين الأول والثاني احتفالا بمناسبة مولد الإمام الثاني عشر (ع) تعبيرا عن ولائهم وفرحتهم بالمناسبة.

ولم يكتف أهالي مدينة حمد بليلة واحدة، بل خصصت ليلتين للاحتفال بالمناسبة.

عن ذلك قال أحد منظمي الاحتفال علي أحمد صالح «لقد أعددنا مسرحية خاصة بهذه المناسبة، وبعد المسرحية سيكون هناك بوفيه مفتوح سيتبرع به أهالي المنطقة».

أما عن الليلة الثانية قال منظم آخر يونس عبدالله: «ستتضمن الليلة أشعار دينية وأناشيد، كما إننا سنقوم بإجراء محادثة هاتفية مع أحد شيوخ لبنان».

فيما طالب الشيخ عبدالنبي النشابة أحد أبرز رجال الدين في المنطقة ببناء مأتم حسيني تحيى فيه المناسبات الدينية.

شوارع مزينة

وناس مبتهجون

وفي البلاد القديم، يتم الاستعداد للمناسبة على عدة مستويات، فتزين شوارع القرية بالأنوار وترفع الاعلام الملونة في الشارع الرئيسي، بينما تعلق بعض المنازل الزينة، وتفتح المآتم أبوابها لقراءة «المولد»، وتوزع الحلويات ابتهاجا بالمناسبة. اما العوائل فعليها أن تستعد بشراء أكياس جمع الحلويات لأطفالها، إضافة إلى شراء الحلويات لتوزيعها على الأطفال المهنئين الذين يدورون على البيوت.

قبل عقدين كانت «مادة التوزيع» مقتصرة على الفول السوداني وبعض الحلويات، اما اليوم فتنوعت سلاة التوزيع لتحتوي على أكياس البطاطس والحلويات المختلفة والشوكولاتة و«المينو»، فيما تفضل بعض الأسر صرف مبلغ من المال إلى قطع معدنية من فئة 50 أو 100 فلس لتوزيعها على الأطفال المهنئين، توفيرا للجهد وطلبا لنظافة مداخل الشقق السكنية والبيوت.

رحلة الطواف على البيوت تبدأ مبكرا، فترى الأطفال يطوفون زرافات ووحدانا يباركون الأهالي ويجمعون من كل بيت «هدية»، وعندما تنتهي الرحلة يجلسون يتفاخرون بمن عاد بالغنيمة الأكبر!

هذه المظاهر لا تقتصر على البلاد القديم بل تجدها أيضا في عامة القرى المجاورة من جدحفص والسنابس والديه وطشان والمصلى والزنج وعذاري والصالحية وأبوقوة والسهلتين الشمالية والجنوبية، قرى هادئة مازالت تعيش الوادعة في بعض جوانب حياتها على رغم ما طرأ على الجوانب الأخرى من تغيرات لا تخطؤها العين.

تحف وإبداعات

وهناك اتجاه لاحتفاء خاص يعبر فيه الأقارب بنوع من التقدير إلى أقرب المقربين مثل أبناء الأخ أو الاخت أو الصديقة الحميمة أو الجارة العزيزة، بشراء هدايا من نوع خاص، كاللعب أو التحف الصغيرة، على أن تحشى بالمكسرات أو العملات النقدية أو قطع الحلوى والشوكولاتة، وترفق بها بطاقات مطبوعة بالكمبيوتر تحمل اسم الطفل المهدي، أو الطفل المهدى إليه، مع عبارات التهنئة، أقرب ما تكون إلى العبارات المرفقة بباقات الورد المهداة في المناسبات الاجتماعية بين الكبار، ما يعكس تأثر حياتنا الدينية بالجديد وتقبلها للتجديد على رغم ما قد يبدو عليها من ثبات ورسوخ.

المنامة ليلة

النصف من شعبان

وتكتسي العاصمة المنامة تزامنا مع ليلة النصف من شعبان، حلة تختلف عن حلتها طوال أيام السنة، فمع غروب شمس اليوم الخامس عشر من شعبان، تدب في المنامة روح جديدة، إذ يبدأ الأطفال بارتداء ملابسهم التي انتظروها طويلا ويحملون أكياس «الناصفة» التي أعدت مسبقا، ثم يذهبون للتجول بين المنازل وترديد أهازيج الفرح والسرور فيقدم لهم الأهالي المكسرات والحلويات، وتعكف النساء على تحضير الأطباق المتنوعة من المأكولات الشعبية، أما الشوارع فهي حديث آخر، كونها الساحة التي ستشهد اللقاء بين جموع الناس، فالزينة منتشرة في جميع النواحي، والأضواء تضفي على ليل المنامة سحر آخر، فتصبح العاصمة وكأنها عروس في ليلة زفافها، ويتسابق الناس إلى التصافح وتقديم التهاني بهذه الليلة، ولا يقتصر الحضور على أهالي المنامة فقط، بل يتعدى ذلك ليشمل مختلف مناطق البحرين، فمن المحرق ومناطق شارع البديع ومن مدينة عيسى ومدينة حمد وغيرها من المناطق تراهم جميعا يتوافدون إلى المنامة كونها مسقط رأسهم، بغية المشاركة في الاحتفالات التي تتنوع عاما بعد عام مع الأقارب والأحبة.

وفي داخل المآتم والمساجد التي استعدت هي الأخرى لهذه الليلة، تتعدد الفقرات والفعاليات، فالشاعر يقدم أفضل ما خطته يداه من كلمات، والمنشد يصدح بأعذب الألحان، والجميع في فرح وسرور بهذه الليلة.

سريعا تنتهي الليلة المباركة بكل ما حملته من دفء وطهر ليبقى الجميع - أطفال وكبار - ينتظر عودتها العام المقبل

العدد 400 - الجمعة 10 أكتوبر 2003م الموافق 13 شعبان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً