قبل فترة وجيزة قام رئيس مكتب حماية الدستور الألماني بزيارة إلى دمشق كما زارها رئيس مكتب الجنايات الفيدرالي بهدف الإطلاع على نتائج استجواب المواطن الألماني من أصل سوري محمد الزمار الذي اعتقلته السلطات السورية والذي يعتقد انه كان على صلة وثيقة بالطيارين الثلاثة محمد عطا ومروان الشحي وزياد جراح، ما رشح العلاقة الى مزيد من التنامي بعد حوادث 11 سبتمبر/أيلول 2001، الا ان مذكرة إيقاف دولية أصدرها المدعي العام في برلين ضد السفير السوري السابق في ألمانيا الشرقية السابقة فيصل السماك ربما تؤدي الى توتر في العلاقات السورية الألمانية، والتهمة الموجهة للسماك هي المشاركة في القتل، ولا يستطيع مغادرة الأراضي السورية طالما كانت مـذكرة الإيــقاف ســارية المفعول.
برلين - سمير عواد
لو جلس مستشارو الحكومتين الألمانية والسورية هذه الأيام لبحث سبل تحسين العلاقات القائمة بين البلدين لتوصلوا إلى حقيقة أن العلاقات الثنائية هي على أفضل حال من النواحي السياسية والاقتصادية. فلقد كانت جهود السفير السوري السابق في ألمانيا سليمان حداد (الذي يشغل اليوم منصبا رفيعا في وزارة الخارجية السورية) موفقة في مد الجسور بين البلدين واستطاع بفضل تعاونه مع الجالية أن يبني مقرا جديدا لسفارة بلاده على الطراز العربي التقليدي.
لكن بعد نصف عام على افتتاح مقر السفارة في العاصمة السابقة (بون) قرر البرلمان الألماني نقل العاصمة، بما في ذلك الحكومة والبرلمان ومعهما البعثات الدبلوماسية الأجنبية، إلى عاصمة ألمانيا الموحدة (برلين). وقبل عام زار الرئيس السوري بون، بعد أن كان والده الرئيس الراحل حافظ الأسد قد زار بون في نهاية السبعينات.
زادت أهمية سورية بالنسبة إلى ألمانيا خصوصا والغرب عموما بعد انضمامها إلى الحرب المناهضة للإرهاب بعد هجوم 11سبتمبر/ أيلول 2001 وقامت السلطات السورية باعتقال أحد المواطنين الألمان من أصل سوري يدعى محمد حيدر الزمار فور وصوله الأراضي السورية، يعتقد أنه جاء قادما من باكستان. محمد حيدر الزمار بحسب بيانات البوليس السري الألماني كان يعمل في تجنيد الطلبة العرب الدارسين في الجامعة التقنية بمدينة هامبورغ وتنظيم سفرهم إلى أفغانستان للتدرب في قواعد تابعة لتنظيم «القاعدة». وبعد وقت قصير على وقوع هجوم 11 سبتمبر اختفى أثر الزمار إلى أن أعلن لاحقا أنه معتقل في سورية.
قبل فترة وجيزة قام رئيس مكتب حماية الدستور (البوليس السري الألماني) فروم بزيارة لدمشق كما زارها رئيس مكتب الجنايات الفيدرالي بهدف الاطلاع على نتائج استجواب الزمار الذي يعتقد أنه كان على صلة وثيقة بالطيارين الثلاثة محمد عطا ومروان الشحي وزياد جراح. وتولي ألمانيا أهمية خاصة لما يصدر عن الزمار، فقبل أسابيع قليلة فاجأ رئيس البوليس السري الألماني محكمة هامبورغ - حيث تجري محاكمة المغربي عبدالغني مسعودي الذي يتهمه المدعي العام بالتعاون في التخطيط للهجوم والانتماء لتنظيم إرهابي أجنبي - حين قال ان التخطيط لهجوم 11 سبتمبر لم يتم في هامبورج وإنما تم في أفغانستان وان أسامة بن لادن قام لاحقا باختيار فريق الطيارين. ويحتاج القضاء الألماني بصورة ماسة إلى شهادة الزمار مثل الحاجة الماسة إلى شهادة اليمني رمزي بن الشيبة والكويتي خالد الشيخ محمد المحتجزين في قبضة الأميركيين. وترفض وزارة العدل الأميركية السماح لهما بالمثول أمام محكمة هامبورغ للإدلاء بشهادة في قضية مسعودي كما رفض الأميركيون في السابق مثولهما في قضية المغربي منير المتصدق الذي يقضي عقوبة الحبس خمسة عشر عاما في سجن هامبورغ. ويعتقد أن محكمة هامبورغ ستصدر حكما مماثلا ضد مسعودي، إلا أن القضاء الألماني يريد محاكمة عادلة لمسعودي وخصوصا أن قرار حبس المتصدق تعرض لانتقادات واسعة لعدم الاستناد إلى أدلة دامغة وأن أشخاصا مثل بن الشيبة والزمار والشيخ محمد يستطيعون تبرئة ساحة مسعودي أو توريطه.
حاليا تعرض سورية استعدادها لتقديم معلومات قيمة للألمان إذا قررت الحكومة الألمانية التعاون مع دمشق في حل مشكلة مستعصية يقول السوريون إنها تثير توترا جديدا على مسار العلاقات القائمة بين برلين ودمشق وهذه هي خلفية القضية.
يشاع في برلين ودمشق أن الرئيس بشار الأسد حانق على الحكومة الألمانية لوقوفها مكتوفة اليدين من دون القيام بعمل يسهم في إلغاء مذكرة إيقاف دولية أصدرها المدعي العام في برلين ضد السفير السابق لبلده في ألمانيا الشرقية (سابقا) فيصل السماك الذي يشغل منصبا في شركة إنتاج التبغ السورية. والتهمة الموجهة للسماك هي المشاركة في القتل، ولا يستطيع السماك مغادرة الأراضي السورية طالما كانت مذكرة الإيقاف سارية المفعول. في الشهر الماضي بلغ الحكومة الألمانية أن الرئيس السوري يجد هذه القضية حجر عثرة أمام تحسن العلاقات بين البلدين وطلب تدخل أعلى المراجع السياسية لإنهاء القضية.
هذه المشكلة ليست جديدة وإنما يعود عهدها إلى تسعة أعوام مضت حين طالب المدعي العام في برلين بالتحقيق مع السماك عن دوره في عملية تفجير زعمت الاستخبارات الغربية والإسرائيلية أن سورية وفرت الدعم لها. ففي أغسطس/ آب العام 1983 انفجرت عبوة ناسفة في المركز الثقافي الفرنسي في برلين ونتج عن الحادث مقتل أحد الأشخاص. تبين لاحقا أن الشخص الذي زرع العبوة الناسفة في المركز الثقافي الفرنسي هو يوهانيس فاينريش المساعد الأيمن لـ «كارلوس» المحتجز حاليا في باريس ومن المرجح أن يمثل أمام محكمة برلين للإدلاء بشهادته عند بدء المحاكمة. وتم وضع إجراءات أمن مشددة خلال وجود كارلوس في العاصمة الألمانية.
يقول المدعي العام ان فاينريش حصل على العبوة الناسفة من مقر السفارة السورية في برلين الشرقية حيث كان يستخدم السفارة بعلم السفير السماك لإيداع الأسلحة. الحكومة الألمانية متفقة في الرأي مع الحكومة السورية على أن هذه القضية لا تبعث على السرور كما تهدد العلاقات المتينة التي نمت بين البلدين وخصوصا بعد هجوم 11 سبتمبر. صحيح أن سورية مستعدة للمشاركة في الكشف عن خلفيات هجوم 11 سبتمبر العام 2001 لكنها لن تسهم بذلك إلا إذا تم إغلاق ملف السماك بصورة نهائية. المخابرات الألمانية (بي إن دي) قبل أية جهة أخرى تطالب بالتجاوب مع طلب السوريين لضمان استمرار التعاون القائم معهم في الحرب المناهضة للإرهاب، وقال المدعي العام نويمان انه سيبذل قصارى جهده بحثا عن ثغرة قانونية تساعد في إنهاء القضية، لكن عبثا. كذلك الجهود التي قام بها السماك لدى محكمة الدستور العليا - أعلى مرجع قضائي ألماني - حين أوكل إلى خبيرين قانونيين ألمانيين، الحصول منها على قرار ينقض مذكرة الإيقاف من دون نجاح لأن قانون ألمانيا الاتحادية لا يعترف بالحصانة القانونية التي كان يتمتع بها السفراء الأجانب في ألمانيا الشرقية السابقة وردت المحكمة العليا الشكوى السورية.
لا يبقى أمام السوريين سوى الضغط على برلين إلى حد التهديد بتجميد التعاون القائم في المجال الأمني. وكانت دمشق قد استطاعت منع محاكمة اثنين من السوريين اتهمتهما ألمانيا بالتجسس. وعزا المدعي الفيدرالي العام سبب إسقاط دعواه لعدم وجود مصلحة عامة لهذه المحاكمة. غير انه قبل ذلك هددت الحكومة السورية بحجب معلومات أدلى بها الزمار عن أجهزة الأمن الألمانية.
تقول برلين انها لن تسمح بتكرار ما حدث مع وقف محاكمة المتهمين بالتجسس ولذلك فإنها تفكر في سيناريوهين:
الأول: أن يجري استجواب فيصل السماك في دمشق تنفيذا لعرض قدمه السوريون لبرلين على رغم أن السماك ينفي وجود صلة له بتفجير المركز الثقافي الفرنسي وهكذا تنتهي القضية لاحقا لعدم ثبوت الأدلة ضده.
- ثانيا: إلغاء مذكرة الإيقاف الصادرة ضد السماك وهكذا يصبح بوسعه السفر خارج سورية على أن يتم استثناء السفر إلى ألمانيا مغبة عدم الوقوع بقبضة السلطات الألمانية.
لكن مشكلة جديدة طرأت على القضية من شأنها أن تزيدها تعقيدا وتثير حفيظة سورية في الوقت نفسه، فقد تم تجديد مذكرة الإيقاف الدولية حديثا، وذلك حتى نهاية العام 2008
العدد 450 - السبت 29 نوفمبر 2003م الموافق 04 شوال 1424هـ