العدد 2661 - السبت 19 ديسمبر 2009م الموافق 02 محرم 1431هـ

أيها العراقيون: اقبلوا حتى بإبليس حاكما

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

غَزُرَ الدّم العراقي المهدور، واستطال رفعُ المِجْلَد على أصحابه. اليوم تتناجز أرقام القتلى هبوطا وصعودا، إلى الحدّ الذي باتت تتباهى وزارة الداخلية العراقية بأن شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المنصرف شَهِدَ أدنى مستوى للقتل منذ الاحتلال وهو 122 قتيلا. هذه حقا مصيبة.

إذا كان ثمن حفظ دماء العراقيين أن يُحَاصَص البعثيون في الحكم فليُكن. وإذا كان الثّمن أن يُعطَى إبليس «الرجيم» حصّة في حكم العراق فليُكن أيضا. فما يجري بحقّ العراقيين ودمائهم وأعراضِهم وحقوقهم أمر غير مقبول البَتَّة.

في كلّ مرّة يقع تفجير إرهابي أرعن غير أخلاقي ودنيء يُقال لنا بأن البعثيين هم الجناة. إذا، فنهاية القول أن مصالحة سياسية معهم (أي البعثيين) ستُنهِي هذه المأساة في بغداد والموصل والأنبار وكربلاء، فلماذا لا تحصل إذا وتُحقن الدماء المُستباحة؟!

اليوم يُوجد ضباط عراقيون سابقون كبار خارج العراق. في الأردن، مصر، اليمن، السودان، الجزائر وسورية. لماذا لا يُستقدمون بتسوية حتى ولو كانت مُكلفة للدولة العراقية ماليا وسياسيا؟!

فالجميع يُدرك بأن هؤلاء، وبسبب انتسابهم لنظام شمولي تدخّل حتى في مشاعر الناس وأحلامهم، باتوا أدرى من أيّ أحد آخر بأدقّ أسرار العراق والعراقيين، في السياسة والجريمة، بل وحتى في نَسَمات الهواء.

هؤلاء الضباط (وفي طليعتهم طاهر جليل الحبّوش رئيس المخابرات السابق) هم مَنْ قَضَوا على الخطّة المُحكمة لـ «سي آي أي» في 17 يونيو/ حزيران 1996 عندما دبّرت أشهر محاولة مُعقّدة لانقلاب عسكري ضد صدام حسين، وتورّط فيها 42 ضابطا عراقيا أُعدِموا جميعا.

كان على السّاسة العراقيين منذ تسلّمهم «السيادة» تصحيح الخطأ الذي ارتكبه السفير بول بريمر عندما أصدر الأمر رقم (2) في 23 مايو/ أيار 2003 والقاضي بحلّ الجيش العراقي. فقد كان ذلك القرار أصل المِخرَز في المشكلة. وبسببه ضاع الأمن الذي عَبَثَ به كلّ من أمِنَ العقوبة.

فالتّمرّدات والتغييرات «النّقيّة» عادة ما يكون أساسها الاستراتيجي هو الحالة العسكريّة والأمنية. وحين يتمّ امتلاك قوامها وحدودها ومداها تُصبح النهايات أكثر أمنا، والنتائج أكثر إيجابية. وتصبح النظرة إلى الحفاظ على ذلك التغيير أكثر يقينا.

في جوار العراق حَدَثٌ قريب وفيه عِظَة. فخلال السنتين اللتين سبقتا انتصار الثورة الإسلامية في إيران قَتَلَ الجيش الإيراني البهلوي ستين ألف إيراني وجَرَحَ مئة ألف آخرين من المتظاهرين والمعارضين السياسيين، لكن ماذا جرى للجيش بعد انتصار الثورة؟

لقد أُبْقِيَ على هيكل الجيش. وبدءا من رتبة لواء تمّت إحالة (بعضهم) إلى التقاعد واحتُفِظَ بالآخرين. فعُيِّن الجنرال وليّ الله قَرني قائدا لأركان الجيش بعد الثورة. الأكثر من ذلك أن الإمام الخميني قال في مقابلة مع أوريانا فالاتشي بتاريخ 24 سبتمبر/ أيلول 1979 «فليأتِ وليّ عهد الشّاه وليَعِش بيننا كأيّ فرد من أفراد الشعب؛ فهو لم يفعل بنا شيء».

بل إن الثورة لم تَعدِم من القادة الكبار سوى أربعة وهم «الجنرال نصيري» الرئيس السابق لجهاز السافاك، و«الجنرال ناجي» قائد القوات العسكرية في محافظة أصفهان، و»الجنرال رحيمي» الحاكم العسكري لطهران، و»الجنرال خسروداد» قائد القوة الجوّية والقوات الخاصة.

وفي مثال آخر من التاريخ ولكن على الجَنْبَة السلبية من الموضوع. فقد أعدَم الثوار الفرنسيون خيرة ضباط البحرية في الجيش الفرنسي بحجّة أنهم من طبقة النبلاء النورمانديين والبريتونيين الموالين للملكية، فتمرّدت ستين دائرة فرنسية من أصل ثمانين دائرة ضد باريس.

وكانت قيادات الجيش الفرنسي النابليوني تمتاز بالضعف؛ فقد كان الجنرال تراتبيا لا يزيد عن معاون رائد أو ضابطا لكتيبة، تمّت ترقيته نظير مَسْلَكِ الشجاعة لا على أساس ذكائه، فكان نابليون ينتصر في المعارك غير أن قادته هم الذين يخسرونها.

وخلال العام 1871م نُفِّذَ 17 ألف حالة إعدام رسمي خلال 14 شهرا فقط! فكانت النتيجة أن خسائر الفرنسيين في ست اشتباكات بحرية كبيرة وثمانية صغيرة ضد بريطانيا عشرة أضعاف خسائر الجيش البريطاني (راجع Michael Lewis, A Social History of the Navy).

على العراقيين أن يعضّوا على الجراح. ويُغمِضوا عينا على الماضي، ويفتحوا أخرى على الحاضر. ويعقدوا صفقة مع هؤلاء حتى ولو كان الجرح كبيرا وغائرا مع البعث. فجرح العراقيين اليوم أكبر وأكثر إيلاما، وهي حسرة أن يأتي يوما يُفكّر فيه المرء في هذا الأمر، ولكن الضرورات أباحت المحظورات.

ولكي لا يأتي اليوم الذي يهتِفُ فيه العراقيون حسرة على أمنهم، كما هَتَفَ اللومبارديون في إيطاليا «يعيش راديتسكي» لقمع الثورة الوطنية والتغيير، فعليهم التعجيل في فِعْل المستحيل من أجل شعبهم، وإلاّ ستُصبح الهزيمة المعنوية أشبه برضّة تاريخية ستُنسي من قبلها وتُتعب من بعدها.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2661 - السبت 19 ديسمبر 2009م الموافق 02 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 11 | 6:14 م

      رد على زائر 9 و 10

      اذا اخذت الأمر بتجرد، فأنا أفضل حاكم ظالم على الفوضى. قارن بين حكم علي و حكم معاوية (اترك خلفيتك الشيعية للحظة فقط). حكم علي 5 سنوات ثلاث حروب أهلية. حكم معاوية اتسم بالنهضة و التوسع الخارجي. اكيد الكلام ما راح يعجبك. و لكن التاريخ يسير لا كما تحب أو أنا أحب، التاريخ لا علاقة له بالبشر.

    • زائر 10 | 8:04 م

      سياسة علي وسياسة معاوية ( 1 )

      لكل شخص وجهة نظر ,, و لكن يا أخ محمد بين الحق والباطل شعره فالعراقيون لآزالوا يذبحون بنفس المديه ( البعث الصدامي العروبي ) ولكن مقبض السكين اليوم قصير ( من خارج السلطه ) فهل تريدهم أن يذبحوا بمقبض للسكين أكبر ( من داخل السلطه ) ان العقلية لديهم لم ولن تتغير ( الدم والدم فقط ) والانسان ليس الا صفر . وأقول للرقم 4 لآ يرعى الأعراب أغنامهم الا حفاة فهم لم يتقنوا في حياتهم فن السياسة لهذا ضيعوا فلسطين ( وما معاوية بأدهى مني ) أي لستم أدهى منا في السياسة ولكن الايمان قيد الفتك .

    • زائر 9 | 7:44 م

      سياسة علي وسياسة معاويه ( 2 )

      أصدق الزائر 4 فيما قال ان الأمريكان فهموا ان الشيعه مامنهم فايده لأن الأمريكان يريدون أناس للحكم على شاكلته ( أموي عروبي بعثي ) فهو أجدر بخدمة الأمريكان , والشيعة لآ يحكمون الآ بالعدل واحترام حدود الله وهو حكم لآيفسر في قاموس المجتمع الدولي ولذا نرى حال ايران اليوم, ولهذا استمر معاوية ولم يستمر علي في الحكم , فالحكم في منظورهم مجرد كذب , زندقه , نفاق , ظلم , فجور , الغاء ألأخر , تمييز . فالسياسة فن الممكن , لكن ليعلم الأخ ان سياستنا دين وديننا سياسة .

    • زائر 8 | 11:25 م

      قال الشيعة ليس لديهم خبرة في الحكم!!!!!

      أختلف مع الكاتب مائة وثمانون درجة، بعد رجوع البعث سيكون الدم أغزر وتكون الدكتاتورية أوسع البعث لا يعرفون كلمة الحوار، وإذا رجعنا لأيام صدام المقبور ستجد يا أخي الكاتب بإنه اركتب الجرائم في حق الشعب العراقي اكثر بكثير من بعد نظامة البائد، وأما للذي يقول إن الشيعة ليست لديهم خبرة في الحكم نقول له إن الشيعة لا ينتهجون نهج سفك الدماء والتنكيل بمعارضيهم وقتل كل من يختلف مع فكرهم انظر على مستوى الحركات التي تدعي الاسلام وستعرف الفرق حزب الله وحركة طالبنا نموذجان شتان بينهما

    • زائر 7 | 1:19 م

      ويش جاب لجاب

      ويش فيك يا محمد قمت "تخور" .. من مليارات المستحيلات أن يصل الشعب على توافق مع حزب البعث الملعون

    • زائر 6 | 10:22 ص

      ابليس

      وهل تعتقد الذي يحكمهم الان غير ابليس والله ابليس يعجز من خططهم

    • زائر 5 | 10:17 ص

      أقول لصاحب المداخلة الرابعة

      أقول لصاحب المداخلة الرابعة ما دخل البعث والشيعة وعدم فهم للحكم وأدواته؟!! ولعلمك 68 بالمئة من منتسبي حزب البعث هم شيعة!! يعني الشيعة كانوا يحكمون أيضاً .. وإذا افترضت أن البعث كان ناجحاً فالشيعة الذين كانوا معه أيضاً ناجحون

    • زائر 4 | 5:14 ص

      هذا واحد نجح في الليسن. الفال لكم يا الشيعة الباقي.

      انتم يا شيعة لا خبرة لكم بالحكم، اهتموا بالصناعة و الزراعة. الحكم للعرب السنة من الأمويين حتى العثمانيين. انما يدل ذلك على حنكة و دراية بالنفس البشرية يعجز البسطاء عن فهمها. و العراق سيعود عربي بعثي عاجلا أم آجلا. و الأمريكان فهموا أن الشيعة ما منهم فايدة، فرضخوا للأمر الواقع و هاهم من تحت الطاولة يمهدون للاسحاب بالاتفاق عبر سوريا و تركيا عبر البعثيين. و شكرا للوسط على اتاحة الفرصة.

    • زائر 3 | 12:41 ص

      وجهة نظر تستحق التمعن

      رغم اختلافي مع الكاتب في مواضيع مختلفة اجد مقاله اليوم محل تأمل وتمعن

    • زائر 2 | 12:25 ص

      حكم صدام والبعث

      كثير ممن نلتقيهم من العراقيين صاروا يترحمون على حكم صدام والبعث لانه وفر له جزء من الامان

    • زائر 1 | 11:52 م

      إذا رجع البعثيون سيشهد العراق مذابح أكبر

      إذا رجع البعثيون سيشهد العراق مذابح أكبر من الآن فهم مصاصوا دماء وقتلة

اقرأ ايضاً