العدد 402 - الأحد 12 أكتوبر 2003م الموافق 15 شعبان 1424هـ

صورة «الشرق الأوسط»

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

كيف يمكن قراءة المشهد الاقليمي في «الشرق الأوسط» في ضوء انفلات الجنون الاميركي (المدعوم اسرائيليا)؟ صورة «الشرق الاوسط» كما نراها الآن يمكن ان تتغير في حال استمرت التهديدات الاميركية العلنية وما يرافقها أو يعقبها من تصرفات اسرائيلية لا تقل خطورة عن تلك التي تصدر تباعا من واشنطن. فالجنون السياسي بلغ اوجه وحين يفقد العقل ضوابطه تصبح اللغة مجرد هدر لكلمات أقل ما يقال عنها انها صادرة عن طرف بدأ يفقد اتزانه ووصل إلى مرحلة من الاعتداد بنفسه لا يعرف الا لغة القوة (التهديد والوعيد) حين يصطدم باي حاجز سياسي أو عقبة تعترض طريقه.

في الأسبوع الماضي اتهم الرئيس الفنزويلي واشنطن بمحاولة ترتيب انقلاب ضده واثارة مظاهرات الشغب ضد نظامه المنتخب شرعيا بسبب معارضته السياسية الاميركية. وقبل الأسبوع الماضي هددت واشنطن ايران مستفيدة من الخلاف الناشب بين طهران ووكالة الطاقة على خلفية الانذار الذي تنتهي مهلته في نهاية الشهر الجاري.

وبعد تهديد ايران علنا سربت مصادر صحافية (استخباراتية) ألمانية معلومات عن اتصالات تجريها واشنطن مع دول أوروبية لنشر صواريخ ارض - ارض موجهة ضد مواقع محددة في ايران. وبعد ايران هددت اميركا كوريا الشمالية وذكرت مصادر عسكرية انها تنوي نشر صواريخ موجهة ضد مراكز تشك واشنطن انها تشمل مؤسسات تعمل على تخصيب اليورانيوم وانتاج اسلحة نووية. وبعد كوريا الشمالية جدد الرئيس الاميركي جورج بوش تهديداته للنظام القائم في كوبا واعرب عن دعمه للمعارضة للاطاحة بآخر دولة يسارية في اميركا اللاتينية يقودها خصم البيت الابيض التقليدي فيديل كاسترو. وبعد كوبا هدد البيت الابيض سورية انطلاقا من تلك المناقشات التي يجريها الكونغرس في اطار ما يسمى مشروع «قانون محاسبة سورية» الذي ينتظر موافقة السلطة التشريعية قبل رفعه الى الرئيس الاميركي.

انه نوع من الجنون السياسي، واساسه هو فقدان المناعة التي تحصن العقل ولغته من زلات اللسان التي زادت كثيرا عن حدودها الدبلوماسية وتحولت إلى نوع من «البلطجة» التي لا تقيم أي اعتبار لكل الضوابط والانفعالات. انها لغة مجنونة تستمد قوتها من التفوق العسكري ولا تستند في حيثياتها إلى سياسة عاقلة تحاول احاطة المشكلات واحتواء الازمات عن طريق الدبلوماسية أو المرونة التي تستوعب الخلافات في سياق التفاوض وتوازن المصالح.

انها لغة جديدة والجديد فيها الجنون السياسي. واخطر الوان هذا الجنون هو دخول «اسرائيل» على خط الانفعال الاميركي وعدم قدرة الولايات المتحدة على التكيف مع خصوصية منطقة «الشرق الاوسط». وعدم التكيف يعني عمليا العجز عن التفاهم وترك لغة الوعيد والتهديد هي الدبلوماسية الوحيدة في التعاطي مع شئون المنطقة.

الجنون الاميركي أوجد أرضية خصبة للرعاع وخصوصا امثال الجنرال المتقاعد (والمهووس بالحروب وجنون العظمة) ارييل شارون. فالخطورة من الجموح الاميركي والافراط في استخدام القوة انها بررت تصرفات شارون واعطته دفعة معنوية للمزايدة والدخول في حلبة السباق جنبا إلى جنب مع الثور الهائج. وخطورة شارون انه قد يفهم سكوت المنطقة العربية ولجوء قواها الرئيسية إلى لغة العقل وسياسة المصالح والتوازن والدبلوماسية بانه اشارات على الضعف والخوف من التسلط الاميركي... وهذا بالنسبة إلى حساباته فرصة يجب الاستفادة منها لضرب ضرباته المؤجلة. ومن يقرأ تصريحات بعض المسئولين الاسرائيلية يجد فيها الكثير من التشجيع الاميركي، ومن ينظر إلى التصرفات الاسرائيلية (الشارونية) يرى فيها تقليدا بهلوانيا للمسلكيات الاميركية. مثلا تهدد اميركا ايران يقوم شارون في اليوم التالي بتهديدها. تهاجم واشنطن دمشق يقوم شارون في اليوم التالي بمهاجمتها. ينتقد البيت الابيض المنظمات الفلسطينية يرد شارون في اليوم التالي بمهاجمة المخيمات وقتل الابرياء أو اغتيال بعض الرموز السياسية التي لا علاقة لها بالعمل العسكري. شارون مجرد جنرال مهووس يقلد مجموعة من السياسيين المجانين معتبرا انه نجح في قيادة واشنطن إلى المكان الذي يريده وهذه فرصته لتحقيق مشروعه الكبير بعد ان فشل خصمه السياسي الاسرائيلي (حزب العمل) في حمايته.

انها إذا لغة الحرب. والحرب عادة لا تقيم وزنا للعقل والتفاوض وسلوك الطريق المتوازن لتحقيق العدالة والمساواة والسلام لكل الاطراف.

الحرب هي سياسة تريد السلم من جانب والخراب من جانب آخر. الا انها احيانا لا تصيب اهدافها. فقد يكون الخراب للجانبين في وقت واحد. وهذا النوع من الافتراض المنطقي لا يفكر فيه المجانين. لغة التهديد الاميركية - الاسرائيلية في حال تحولت إلى لغة سياسية (عسكرية) فإن المشهد الاقليمي لا شك سيتغير... وصورة «الشرق الاوسط» الآن لن تبقى على حالها غدا... و«اسرائيل» ليست بعيدة عن تلك الصورة. فهي جزء من «الشرق الأوسط» وليست ولاية اميركية

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 402 - الأحد 12 أكتوبر 2003م الموافق 15 شعبان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً