العدد 406 - الخميس 16 أكتوبر 2003م الموافق 19 شعبان 1424هـ

بعد الإسلاميين جاء دور كوبا

إدارة أميركية فاشلة

عبدالله العباسي comments [at] alwasatnews.com

التصريحات الأخيرة التي أدلى بها الرئيس جورج دبليو بوش بشأن إسقاط نظام كاسترو تكشف مدى جنون الإدارة الأميركية عموما والرئيس الأميركي خصوصا لإعادة ترشيحه من جديد.

بوش الذي فشل في خلق استقرار في العراق والنزيف الأميركي الذي لا يتوقف بسبب المقاومة العراقية للاحتلال زاد في جنونه، فبدلا من أن تكون بطاقة انتخابية في يده توصله إلى مركز القيادة من جديد أصبح بمثابة نذير شؤم تحول إلى بطاقة دعائية في يد منافسه، و«خريطة الطريق» التي كان يثير الضجة حولها ليري عضلاته أمام العالم ونزاهته وحكمته وقدرته على جعل شارون يلتزم حدوده فشل في تحقيقها فاكفهر وجهه وهو يبتسم ظاهريا في كل مرة يظهر على شاشة التلفزيون بينما هو كظيم من الداخل لأنه فقد أصوات العرب والأميركان.

وتهديده لكوريا الشمالية وطنطنته المتكررة عن «محور الشر» الكوري وعملية إيقافها عند حدها بمنعها من استكمال برنامجها النووي ذهب هدرا وها هي تتحداها وأظن أنها في مراحلها النهائية وانتهت الطبخة الكورية ونضج اللحم النووي على نار هادئة فأصبح ذلك فضيحة بجلاجل للولايات المتحدة التي تعمل من نفسها أسدا في حروب «الشرق الأوسط» وتهديداتها لإيران وسورية بينما هي نعامة حقيقية عند الحديث في مواجهة كورية جديدة، فأحرج إدارته أمام المواطن الأميركي وغير الأميركي.

الباكستانيون والمسلمون عموما أصبحوا يبكون دما في صمت بسبب المواقف الأميركية غير المحايدة ليس في فلسطين فحسب بل بين الهند وباكستان ما حير ممثلهم الرئيس برويز مشرف الذي أعطى الأميركان كل شيء ولم يحظ بأي شيء غير المهانة والإحساس بالندم لأنه كما يقول الشعبيون (فقد الدنيا والآخرة) إذ ان المعارضة كلها ضده اليوم في الداخل بينما المخابرات الأميركية والإسرائيلية تبعث بأنظمة الرادار للهند فصار مشرف ضحية خداع أميركي لم يتوقعه وبذلك يفقد (مُسَيْلمة الأميركي) كل أصوات الباكستانيين والمسلمين وهم بالملايين في أميركا.

في أفغانستان ها هو الجيش الأميركي أسير مدينة (كابول العاصمة) وغير قادر على الخروج منها والتنزه كما يشاء في كل مكان وفشلت الإدارة الأميركية في تعميرها فندم الشعب الأفغاني الموعود بجنة الرأسمالية وها هم «طالبان» يعودون من جديد ويسيطرون على مواقع شاسعة بكاملها وأسامة بن لادن يتمتع بصحة جيدة ويبعث برسائل تقض مضجع بوش والبنتاغون.

وإيران على رغم خلافاتها الداخلية فإن اتفاق المحافظين والمعارضة على بشاعة الوجه الأميركي لا يتخلله أي شرخ، ووعي الشعب الإيراني بأن أكذب إدارة وأطغاها التي تولت حكم الولايات المتحدة منذ تأسيسها هي إدارة جورج دبليو بوش ولا يمكن الثقة بها.

والشعب الأميركي نفسه اكتشف أن استمرار بوش في الحكم مرة أخرى سيكون خرابا حقيقيا لحياة الأميركيين ودمارا للاقتصاد الأميركي ولم يجد لحديث بوش وبقية فرقة (الجاز) الأميركية ابتداء من رامسفيلد مرورا بدكتشينى وصولا إلى كوندليزا رايس ثم كولن باول أية صدقية لكلامهم وعزم على التغيير ولهذا لم يبق أمامه سوى البحث عن ناخبين جدد عله يغطي فشله على كل الجبهات.

ولم يبق مناصرا له إلا المتصهينين من المسئولين الأميركان الديمقراطيين والجمهوريين جمعهما الله يوم القيامة في مكان واحد ومع ذلك فهؤلاء يرون أن بوش مجرد «ليمونة» جفت ولم يعد لها عطاء لإسرائيل ويبحثون عن بديل جديد عله يعطي المزيد ولم يعد ليخرج «الملاس من القدر» بقية إلا مزيد من العنف وإفناء طرف للآخر مادام من يحكم «إسرائيل» راديكاليون مرضى لا يقبلون إلا بإنهاء الوجود الفلسطيني فلم يبق أمام الشعب العربي خيار آخر سوى المواجهة. وربما المكان الوحيد الذي نجح فيه بوش هو استضعاف الرئيس القذافي بسبب غرابة أسلوبه في الحكم.

وتمكن بوش كذلك من تحقيق نجاح محدود لم تتضح الصورة بعد عندما وافقت تركيا على إرسال جيش للعراق مقابل ثمانية مليارات دولار وهو مبلغ مغر لدولة تعيش أزمات اقتصادية متعددة غير أن ذلك مازال يصطدم بمجلس الحكم العراقي الرافض لتقبل الجيش التركي وتهديد البرزاني بالاستقالة ورفض دولة مقتدى الصدر للامر، ولو لم تتمكن إدارة بوش من تحقيق أملها في تنفيذ مخططها فإن على سيد البيت الأبيض وزوجته وأولاده أن يستعدوا لشيل (كشّهم) من البيت الأبيض والعودة إلى المكان الذي أتوا منه في منزلهم السابق.

إن الرئيس الأميركي كما يبدو يحفر قبر كرسيه في الانتخابات المقبلة بيده فبالإضافة إلى كل فشله يود أن يُدخل يده في «غار عقارب» ويضيف فشلا جديدا إذ يريد أن يورط نفسه في كوبا هذه المرة حين بدأ أخيرا يتحدث في تصريحاته بضرورة إسقاط نظام كاسترو وفتح الباب لمزيد من اللاجئين الكوبيين المناوئين له لدخول الولايات المتحدة رغبة منه لاستمالة الناخبين من خونة كوبا الذين باعوا وطنهم ويعيشون في الولايات المتحدة.

وإذا كان للإدارة الأميركية ذريعة تذرعت بها ضد الأمة العربية والإسلامية متخذة من 11 سبتمبر/أيلول 2001 بضرب برجي المال والحرب في نيويورك وواشنطن لتعاقب الأمة كلها بجريرة البعض إرضاء للصهيونية، وترك الاقتصاد الأميركي والدولار في مهب الريح وتفرغ لمحاربة ما يسميه بالإرهاب الإسلامي خدمة لإسرائيل فصار ذلك سببا في اتهام المسلمين والإسلام بالإرهاب، فبم يتهم الرئيس الكوبي فيديل كاسترو، وشعبه الآمن والقابل بفقره وما قسمه الله له وصموده في مواجهة كل المؤامرات والحصار الاقتصادي فبم يجيب ناخبيه من الشعب لو سألوه عن عذره في إسقاط النظام الاشتراكي الكوبي؟

وماذا يستفيد الشعب الأميركي من سقوط جمهورية بها بضعة ملايين لا يسببون أي صداع للأميركان؟

وهل ترضى شعوب أميركا اللاتينية بهذه التجاوزات ضد دولة لاتينية خصوصا أن هناك الكثير من الأنظمة اللاتينية المتعاطفة مع كوبا، ومن بينها بلدان ذات علاقة جيدة مع الأميركان مثل المكسيك؟

وكل المؤشرات تكشف أن الأنظمة العربية التي بايعت الإدارة من دون أي تحفظ بدأت تشعر بأنها أصبحت من دون راع فلا الإدارة راضية وفي الوقت نفسه الشعب العربي فقد كل ثقته في قياداته.

إن القيادات العربية الذكية هي وحدها التي تسارع وتسابق الزمن لتحقيق المطالب المشروعة لشعوبها. فاستمرار هذا الوضع مستحيل منطقيا مثلما هو مستحيل أن يبقى الشعب الأميركي من دون بصيرة إلى ما لا نهاية بحيث يسلم ذقنه بيد إدارة مُسيّرة لمصلحة دولة خارجة على القانون في «الشرق الأوسط» مثل «إسرائيل»

العدد 406 - الخميس 16 أكتوبر 2003م الموافق 19 شعبان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً