العدد 435 - الجمعة 14 نوفمبر 2003م الموافق 19 رمضان 1424هـ

واشنطن تطلق النار على مدرسة الاعتدال

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

إذا كانت إيران «دولة فيها مسار ديمقراطي نسبيا» كما يقول كبير مستشاري البنتاغون المستقيل ريتشارد بيرل وأنه لابد من التعامل معها «على غير النهج الذي اتبع في العراق»!

وإذا كان «الإسلام لا يتناقض مع الديمقراطية» كما يقر ويعترف كولن باول ولو متأخرا كثيرا عن المطلوب وأن المجتمع الإيراني ليس معاديا للدين بل ويريد أن يبقى متدينا كما يقول الدبلوماسي الأميركي المحنك!

وإذا كانت الإدارة الأميركية ترى بفائدة ترتجى من «إعادة تفعيل الحوار مع الإيرانيين» ولو بشكل «محدد ومحدود» من أجل تطوير نقاط الالتقاء أو الاهتمام المشترك كما يقول مساعد وزير الخارجية الأميركي آرميتاج!

وإذا كانت إيران قد برهنت «من خلال تعاون شفاف ومتنامٍ مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأنها ليست بصدد السعي لامتلاك أسلحة دمار شامل» كما تفيد تقارير الوكالة الدولية المتأخرة.

وإذا كان رئيس جمهوريتها هو الرجل الذي اشتهر بمبادرته التي عرفت بالحوار بين الحضارات والثقافات، فما هي مشكلة الإدارة الأميركية المحافظة معها إذن حتى لا تفوت فرصة إلا وتصعد الحرب الإعلامية والدبلوماسية ضدها لأي سبب تافه أحيانا ومن دون سبب في أحيان كثيرة؟

التساؤل يكبر ويكبر أخيرا في ظل تداعيات وقائع 11 سبتمبر/ أيلول من ناحية، وما يجري من دورة عنف دموية عبثية عمياء في كل من افغانستان والعراق في ظل استنكاف أميركي واضح عن التفاهم مع المجتمع الدولي على ضرورة التمييز بين الارهاب والمقاومة من ناحية أخرى!

الكثيرون في أميركا كما في أوروبا لاسيما في فرنسا وبعض من حالفه الحظ في الدول العربية أن ينجو من مرض الانبهار بالانتصارات الأميركية الساحقة والماحقة ضد الارهاب! يذهبون إلى القول إن أميركا تضع أولا ما تريد الوصول إليه من أهداف امبراطورية على قاعدة خلو المجتمع الدولي من منافسين أو اقطاب جادين لها في حكم العالم ثم تبحث عن «المبررات» أو «المسوغات» أو «الذرائع» التي تجعلها لاختيار هذا الهدف التكتيكي أو ذاك لمهاجمته في إطار القيام بمهمتها الشاملة للسيطرة على موارد العالم ومسارح العمليات الضرورية لتلك الاستراتيجية الكلية.

في أفغانستان كانت قيادة الارهاب المتمثلة في القاعدة المدعومة بالطالبان المسيئين للحضارة! وفي العراق كانت أسلحة الدمار الشامل في يد مجنون وطاغية خطير على الأمن العالمي والأمن القومي الأميركي.

في إيران يبدو أن المبررات والمسوغات الأميركية متقلبة ومتخبطة ومتنقلة ولا تعرف لها قرارا! القنبلة النووية مرة وحقوق الإنسان مرة أخرى! ودعم الارهاب والقاعدة مرة ثالثة! ومعارضة مسار التسوية الشرق أوسطية وعرقلتها دوما! واليوم ظهروا علينا بأمر جديد كما جاء على لسان كولن باول: الإساءة للدين عبر استخدامه وسيلة في السياسة!

الرئيس محمد خاتمي كان واضحا في الرد: «إنه كلام غير دبلوماسي ومجافٍ للحقيقة ويخلو من اللباقة والأدب، هداهم الله للحكمة والعقل وطريق الصواب».

هناك مثل إيراني معروف يقول: «الكافر يفصل الجميع على قياسات معتقداته». وهنا ينطبق هذا المثل الإيراني أكثر ما ينطبق على الأميركيين أنفسهم وبالذات الإدارة الأميركية الحالية التي تقاد بتحالف من المحافظين الجدد مع اليمين المسيحي الراديكالي البروتستانتي المشبع بالحركة الصهيونية العالمية، والتي هي كما يقول الإيرانيون أكثر الإدارات الأميركية في تاريخ أميركا استخداما للدين لتبرير سياسات الدولة الأميركية العامة.

والقصة الكاملة لأهل الاختصاص على الأقل معروفة جدا، من كون ما يجري هو حرب صليبية جديدة! وصولا إلى أن الله اختار بوش الابن لاصلاح العالم وإعادة هداية البشرية للطريق الصواب مرورا بالدفاع المستميت عن دولة «إسرائيل» التوراتية والتلمودية من أجل التسريع بمعركة نهاية العالم وقيام المسيح!

تستطيع الإدارة الأميركية أن تقول ما تشاء عن الدولة الإيرانية وممارساتها الداخلية والخارجية وأن تختلف معها على أي مستوى تشاء إلا في هذا الموضوع بالذات.

فالدولة الإيرانية واضحة وشفافة وصريحة منذ البداية فهي قامت على أسس عقائدية تجمع بين الإيمان الديني والإرادة الشعبية وليست بصدد استخدام الدين وسيلة جديدة لمساعدتها في استمرار البقاء في الحكم بل هي تعتقد أساسا بأنه لا حكم إلا للإسلام وللدين عموما.

يستطيع من يشاء أن يختلف مع القائمين على الحكم في إيران عن صحة هذه النظرية ومدى فاعليتها. أما الحال بالنسبة إلى الإدارة الأميركية فهو مختلف جدا فالإدارة الأميركية وعملا بالنظام السياسي الحاكم في أميركا يفترض بها أن تكون ليبرالية علمانية تفصل تماما بين العقائد الدينية وضرورات العمل السياسي.

فما عدا مما بدا حتى اضطر مستشارو الرئيس الأساسيين للاستعانة بالدين وسيلة ليس فقط للحكم بل وللهيمنة على العالم وتوسيع رقعة الامبراطورية.

هذا هو عين تحويل الدين إلى وسيلة وأداة يلعب بها السياسيون، وكما يقول الإيرانيون ثمة من يعتقد هنا في طهران بأن بوش وكبار مستشاريه يتخوفون في الواقع من نجاح أية تجربة حقيقية للجمع بين الدين والديمقراطية وتحديدا الدين الإسلامي والديمقراطية.

لذلك يضيف هؤلاء، بأن الإدارة الأميركية المحافظة لا هم لها إلا تشويه هذه التجربة أو بذل كل المحاولات الجادة إلى اسقاطها. وتحديدا هنا تجربة الرئيس محمد خاتمي وما ترحيبها الظاهر بها في البداية إلا لظنها أن بالامكان تحويلها إلى سيناريو سوفياتي ثانٍ. وعندما فشلت في ذلك بدأت باطلاق النار على المعتدلين

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 435 - الجمعة 14 نوفمبر 2003م الموافق 19 رمضان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً