العدد 425 - الثلثاء 04 نوفمبر 2003م الموافق 09 رمضان 1424هـ

من علم التعمية العربي إلى التشفير الرقمي

يختلط مفهوم التشفير وأمن المعلومات لدى الكثير من مستخدمي الإنترنت، فنجد البعض يشعر بالسعادة والراحة عند استخدامه لشبكة الإنترنت في تبادل المعلومات والرسائل الإلكترونية، ويعتقد أنه لا يمكن معرفة المراسلات عبر البريد الإلكتروني بمجرد أنه محمي بكلمة مرور. في الحقيقة أن الكثير من هؤلاء المستخدمين عرضة لمعرفة كل ما يتم تبادله من معلومات ومراسلات، فالكثير من الشركات توفر الآن برامج تجسس يمكن أن تثبت على أجهزة الشبكة لمراقبة كل ما يرسل على البريد الإلكتروني Hotmail كالهوتميل وياهو Yahoo وبرامج الدردشة كالمسنجر وغيرها.

من هنا جاءت ضرورة القيام بعملية تشفير المعلومات ومن ثم إرسالها على شبكة الإنترنت، وتعتبر تقنية PGP من أفضل تقنيات التشفير الموجودة حاليا. ومن جانب آخر وعلى رغم التطور الكبير في هذا المجال، وإنفاق كبرى الشركات والحكومات مبالغ طائلة لتطوير أنظمة مشفرة لا يمكن اختراقها، لايزال الكثير من المستخدمين يعتقدون أنه يصعب الوثوق بالأنظمة الإلكترونية لحفظ خصوصية المعلومات مهما كانت درجة الحماية.

ويختلف مفهوم التشفير عن مفهوم أمن المعلومات السائد، فالتشفير هو عملية تحويل الرسائل أو المعلومات إلى صورة غير مقروئة او مفهومة من قبل أي شخص عدا الأشخاص المعنيين، في حين يشير مفهوم أمن المعلومات إلى عملية حماية الأجهزة والشبكات والمعلومات الموجودة من أي ضرر سواء كان الضرر بسبب خلل في الأجهزة أو البرامج أو دخول أشخاص غير مصرح لهم أم غير ذلك.

وإذا ألقينا نظرة تاريخية على علم التشفير، نجد أنه علم قديم استخدمه الإنسان منذ أكثر من ألفي عام لتسهيل عملية تبادل الرسائل بسرية، وخصوصا في أوقات الحروب، وكان أشهر عمليات التشفير هي تلك الشفرات التي قام يوليوس قيصر بتطويرها لحماية اتصالاته مع قادة جيوشه، والتي عرفت باسم شفرة قيصر.

وقد عرف علم التشفير لدى العرب والمسلمين منذ أكثر من سبعة قرون وكان يطلق عليه اسم «علم التعمية واستخراج المعمى»، وتزخر مكتبات التراث الإسلامي بكثير من المؤلفات عن هذا العلم منها «حل الرموز ومفاتيح الكنوز» لجابر بن حيان، و«شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام» لأحمد بن علي بن وحشية، ولكن أشهر من برع في هذا العلم هو الفيلسوف العربي أبويوسف يعقوب بن اسحق الكندي (185 - 252هـ) الذي ألف رسالة في حل المعمى وشرح فيها كيفية استنباط الحروف المعماة أو المشفرة كما وكيفا.

وقد ولد الكندي في الكوفة، في أوج ازدهار الحضارة الإسلامية، وتلقى أفضل تعليم إذ كان والده أمير الكوفة في تلك الفترة، ثم انتقل إلى بغداد وتعلم الحساب والرياضيات والعلوم الطبيعية والطب والمنطق والفلسفة والموسيقى، وله في هذه المجالات ما يزيد عن مئتين وتسعين مؤلفا.

وتوضح بعض مخطوطات الكندي التي تم اكتشافها حديثا في اسطنبول في العام 1987، احدى الطرق التي كان يستخدمها لكسر شفرة بعض الرسائل، والتي لاحظ فيها أن الاختلاف في تكرار الحروف في الرسالة المشفرة قد يؤدي لكسر الشفرة.

وقد قامت مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وبالتعاون مع مؤسسة الملك فيصل الخيرية بترجمة تلك المخطوطات إلى اللغة الإنجليزية في تسعة مجلدات ليتسنى للعالم الاطلاع على إنجازات علماء العرب والمسلمين.

رموز التشفير هذه شكلت الأساس لولادة علم التشفير الحديث المستخدم في التجارة والحكومة الالكترونية، إذ ان الكثير من الشركات الكبرى في العالم استفادت اليوم وفي عصر المعلومات هذا من شبكة الإنترنت كبديل لتبادل بياناتها مع شركات أخرى أو مع زبائنها، فقد وفرت شبكة الإنترنت الوسيط الرخيص والواسع الانتشار كي تدشن هذه الشركات تجارة تدر عليها أرباحا طائلة، وتوضح تقارير وزارة التجارة الأميركية أن حجم التداول التجاري الإلكتروني على شبكة الإنترنت بلغ 14,33 بليون دولار أميركي في الربع الأخير من العام الماضي مسجلا بما يعادل 28,2 في المئة زيادة عنه في الربع الأخير من العام 2001.

ومع ازدياد حجم تداول المعلومات على شبكة الإنترنت يوما بعد يوم، وازدياد عدد المستخدمين والمدمنين على هذه الشبكة التي لا تعترف بأي حدود سياسية أو جغرافية أو أخلاقية أو أي حدود أخرى، برزت ظاهرة النصب والاحتيال بأنواعها المختلفة، وطبقا لتقرير صادر عن شركة Verisign المتخصصة في أمن المواقع والاتصالات على الانترنت فإن عمليات النصب تشكل خطرا حقيقا يهدد التجارة الإلكترونية، فقد بلغ حجم الخسائر من عمليات النصب في العام 2001 حوالي 700 مليون دولار أميركي أي ما يعادل 1,14 في المئة من مجموع المبيعات الالكترونية السنوية.

عملية التشفير التي تحدثنا عنها تحقق الكثير في مجال أمن المعلومات لكن مع وجود الأخطار المحدقة لاتزال التجارة الإلكترونية تحتاج للكثير من التنظيم لتقليل عمليات النصب، ولاتزال الأنظمة والشبكات الموجودة بحاجة لاستخدام متطور لعلميات التشفير لضمان حماية خصوصية وأمن المستخدم

العدد 425 - الثلثاء 04 نوفمبر 2003م الموافق 09 رمضان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً