العدد 464 - السبت 13 ديسمبر 2003م الموافق 18 شوال 1424هـ

خالد عبدالله: مشكلات معقدة تجعلنا نهرب إلى الأمام

الحد الأدنى للأجور والجدل المستمر (2 - 2)

فرضت مسألة الحد الأدنى للأجور نفسها في الآونة الأخيرة وأصبحت متداولة بقوة على جدول أعمال الأوساط السياسية والاقتصادية البحرينية، وخصوصا بعد أن أصبحت على جدول أعمال مجلس النواب.

ومن الطبيعي ان يفرز الجدل بشأن الحد الأدنى للأجور مؤيدين ومعارضين، لكن هناك شعورا قويا بان الكثير من الحقائق مازالت غائبة عن القطاع الأكبر من الناس في هذا الموضوع. وطالما ان الحد الادنى للاجور موضوع جذاب للسياسيين اكثر من الاقتصاديين، فإنه تحول الى شيء اقرب للمطلب الملح لدى قطاعات عريضة من الناس ترى فيه حلا لمشكلة تدني الرواتب في القطاع الخاص المتهم بتفضيل العمالة الاجنبية لتدني اجورها او بعدم رغبته في جعل القطاع جذابا للبحرينيين.

الحديث المطروح الآن هو عن الحد الادنى للاجور في القطاع الخاص. وقد ظهرت في الشهور القليلة الماضية وجهات نظر متعددة عن هذا الموضوع بين مؤيد ومعارض، لكن مازال هناك احساس بان الموضوع لم يأخذ حقه من النقاش وان الكثير من الحقائق مازالت غائبة.

في هذه الحلقة يتحدث المحلل الاقتصادي وعضو جمعية الاقتصاديين البحرينية عن الرأي الآخر المعارض لفرض حد ادنى للاجور.

يتفق خالد عبدالله مع ما ذهب اليه عبدالله الصادق من الضرورة الملحة لاعادة هيكلة الاقتصاد البحريني، لكنه على العكس تماما يرى ان فرض حد ادنى للاجور ليس سوى هروب للامام وان تبعاته ستكون سلبية على الاقتصاد البحريني.

يقول خالد عبدالله: القضية الآن هي الحاجة إلى التصدي للتعامل والتصدي لقضية مهمة هي تحسين مستويات المعيشة. الكل يتفق على اهمية التعامل معها. النقاش في هذه المسألة يجب ان نضعه في اطاره الصحيح. هل ان تحديد حد أدنى للأجور هو أنجع طريقة للتعامل مع هذه المسألة؟ ام ان هناك طرقا أخرى؟ ليس هناك خلاف بشأن الحاجة، لكن علينا ان نسأل: هل ان آلية الحد الأدنى للاجور هي الالية الأفضل لتحقيق هذا الهدف؟ أم ان ذلك يمكن ان يؤدي الى مشكلات وكلفة اكثر من المنافع المتوقعة؟ هذا مهم جدا لكي لا يتبادر الى ذهن احد ان الموقف المعارض للحد الادنى للاجور يعني معارضة لحاجتنا إلى رفع مستوى المعيشة في البحرين.

وفي الوقت الذي يتحدث فيه عبدالله الصادق عن «الاغراق الاجتماعي» فإن خالد عبدالله يشير الى هذه السمة في سوق العمل البحرينية عندما يصفها بأنها «اختراق».

يشرح وجهة نظره قائلا: «في البحرين وفي دول الخليج عموما هناك اختراق لسوق العمل نظرا إلى وجود أعداد كبيرة من العمالة الأجنبية التي ترضى بأجور منخفضة. تأثير وجودها كما هو تأثير إغراق السوق بسلع منخفضة وبالتالي يواجه المنتج المحلي صعوبات في التسويق أمام سلع اقل سعرا. وسياسات الإغراق هي ضمن اتفاقات التجارة العالمية التي تنص على اتخاذ إجراءات وعقوبات بحق أية دولة تمارس أي نوع من الإغراق في السوق».

ويضيف: «ابرز تأثير للعمالة الاجنبية وخصوصا الآسيوية - التي ترضى بأجور منخفضة او التي تقارن اجورها بفارق العملة في بلدانها بحيث يكون مستوى دخلها معقولا نسبة إلى ما قد تحصل عليه في بلدانها - هو انها تمارس ضغوط كبيرة على مستوى الأجر بالنسبة إلى العمالة المحلية الى جانب ان مستوى الأجر اصلا منخفض في البحرين وبالتالي يصبح العامل البحريني في وضع تنافسي صعب. وكذلك الصعوبات المعيشية التي يواجهها العامل البحريني لان مستويات اجر من هذا النوع لا تؤهله لتكوين اسرة وتجعله يعيش صعوبات معيشية جمة».

ويمضي خالد عبدالله في التأكيد ان مستويات الدخل في البحرين ولقطاع كبير من العاملين في القطاع الخاص متدنية. وان مستوى الدخل في وضعيته الحالية يشكل تحديا امام المواطن البحريني لكي يعيش حياة كريمة ويتوافق مع ما حققته البحرين ان على صعيد الدخل القومي او على صعيد التنمية البشرية.

لكنه على رغم هذا كله، فانه يعارض فرض حد ادنى للأجور عندما يقول: «لدي موقف سلبي من الحد الادنى للاجور. اعتقد - مع اتفاقنا على المبدأ وهو معالجة الدخول المنخفضة لقطاع كبير جدا من البحرينيين - ان تبني حد ادنى للاجور يمكن ان ينتج لنا وضعا اكثر تعقيدا وسترافقه الكثير من السلبيات بدلا من المنافع المتوخاة منه. وحتى المنافع التي يمكن ان تتحقق من ذلك على المدى القصير يمكن ان تتآكل على المدى البعيد».

ويضيف: «من المهم الا ننظر إلى هذه القضية بشكل جزئي يتعلق فقط بالهدف السامي والنبيل الذي نسعى اليه جميعا بشكل لا يأخذ في الاعتبار هيكل الاقتصاد البحريني وطبيعة سوق العمل والاطار العام للاقتصاد البحريني. يجب ان ننظر للمسألة ضمن الاطار العام للاقتصاد البحريني».

ونسأله: كيف؟ يقول عبدالله: «هناك الكثير من القضايا الأساسية التي فشلنا في التعامل معها، وخصوصا في سوق العمل سواء ما يتعلق بقضية البطالة أو بقضية الأجور المتدنية وهناك علاقة وثيقة بين المسألتين. فكلما زادت مشكلة البطالة زاد الضغط على الأجور باتجاه الانخفاض. وكلما تدنت مستويات البطالة كلما كان ذلك حافزا للأجور لكي ترتفع لتجذب اعدادا اكبر من القوى العاملة».

نسأله مزيدا من التوضيح... فيقول: «اعتقد ان المشكلة تكمن في أمرين. الاول، العرض من العمل. المشكلة هنا تكمن في اختراق سوق العمل من قبل العمالة الوافدة، نحتاج في هذه المسألة إلى إدارة العرض من العمل من حيث التعامل مع بعض القضايا التي تشكل فروقات فاضحة في سوق العمل. يجب التصدي لاساس المشكلة وخصوصا الفري فيزا. نحتاج إلى ترشيد استخدام الايدي العاملة الوافدة. انني اعتقد ان الايدي العاملة الوافدة ضرورة للاقتصاد البحريني ولا اظن انه كان بامكاننا ان ننجز ما انجزناه في غياب العمالة الوافدة، وخصوصا في دولة عدد سكانها محدود واقتصادها صغير، لكن من المهم ان نربط تدفق العمالة الاجنبية بالاحتياجات الحقيقية للنشاط الاقتصادي في البحرين».

ويضيف: هذا جانب اساسي وهو صعب وهو يشكل العنصر الرئيسي في المشكلة في البحرين. الجانب الآخر هو ما يتعلق بالطلب على العمل. اعتقد ان هناك مشكلة اساسية في الاقتصاد البحريني وتكاد ان تكون مشكلة هيكيلية وتتعلق بعدم قدرة الاقتصاد البحريني على خلق وظائف بالوتيرة والعدد والنوعية التي تخلق دخولا مجزية للبحرينيين.

هناك ضعف هيكلي في الاقتصاد البحرين في هذا الجانب ويحتاج إلى معالجات سريعة ورصينة. احدى المعالجات الاساسية التي يمكن ان ترفد هذا الجانب هي قدرة البحرين على استقطاب الاستثمارات الجدية. لا اريد ان اعتبر المضاربات في سوق الاراضي استثمارات، ربما تعبر عن ثقة في الاقتصاد البحريني، لكن اريد ان اجذب الاستثمارات الانتاجية التي تخلق وظائف. اعتقد ان هناك ضعفا على مدى اكثر من عقد من الزمن كان يشوب الاقتصاد البحريني يتعلق بقدرته على خلق الوظائف.

نحتاج إلى مبادرة ورؤية استراتيجية من اجل تحقيق اختراق في هذا الصعيد. الاستثمارات جاءت ولاتزال تأتي لكنها للاسف لم تجد طريقها على الأرض الى نهايتها المرجوة. البحرين تشكل مركز جذب استثماري لكن هناك بعض المعوقات المرئية وغير المرئية التي لم تتح للاقتصاد البحريني ان يبني على هذا التدفق للاستثمارات الاجنبية.

ويخلص خالد عبدالله للقول انه لا يعتقد ان طرح مسألة الحد الادنى للاجور الآن يمثل في الكثير من جوانبه نوعا من الهروب إلى الامام. ويؤكد اننا لم نستطع ان نعالج الكثير من المشكلات الاساسية فقمنا بالهروب إلى الامام بتصور ان الحد الادنى للاجور يشكل عصا سحرية لحل المشكلات الهيكلية التاريخية في اقتصادنا. لكن ما هي المشكلات الاخرى التي يتعين حلها في سياق اعادة هيكلة الاقتصاد البحريني قبل الاخذ بسياسة الحد الادنى للاجور؟

يقول خالد عبدالله: اعتقد انه يجب حل المشكلات الاساسية لكننا نحاول ان نقفز عليها من خلال تصور لدى البعض يرى ان الحد الادنى للاجور سيحل المشكلة. المشكلة ليست في الحد الادنى للاجور بل على قدرة الاقتصاد البحريني على خلق وظائف، وقدرة الحكومة في ادارة العرض من العمل، وجذب الاستثمارات وتوطينها في البلد، وخريطة المهارات الموجودة لدى البحرينيين، ومدى قدرتنا على تنمية الانتاجية لدى البحريني.

ويضيف: اليوم، نحتاج إلى معالجة مسألة الانتاجية في كل المجالات، نحتاج إلى مواجهة مسألة اخلاق العمل والمهارات... اعتقد ان هناك هروبا من هذه المشكلات والاسئلة، من خلال تصور ان الحل السحري يكمن في الحد الادنى للاجور. اذا تم تبني الحد الادنى للاجور في ظل الوضع الحالي فسيؤدي ذلك الى انتكاسات.

ويشرح وجهة نظره بالقول: «من حيث المبدأ، في اقتصاد مثل اقتصادنا اثيرت الكثير من الشكوك عن الحلول الادارية. هناك استسهال بالحلول الادارية لان من السهولة ان يلجأ الشخص لها لانها تأخذ شكل قرار لكن لها انعكاسات كبيرة لا اعتقد انه تم تقديرها حق التقدير بشكل جدي لدى البعض منا. انا مع الحلول التي تتماهى مع قوى السوق. أي حل يتصادم مع قوى السوق مصيره الفشل ولدينا دول انهارت نتيجة تبنيها سياسات لم تكن متوائمة مع قوى السوق. الكتلة الشرقية كلها ونماذج اخرى في العالم كلها سقطت نتيجة تبنيها حلولا تتصادم مع قوى السوق».

ويضيف بالقول: الجانب الثاني، من الصعب ان تتأكد من سلامة الحلول الادارية وتطبيقها ونحتاج إلى جهاز بيروقراطي من أجل التأكد من تطبيقها. ما الذي يؤكد لنا ان يوافق العامل على الأجر المحدد كحد وادنى ولا يوقع على اجر اقل؟ نحتاج إلى جهاز بيروقراطي من اجل ضمان تنفيذه. هذه وصفة لظهور نماذج من الفساد المالي والاداري. متى ما لجأنا الى الحلول الادارية، سيظهر هناك تحايل وفساد.

النتيجة الاهم من وجهة نظر خالد عبدالله هي ان تطبيق الحد الادنى للاجور سيؤدي بالضرورة الى زيادة التكاليف ويخلق ضغوطات تضخمية على رغم ان البعض حاول ان يخفف منها. ويقول: اعتقد ان هذه الزيادة التي يمكن ان تتحقق للمواطن البسيط بشكل اسمي، ستتآكل نتيجة زيادة التكاليف. اليوم يمكن لاي شخص ان يبني منزلا بعمالة رخيصة، لكن يمكننا ان نتخيل ماذا سيجري في حال التطبيق الصارم للحد الادنى للاجور. هذه الزيادة في رواتب المواطنين ستتآكل بشكل سريع نتيجة زيادة التكاليف. الجانب الثالث يتعلق بقدرة الاقتصاد البحريني على جذب الاستثمارات. اعتقد ان تطبيق الحد الادنى للاجور يمكن ان يؤثر سلبا في هذه المسألة. الجانب الرابع: اليوم لدينا عدد هائل من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم واعتقد ان السبب الوحيد لقدرتها على البقاء ناتج عن اعتمادها على عمالة رخيصة. لو طبقنا الحد الادنى للاجور، فإنني متأكد ان عددا غير قليل منها سينهار.

يختم خالد عبدالله عرض وجه نظره بالقول: الحد الادنى للاجور سيعرض الاقتصاد لصدمة. نحتاج إلى تبني حلول تتعامل مع الاساسيات، وتتخذ الشكل التدريجي الى ان يتوائم معها الاقتصاد وهذا يتحقق بشكل اوتوماتيكي عبر استخدامنا آليات السوق. اجمالا، في ظل كل هذه العناصر فإن الجوانب السلبية للحد الادنى للاجور اكبر من الايجابية ومن الممكن ان تؤدي الى تفاقم المشكلة لدينا بدلا من حلها... المطالبون بالحد الادنى للاجور يعتقدون ان مساواة الاجور بين البحريني والاجنبي ستجعل البحريني في موقع تنافسي افضل لكنني اعتقد ان هذا الخلل. اذا قمنا بذلك من دون التعامل مع مسألة الانتاجية فنحن لم نتعامل مع اساس المشكلة. لكن الموضوع يكاد ان يكون قفزة في الهواء. نحن نعيش حال اختناق هي ان الاقتصاد البحريني لا يخلق فرص عمل بالوتيرة المطلوبة، الحد الادنى للاجور يبدو جذابا للكثيرين وبنوايا طيبة وحس وطني متقدم، لكن على اساس اقتصادي فإن الحد الادنى للاجور لا يحقق الهدف الذي تعبر عنه هذه النوايا الطيبة

العدد 464 - السبت 13 ديسمبر 2003م الموافق 18 شوال 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً