العدد 428 - الجمعة 07 نوفمبر 2003م الموافق 12 رمضان 1424هـ

الجزائر... وسؤال العنف

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

احتفلت الجزائر بالذكرى الـ 49 لاندلاع ثورة الفاتح من نوفمبر/ تشرين الثاني 1954. جاء الاحتفال ليذكر بتلك الثورة المجيدة التي انتهت بسقوط أكثر من مليون شهيد، وأدت أخيرا إلى نجاح الجزائر في انتزاع سيادتها واستقلالها عن فرنسا بعد أكثر من سبع سنوات من الكفاح حصلت خلاله أكبر مواجهة دموية عرفتها القارة الإفريقية في تاريخها المعاصر.

احتفلت الجزائر في مطلع الشهر الجاري بتلك الذكرى في وقت نقلت فيه الأنباء أن الصراع الداخلي على قمة السلطة بين تيار الرئيس بوتفليقة ورئيس الحكومة السابق بن فليس بلغ حدا بات يهدد مجددا بانقسام الدولة على نفسها. وتأتي الأنباء عن مخاطر تحطيم الدولة بعد سلسلة مواجهات دموية ضربت ركائز المجتمع وتقاليده المتوارثة وامتدت أكثر من عشر سنوات على اثر فشل التجربة الديمقراطية التي أرادها الرئيس السابق الشاذلي بن جديد. تلك التجربة التي بدأت بالانتخابات البلدية في نهاية ثمانينات القرن الماضي وتطورت إلى انتخابات برلمانية في مطلع تسعينات القرن الماضي وانتهت كما هو معروف بإسقاط الرئيس بانقلاب قاده الجنرالات والغاء نتائج الدورة الأولى من انتخابات 1992 التي قادت إلى فوز «الجبهة الإسلامية للانقاذ» بغالبية المقاعد.

أسفر الانقلاب على الرئيس والغاء نتائج الانتخابات عن دخول بلد المليون شهيد في تجربة قاسية حطمت المجتمع ودمرت اقتصاده في سياق حرب دموية لا تعرف أسرارها حتى الآن. وما هو معروف سياسيا حتى الآن هو ان الجماعات الإسلامية تتهم الدولة (القوات الخاصة) بارتكاب تلك المجازر لتخويف الناس واجتثاث كل من يخالف حكم «جبهة التحرير الجزائرية». كذلك يرد جنرالات الدولة باتهام الجماعات الإسلامية (المتطرفة والمتشددة) بأنها تقف وراء تلك المجازر بقصد ارباك الدولة وتحميلها مسئولية فشل التجربة الديمقراطية. وبين الاتهامين يمكن القول إن الحرب الأهلية الجزائرية انتهت في مرحلتها الأولى بتحطيم المجتمع خلال فترة عشر سنوات من المذابح المتبادلة. والآن بدأت المرحلة الثانية وهي تحطيم الدولة من خلال تصاعد الصراع بين فرقاء الحزب الحاكم على قمة السلطة. فالدولة كما يبدو الآن انتهت من الجماعات الإسلامية وقضت نهائيا على احتمال عودة الإسلاميين إلى الفوز مجددا في الانتخابات المقبلة. ويبدو أن الجنرالات ورجال الدولة والحزب بعد أن انتهوا من إزالة التهديد المشترك وأزاحته من طريق السلطة انتبهوا الآن إلى بعضهم بعضا وتفرغوا لخوض معاركهم الخاصة للسيطرة على ما تبقى من الدولة.

انها إذا حلقة تدور حول نفسها تبدأ أولا بتفريغ المجتمع وتجويفه من قواه الحية والفاعلة ثم تنتقل ثانيا إلى تفريغ الدولة وتجويفها من كوادرها وعناصرها المخلصة وتلك العائلات التي ضحّت من أجل استقلال الجزائر وسيادتها.

وبين الفترة الأولى والثانية يقبع في زاوية بعيدة التاريخ «المسكوت عنه» الذي بدأت الوقائع والوثائق تكشف عنه في سلسلة مقالات وكتب صدرت خلال السنوات الثلاث الماضية في لندن وباريس تفضح الجهة الفعلية التي نظمت تلك المجازر والمذابح وألصقتها بالجماعات الإسلامية لتهديد المجتمع وتخويفه منها.

أحد المشاركين في مجزرة حي بن طلحة وهو من ضواحي الجزائر العاصمة يقول إن تلك المذبحة التي سقط فيها أكثر من 400 شخص من أهالي الحي وقعت على مقربة من ثكنة عسكرية وتمت باشراف القوات الخاصة ومراقبتها. وقعت تلك المذبحة في 22 سبتمبر/ أيلول 1997 واتهم النظام في اليوم التالي الجماعات الإسلامية بارتكابها.

مجزرة بن طلحة واحدة من سلسلة مذابح منظمة ذهب ضحيتها أكثر من 150 ألفا من المدنيين الأبرياء ونسبت غالبيتها العظمى إلى جماعات إسلامية لتشويه سمعتها وذلك بدعم وتنسيق من الإعلام الغربي الذي كان يساند في اخباره تلك الأنباء المتسربة من الأجهزة للقول إن «المتطرفين» و«الارهابيين» هم وراء قتل الشيوخ والنساء والأطفال.

الآن وبعد مرور أكثر من عشر سنوات على فشل التجربة الديمقراطية خرج (أو هرب) الكثير من ضباط «الوحدات الخاصة» إلى أوروبا (فرنسا وبريطانيا) وكشفوا في سلسلة مقابلات موثقة الحقائق وفضحوا الجهات (بالأسماء والرتب) التي نظمت المجازر باسم مكافحة «الارهاب».

مشهد القتل في بن طلحة تكرر في معظم المناطق المؤيدة للإسلاميين، فحصلت مجازر مشابهة في دوار الزعترية والبليدة وغيرهما. وتقول تلك الروايات (الشهادات) إن «الوحدات الخاصة» كانت تنظم المذابح في المناطق والبلدات والقرى التي تؤيد الجبهة الإسلامية للانقاذ (الفائزة في الانتخابات) ثم تقول إن الإسلاميين هم الذين نفذوا تلك المجازر. وبالتالي تكون قد انتقمت من المناطق التي صوتت للمرشحين من الجبهة الإسلامية وشوهت في الآن سمعة الجماعات الإسلامية حين تقوم في اليوم التالي بنشر أخبار القتل والتشويه المتعمد للنساء والأطفال مع صور مفزعة تتهم فيها الجماعات «الارهابية» و«المتطرفة» بارتكابها.

هذا ما تقوله على الأقل شهادات ولقاءات بعض الضباط الهاربين الذين شاركوا أو أجبروا على المشاركة في تلك المذابح والمجازر. والآن وبعد عشر سنوات على فشل التجربة باتت أنباء الكتب واللقاءات والمقابلات متداولة بلغات أوروبية عدة إضافة إلى شهادات سرية أخذتها الجمعيات الحقوقية ومنظمات حقوق الإنسان في الكثير من العواصم العربية.

والسؤال أين الحقيقة التي يبدو أنها غابت في طيات التاريخ؟ والسؤال الآخر ما هو رد الجهات المعنية بالموضوع بعد أن تنوعت الشهادات التي تؤكد الواقعة الواحدة؟

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 428 - الجمعة 07 نوفمبر 2003م الموافق 12 رمضان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً