العدد 481 - الثلثاء 30 ديسمبر 2003م الموافق 06 ذي القعدة 1424هـ

الاقتصاد المتطور يرعى الفئة الضعيفة وليس البطالة المقنعة

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

أي اقتصاد متطور يتطلع إلى أن تراعى فيه الفئات الأقل حظا في الثروة بسبب انعدام مهاراتها أو بسبب تغير الظروف عليها أو بسبب الضغوط الاقتصادية التي تدفع إلى إنهاء عمل هذا الفرد أو ذاك. بمعنى آخر، إن الاقتصاد المتطور يساعد من ليس له دخل ثابت ويحميه من الضياع، ولذلك فان العاطل عن العمل في الدول المتقدمة يتسلم معاشا شهريا يوفر له لقمة عيشه من دون إذلال.

ومن سخرية القدر فان لدينا شبه ضمان اجتماعي مرتفع التكلفة للاشخاص الذين يندرجون تحت مصطلح «البطالة المقنعة». فهناك وزارات ودوائر ومؤسسات كبرى تعتمد على موازنة الدولة ولكن العاملين فيها لا يقدمون ولا يؤخرون شيئا. فلو قدر أن غاب معظم هؤلاء عن العمل فإن الدولة ستربح لأنها ستوفر الطاقة الكهربائية التي سيستخدمونها لتشغيل مكاتبهم وستقل حركة السير وتقل الضوضاء ويقل عناء الجميع.

هذه البطالة المقنعة تمتص موازنة كبيرة، ولو كانت هناك سياسة أخرى تقضي بدفع معاشات لكل العاطلين عن العمل فإن الدوائر والمؤسسات بإمكانها تسريح هؤلاء وتوفير الكثير من الجهد والمال مع سد حاجات كل العاطلين عن العمل وليس فئة منهم فقط، دون ان تخسر الدولة الكثير . لكن ومع انعدام نظام صريح وشامل لكل العاطلين فإن الدولة تتورط في موازنة لدعم البطالة المقنعة (حاليا تذهب نصف موازنة الحكومة المتكررة تذهب للمعاشات وهي في تصاعد مستمر).

هذه البطالة المقنعة تقوم بـ «تعطيل» مصالح الناس، لأنها ولكي تبرر وجودها تعبث وتؤخر معاملات المواطنين، ويتسرب الفساد اليها، لأن العبث بالمعاملات يدفع البعض إلى أن يقدم الرشا لتسيير أموره، وهذا يعني أن المواطن يدفع الرشا بدلا من دفع الضرائب، والدولة تدفع ضمانا ضد البطالة ولكن بأسلوب غير سليم.

أما لو كانت المعادلة الاقتصادية الشفافة هي التي تتحكم في المسيرة، فإن الدولة بإمكانها تشريع قانون لحماية الطبقات الضعيفة في المجتمع وصرف معاشات شهرية محددة كضمان اجتماعي ضد البطالة، وتستطيع ربط هذا الضمان باشتراط البحث عن العمل، أو باشتراط إثبات أن الشخص غير قادر على العمل، وبهذا تتحقق العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية في آن واحد.

هذا الأمر يتطلب شجاعة من مختلف الأطراف. فهو يتطلب شجاعة من الدولة بأن تعترف بوجود المشكلة اولا وأن عليها أن تسارع في تشريع قانون لحماية كل الفئات الضعيفة وتشجيعها للالتحاق بسوق العمل بدلا من إهدار أموالها على البطالة المقنعة.

ويتطلب الأمر أيضا شجاعة من المجتمع بأن يتفهم المشكلة ويساهم في دعم الحل الذي قد يتطلب دفع ضريبة محددة تقتطع من المعاش وتصرف على هذا البرنامج الوطني. كما يتطلب دعم المؤسسات الاقتصادية التي يقع على عاتقها توفير الفرص المناسبة والكفاءات الوطنية وإثبات أنها طبقت جميع ضوابط الشفافية والمسئولية الاجتماعية أثناء ممارسة نشاطها الاقتصادي.

البديل الحقيقي يكمن في التخلص من البطالة المقنعة وصرف الضمان الاجتماعي لجميع العاطلين المستوفين للشروط وتخفيف الاعباء المالية عن الموازنة، ويتم اغلاق منافذ الفساد والرشوة مع زيادة انتاجية الموظفين ونشر ثقافة جديدة تتحدث عن خدمة المواطنين باسرع وقت وبأقل تكلفة ممكنة، بدلا من تعطيل الحياة وتأخير المعاملات وهدر الثروات في كل مالاينفع البلاد والعباد. عند ذلك نستطيع أن نتحرك من المياه الراكدة التي لا يمكن أن توفر حياة لاقتصاد متطور وبصورة مستديمة

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 481 - الثلثاء 30 ديسمبر 2003م الموافق 06 ذي القعدة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً