العدد 410 - الإثنين 20 أكتوبر 2003م الموافق 23 شعبان 1424هـ

المغرب يناقش قانون مدوّنة الأسرة

إصلاح قانون الأسرة بين إنصاف المرأة واحترام الشرع

بعد أخذ وردٍّ، وبعد فترة طويلة من النقاش الذي شغل مختلف الهيئات والتنظيمات السياسية والجمعوية والأطراف الإسلامية والعلمانية عن إصلاح قانون الأسرة، أو كما يسمى في المغرب «مدونة الأحوال الشخصية»، أعلن العاهل المغربي خلال افتتاح الدورة البرلمانية للسنة التشريعية الحالية جملة إصلاحات يراد منها الحفاظ على الأسرة المغربية وإنصاف المرأة، آخذا في الاعتبار الخطوط الشرعية التي لا يمكن المساس بها مبررا ذلك بقوله «باعتباري أميرا للمؤمنين فلا يمكنني أن أحرم ما أحل الله، وأن أحلل ما حرم الله».

وقد جاءت الإصلاحات التي أعلنها العاهل المغربي بحسب الكثير من المراقبين والمهتمين لتبوِّئ المرأة المغربية مكانتها الحقيقية باعتبارها فاعلا في مجال التنمية وشريكا كاملا في العلاقة الزوجية وركنا أساسيا في تنظيم الأسرة. ومن شأن هذه الإصلاحات والتطبيق الدقيق لها إيجاد منظور لمجتمع متلائم مع تعاليم الإسلام ومتوافق مع ما يتوخى من تقدم وتطور.

وقد مست الإصلاحات التي خضع لها قانون الأسرة الكثير من المواد. فبخصوص إقرار مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة تم إقرار المساواة في رعاية الأسرة إذ أصبحت الزوجة متساوية مع زوجها في السهر على رعاية الأسرة باعتبارها طرفا أساسيّا وشريكا للرجل في الحقوق والواجبات على عكس مقتضيات المدونة الحالية التي تضع الأسرة تحت رعاية الزوج.

وضم هذا المبدأ أيضا المساواة في سن الزواج إذ تم اعتماد 18 سنة حدّا أدنى للزواج ينطبق على الفتاة والفتى «بدل 15 بالنسبة إلى الفتاة و18 للفتى حاليا»، وكذا المساواة بين البنت والولد المحضونين في سن اختيار الحاضن في 15 سنة لكل منهما بدل 12 للبنت و15 للولد في المدونة الحالية.

كما تم جعل الولاية في الزواج حقّا للمرأة تمارسه الرشيدة بحسب اختيارها ومصلحتها، وبذلك تم استبعاد مفهوم الوصاية في الولاية في الزواج بالنسبة إلى المرأة والذي يشكل في المدونة الحالية شرطا من شروط صحة عقد الزواج. ولها أن تفوضها بمحض إرادتها لأبيها أو لأحد أقاربها.

وتم أيضا إقرار المساواة في الحقوق والواجبات بين الزوج والزوجة، وتم التخلي عن مفهوم «طاعة الزوجة لزوجها» وعن «إشراف المرأة على البيت وتنظيم شئونه». كما تم التخلي عن التمييز بين الحقوق والواجبات الخاصة «بالزوجة على الزوج» وبـ «الزوج على الزوجة» والتنصيص بدل ذلك على الحقوق المتبادلة بينهما.

وبخصوص الطلاق فقد جعل تحت مراقبة القضاء، باعتباره حلا لميثاق الزوجية بيد الزوج والزوجة يمارسه كل منهما بحسب شروطه الشرعية. كما تم إقرار مبدأ الطلاق الاتفاقي بين الزوج والزوجة، وذلك تحت مراقبة القضاء من دون الإخلال بالقواعد الشرعية ومع مراعاة مصلحة الأطفال. وكذا المساواة بين الحفيدة والحفيد من جهة الأم مع أولاد الابن في الاستفادة من حقهم في تركة الجد «الوصية الواجبة» إعمالا للاجتهاد والعدل بدل اقتصار هذا الحق حاليا على أولاد الابن فقط.

ومن أبرز هذه المستجدات كذلك تقييد إمكان التعدد بشروط شرعية صارمة تجعله شبه مستحيل، إذ يمنع التعدد إذا خيف عدم العدل التزاما بمقاصد الإسلام السمحة في الحرص على العدل الذي جعل الحق سبحانه يقيد إمكان التعدد بتوفيره في قوله تعالى «فَإِنْ خِفْتُم الا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَة»(النساء:3). وإذ إنه تعالى نفى هذا العدل بقوله «ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم» فقد جعله شبه ممتنع شرعا. ولا يأذن القاضي بالتعدد إلا إذا تأكد من إمكان الزوج توفير العدل على قدم المساواة بين الزوجة الأولى وأبنائها والزوجة الثانية في جميع جوانب الحياة. وإذا ثبت لديه المبرر الاستثنائي للتعدد.

وللمرأة أن تشترط على زوجها عدم التزوج عليها باعتبار ذلك حقاّ لها عملا بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه «مقاطع الحقوق عند الشروط». وإذا لم يكن هناك شرط وجب استدعاء المرأة الأولى لإخبارها بالتزوج عليها وإخبار الزوجة الثانية بأن الزوج متزوج بغيرها، والتأكد من أن الزوج لديه الموارد المادية الكافية، وإعطاء المرأة المتزوج عليها حق طلب التطليق للضرر.

وبخصوص إقرار مبدأ العدل والإنصاف، فإن قانون الأسرة يعطي دورا مهماّ للقضاء وهكذا تم إقرار مبدأ التدخل التلقائي للنيابة العامة في شكل طرف أصلي في الدعاوى المتعلقة بتطبيق أحكام الأسرة، ما يتطلب القيام بإجراءات مواكبة لحسن تطبيق مقتضيات مدوّنة الأسرة تتمثل في الإسراع في إقامة محاكم الأسرة وإحداث صندوق التكافل العائلي.

ويضاف إلى ذلك حماية الزوجة من تعسف الزوج في ممارسة حق الطلاق وذلك من خلال تدخل القضاء الذي له أن يراقب ممارسة الزوج للحق في الطلاق. وأن يعمل بالإضافة إلى الأسرة على محاولة التوفيق والوساطة بين الزوجين، وكيفما كان الحال لابد من الإذن المسبق للمحكمة، ودفع المبالغ المستحقة للزوجة والأطفال. ومن جهة أخرى لا يمكن أن يقع الطلاق الشفوي وطلاق الغضبان والسكران والحلف باليمين والطلاق المقترن بعدد «طلاق الثلاث مثلا».

وإنصافا للمرأة نصت التعديلات الجديدة من مدونة الأحوال الشخصية المغربي على حقها في طلب التطليق للضرر لإخلال الزوج بشرط من شروط عقد الزواج أو للضرر بكل أنواعه من قبيل «العنف، والهجر، والغيبة، وعدم الإنفاق».

كما تم التنصيص على رفض دعوى الزوجة لطلب التطليق لعدم الإنفاق في حال ثبوت عجز الزوج عن الإنفاق مع تمكن الزوجة من الإنفاق وقدرتها على ذلك. وتم أيضا إقرار جواز الاتفاق بين الزوج والزوجة على إيجاد إطار لتنظيم تدبير واستثمار أموالهما المكتسبة خلال فترة الزواج وذلك في وثيقة مستقلة عن عقد الزواج. وفي حال عدم الاتفاق يتم الرجوع إلى القواعد العامة للإثبات وتقدير القاضي المجهود الذي بذله كل من الزوجين في تنميتها مع إقرار قاعدة استقلالية الذمة المالية لكل من الزوجين.

وفيما يخص الحفاظ على حقوق الطفل والنفقة والحضانة، وضمان متطلبات النفقة والحضانة باعتبار المدونة الجديدة مدونة للأسرة وليست مدونة للمرأة تمت لأول مرة إضافة مواد جديدة تتعلق بإدراج مقتضيات الاتفاقات الدولية لحقوق الطفل التي صدق عليها المغرب «النسب، والحضانة، والإرضاع، والنفقة، والتربية والتوجيه الديني والتعليم والتكوين والرعاية» وإيلاء الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة الحماية اللازمة لهم.

كما تم توسيع حق المرأة في الحضانة من خلال إقرار بعض الحالات التي تحتفظ فيها الأم بالحضانة بعد زواجها أو انتقالها إلى مدينة أخرى، وهو الأمر الذي يسقط الحضانة في المدونة الحالية. كما تم التنصيص على شروط استحقاق الحضانة وشروط سقوطها، ورجوع الحضانة إلى الحاضن بعد سقوط العذر اختياريا كان أو إجباريا.

وتم التنصيص أيضا على تخويل الحضانة للأم ثم للأب ثم لأم الأم، وإذا تعذر ذلك فللقاضي أن يقرر بناء على ما لديه من قرائن لصالح رعاية المحضون، إسناد الحضانة إلى أحد الأقارب الأكثر إهلية فضلا عن اعتبار توفير سكن للمحضون واجبا مستقلا عن واجبات النفقة، يتناسب مع الوضع الاجتماعي الذي كان يعيشه قبل الطلاق. كما تم إقرار الإسراع في البت في القضايا المتعلقة بالنفقة في أجَل أقصاه شهر واحد «بدل عدم تحديد أجلٍ للبت في المدونة الحالية»، وذلك في انتظار إحداث صندوق التكافل الاجتماعي.

وتضمنت هذه المستجدات إثبات نسب الأطفال المولودين أثناء فترة الخطوبة إذ تم التنصيص على إلحاق الابن وفق شروط أهمها إقرار الخطيبين بأن الحمل منهما، مع اللجوء في حال الخلاف إلى الوسائل الطبية الحديثة لإثبات النسب.

كما تم التنصيص على تخويل الحفيدة والحفيد من جهة الأم على غرار أولاد الابن حقهم في حصتهم من تركة جدهم عملا بالاجتهاد والعدل في الوصية الواجبة، ولقوله تعالى «وإِذَا حَضَرَ القِسْمَةَ أُولُو القُرْبَى واليَتَامَى والمَسَاكِينُ، فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلا مَّعْرُوفا» (النساء:8)، وذلك لانعدام الأساس الشرعي لحرمانهم ولكون الاجتهاد المعمول به يرتكز على التفكير الذكوري القبلي الذي يهدف إلى تفادي انتقال الممتلكات من قبيلة أو عائلة إلى أخرى. يشار إلى أن المساواة بين أبناء الابن وأبناء البنت في الوصية الواجبة لم ترد ضمن المطالب النسائية المقدمة إلى اللجنة المكلفة مراجعة المدونة.

ومراعاة للانصاف وحماية لمصلحة المحضون تحتفظ الأم بالحضانة في بعض الحالات حتى بعد زواجها أو انتقالها إلى مدينة أخرى. وإقرار مبدأ رجوع الحضانة إلى مستحقها بعد زوال العذر اختياريا كان أو اضطراريا الذي كان سببا في سقوطها.

وحماية للقاصر لا يجوز زواج القاصرمن دون موافقة نائبه الشرعي ما يقتضي ضرورة الإخبار المسبق للنائب الشرعي وبإذن من القاضي.

أما فيما يخص تبسيط الإجراءات و(المساطر) فقد تم إقرار قاعدة الإسراع في البت في القضايا المتعلقة بالنفقة بتحديد أجل أقصاه شهر واحد بدل عدم تحديد أي أجل في المدونة الحالية، وذلك بالإضافة إلى اعتبار توفير سكن للمحضون واجبا مستقلا عن واجبات النفقة.

وتم التنصيص كذلك على التوسع في إثبات علاقة الزواج الذي تم من دون عقد وذلك بالأخذ بجميع البينات الشرعية والقانونية في إطار مسطرة اثبات الزوجية عند عدم تقيد الأزواج لأسباب قاهرة بالإجراءات اللازمة لإبرام عقد الزواج، علما بأنه بحسب مقتضيات المدونة الحالية فان إثبات الزواج يقتضي تقديم لفيف عدلي «الشهود» مع فتح أجل حدد في خمس سنوات لتسوية الحالات العالقة التي تدخل في هذا الإطار وذلك رفعا للمعاناة والحرمان عن الأطفال.

وفيما يتعلق بتبسيط مسطرة الزواج بالنسبة إلى المغاربة المقيمين في الخارج ورغبة في رفع إشكال المعاناة عنهم عند إبرام عقود زواجهم، تم التنصيص على الاكتفاء بتسجيل عقد الزواج بحضور شاهدين مسلمين، مع إمكان اعتماد الإجراءات الإدارية الشكلية لدولة الإقامة ثم توثيق الزواج بعد ذلك في المصالح القنصلية أو القضائية في المغرب.

التشريع الجديد مسّ أيضا اليهود المغاربة إ

العدد 410 - الإثنين 20 أكتوبر 2003م الموافق 23 شعبان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً