العدد 2672 - الثلثاء 29 ديسمبر 2009م الموافق 12 محرم 1431هـ

أحداث عاشوراء في إيران... ملاحظات ودلالات المستقبل

رفسنجاني ابتعد عن المشهد السياسي وخاتمي سيلعب دور الوسيط المحتمل

الدوحة - مركز الجزيرة للدراسات 

29 ديسمبر 2009

تطورت الأحداث في إيران بعد أن صعدت الحركة الاحتجاجية من أعمالها مستفيدة من مناسبتين، أولاهما التعبئة النفسية التي ارتفعت بعد وفاة المرجع الديني آية الله العظمى حسين المنتظري، وثانيتهما مناسبة عاشوراء. وهكذا تعتبر هذه الأحداث محطة في سلسلة محطات تصاعدية المسار بادرت إليها المعارضة الإيرانية منذ تجديد انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد.


ملاحظات على الأحداث

من وحي الأحداث التي اندلعت يمكن تسجيل الملاحظات التالية:

1 - أظهرت هذه الأحداث أن الحركة الاحتجاجية تملك القدرة على المبادرة وتحدي الحكم، فالاحتجاجات الأخيرة جاءت بإعداد مسبق من تيار الإصلاحيين ولم تكن مجرد رد فعل عفوي.

2 - لا تزال الطبقة الوسطى هي الحامل الرئيسي للحركة الاحتجاجية، وإن كانت السلطات مازالت تقول بوجود عناصر معادية من المعارضة في الخارج تقف خلف هذه التحركات.

3 - أحداث عاشوراء بدأت شبيهة بما سبقها، ولكنها شهدت تطورا في الشعارات التي أصبحت تهاجم ولاية الفقيه والمرشد علانية، ولم تعد تقتصر على مهاجمة الرئيس أحمدي نجاد، وهي إلى جانب ذلك تهتف مؤيدة لزعيم التيار الإصلاحي مير حسين موسوي.

4 - حملت الحركة الاحتجاجية مطلب تغيير مبدأ ولاية الفقيه بوضوح، بل أصبح هذا المطلب يمثل الأولوية في احتجاجاتها الآن، بينما في السابق كانت الاحتجاجات متعلقة بالبعد الانتخابي أساسا أكثر من سواه، وكانت تتركز على أحمدي نجاد وليس على المرشد كما هي الآن.

5 - وقوع قتلى أكثر من المواجهات السابقة على رغم أن رواية السلطة لا تزال على حالها والتي تقول بوجود أطراف «خفية» تقوم بأعمال التخريب والقتل، وعلى رغم أن المؤسسة العسكرية والحرس الثوري لم يصدرا أي وعيد أو بيان ضد المحتجين كما كان الأمر سابقا. مع الإشارة هنا إلى أن السلطة تتهم الحركة الاحتجاجية بأنها تتعطش لسقوط ضحايا في صفوفها باعتبار أن بعض أطيافها يقولون «لا إصلاح بلا دماء».

6 - أظهرت الاحتجاجات الأخيرة قدرة موسوي على تحريك الشارع من خلال البيانات التي يصدرها والتي وصلت إلى الرقم 15 إلى حد الآن. فهذه البيانات تحدد وجهة التصعيد ومناسبته ووقته وإن كان ذلك عن طريق الإشارة والإيحاء وليس عن طريق الدعوة الصريحة والواضحة، فآخر بيان كان حذر السلطات من تصاعد الأعمال الاحتجاجية أيام عاشوراء، وهو ما تم ترجمته فعلا في الأحداث الأخيرة على الأرض.


تداعيات الأحداث ودلالاتها

1 - تدل الأحداث الأخيرة على أن موسوي هو الزعيم الأبرز للحركة الاحتجاجية دون منازع، وإن كان هناك شخصيات أخرى ذات وزن كبير تقف إلى جانبه. وهذا يعزز من احتمال تعرضه للاعتقال أو للمحاكمة وربما ما هو أبعد من ذلك، أي أنه سيكون الهدف الأبرز لخصوم الحركة الاحتجاجية سواء من داخل النظام نفسه أو خارجه.

2 - أظهرت الأحداث الأخيرة أن السلطة لا تملك حتى الآن خيارات أو أساليب جديدة في التعامل مع المحتجين، الأمر الذي قد يقرأه البعض على أنه جاء نتيجة ارتباك السلطة، أو لأنها تشهد خلافات حول أسلوب التعامل مع هذه الأزمة. وهذا ينطبق على المؤسسة العسكرية التي قلصت من حضورها السياسي في التعامل مع المحتجين واقتصرت على القيام بدورها الأمني، أي مواجهة الاحتجاجات بصمت.

3 - مع وفاة المنتظري بدأت المطالبات بتغيير «طبيعة ولاية الفقيه» السارية في الحكم من ولاية مطلقة إلى ولاية دستورية، وأخذت هذه المطالبة تكتمل وتتضح أكثر فأكثر بوصفها أحد المطالب الأساسية للمعارضة. وهكذا أصبح المنتظري من قبره أحد الرموز التي يتظلل بها المحتجون في هذا الشأن، على نحو ما أظهرته المواجهات الأخيرة.

4 - هناك أطراف في المعارضة تقول بأن ما حصل أمس الأول من تصدٍّ للمواجهات كان بإشراف مباشر من المرشد الأعلى السيد علي خامنئي. وعلى الجهة الأخرى هناك توقعات مفادها أن المرشد يتجه نحو تسوية الأمر على طريقته الخاصة، خاصة وأنه أبعد هاشمي رفسنجاني عن دائرة استشارته حول التعامل مع هذه الأزمة، ما يدل على أن التفاوض ليس أحد خياراته في المرحلة الراهنة.


مستقبل الأزمة والحل الممكن

كل ما هو قائم يشير إلى إمكانية مزيد التصعيد، مع توقعات بإمكانية أن يعود كل فريق إلى التفكير بالمسار الذي التزمه حتى الآن. مع العلم بأن التصعيد الأخير كان نوعيا، وبلغ مسار الأحداث مرحلة متقدمة قد تذهب بكل فرص التهدئة أو حل الأزمة.

وفي حال استمرار الأزمة مفتوحة فإن أوساطا قريبة من المحافظين ومن السلطة تقول بأن السلطات لن تلجأ إلى القوة أبدا، وأنها ستستعمل الشارع والفتوى ورجال الدين في مواجهة المحتجين وأن الأكثرية معها، وأن هناك تحضيرات تجري على قدم وساق للجوء إلى هذا الخيار. ومن جهة أخرى هناك إقرار من الطرفين بأن فرص الحل لا زالت ممكنة وأن هناك شخصيات لا تزال تملك القدرة نسبيا على التوسط باتجاه الحل وعلى رأسها رفسنجاني، وذلك على رغم كل ما تعرض له من أوصاف مسيئة في العرف الإيراني أو الإسلامي، حيث لا تزال هناك شريحة من المحافظين ترى في رفسنجاني أحد السبل الممكنة لإيجاد الحل، مثل رئيس البرلمان علي لاريجاني ، ومهدوي قني الأب السياسي لجمعية المناضلين (المحافظة)، كما أن المعارضة ستقبل به وسيطا ومن دون تردد.

والملاحظ في هذا الصدد أن رفسنجاني ابتعد عن المشهد السياسي بذريعة أنه غير راضٍ عن الوضع القائم برمته، مع تأكيد من بعض العارفين به، أن لديه انطباعا بأن الجميع سيعودون إليه لمعالجة الأزمة. ونقل عنه ما معناه: «لن أتدخل في الأزمة لأنني في مؤسستين هامتين في النظام (مجلس خبراء القيادة، ومصلحة تشخيص النظام) وما عندي فقد قلته في آخر خطبة جمعة لي بعد الأزمة، ولم يأخذوا بكلامي».والمحافظون عموما لن يردوا وساطة رفسنجاني في حال عاد واقترب من المرشد كما كان شأنه في السابق وليس على ما هو عليه حاله اليوم، أو إذا ألجأتهم الضرورة لمثل هذه الوساطة، وكلا الحالين يظلان ممكنين.

ومن بين المرشحين الآخرين المحتملين للعب دور في التوسط لحل الأزمة الرئيس السابق محمد خاتمي، والذي يقوم اليوم بما كان يقوم به سابقا رفسنجاني، أي محاولة تهدئة الأمور وتقريب وجهات النظر. إلا أن هناك من يتهمه في ولائه لمبدأ ولاية الفقيه، لذلك فإن قيامه بهذا الدور يظل منوطا بأدائه في المرحلة المقبلة، أي بعد أن يحدد موقعه من النظام وهويته العامة، وبالتالي فهو لا يزال أحد المرشحين المحتملين للقيام بهذا الدور مستقبلا ولكن ليس راهنا.

وبالنسبة لكيفية الحل فإن الصورة الكاملة لم تتضح حتى الآن، ولكن يمكن القول بأن الأحداث الأخيرة أعطت المحتجين الفرصة لتعزيز بعض مطالبهم والتي أصبح من الممكن وصفها بالمحورية، سواء في تأجيج الأزمة أو في إمكانية إيجاد الحل. وفي حال قبول السلطة بفتح قناة التفاوض مع المحتجين فإن هذه المطالب ستنحصر في ثلاث نقاط رئيسية: نزاهة الانتخابات، تقليص دور العسكر في السياسة، التزام الولي الفقيه بصلاحياته المنصوص عليها في الدستور وعدم تجاوزها.

1 - نزاهة الانتخابات: المعارضة تطالب بإيجاد آلية أو هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات المقبلة، وأن تكون بعيدة عن الضغوط من بقية الأجهزة والسلطات. والسلطات تجيب على ذلك بأن هناك مؤسسات تراقب الانتخابات وأن كل المطالب يجب أن تمر عبر المؤسسات الدستورية وهي متاحة للجميع.

2 - تقليص نفوذ العسكر والحد من تدخلهم -لاسيما الحرس الثوري- في الحياة السياسية، والتشديد هنا على أن ما تطالب به المعارضة هو ما نص عليه الإمام الخميني مؤسس النظام في وصيته. ويرد المتمسكون بدور الحرس الثوري في الحياة السياسية بالقول إن ما نهي عنه الحرس هو أن يرجح كفة فئة سياسية على حساب أخرى، أو أن يخل بالتوازن السياسي في البلاد، أما فصله عن الحياة السياسية فهو أمر غير ممكن بسبب طبيعة النظام الذي ينتمي إليه. وبعبارة أخرى وفق الرافضين، فإن هذا المطلب لا يستقيم مع دولة تحكم بنظام ولاية الفقيه إنما يصلح مع الأنظمة العادية، حيث لا يكون للحرس الثوري أو ما يماثله وظيفة سياسية. في حين أن وظيفة الحرس الثوري كما تنص على ذلك قوانين الجمهورية الإسلامية هي حماية نظام الولي الفقيه من المتآمرين عليه في الداخل والخارج، وهذه المهمة لا تتحقق بإخراجه تماما من الدائرة السياسية.

3 - المطلب الثالث هو حصر سلطات الولي الفقيه وصلاحياته بما نص عليها الدستور، وهو ما يقابله المعترضون بالقول بأن هناك مجلس خبراء القيادة مناط به الإشراف على أداء المرشد وفق الصلاحيات المعطاة له، وأن أي مطالبة بتفعيل دور المجلس أمر ممكن، أما ما عدا ذلك فلا شرعية له.

وفي الختام يمكن القول بأن كرة الأحداث كلما تدحرجت أكثر كلما ساهمت في رسم ملامح أيديولوجيا جديدة للمعارضة. فهذه الأحداث الأخيرة اتجهت مطالبها نحو تعديل مبدأ ولاية الفقيه بوضوح، ومن ثم أدخلت هوية النظام في الصراع السياسي من أوسع أبوابه. وهناك من يرى أن هذه التطورات في الداخل الإيراني إنما جاءت نتيجة للضغوط الخارجية، ومما يؤكد ذلك أن بعض الجهات المخالفة للتيار الإصلاحي تتهمه بأنه يخفي نواياه فيما يخص مستقبل النظام الإيراني القائم، وأن الإصلاحيين بدافع الولاء أو الخوف من الخارج يريدون التضحية بولاية الفقيه للحفاظ على إيران الجمهورية بصبغة إسلامية ظاهرية، أي إيران القومية المغلفة بغطاء إسلامي بدل إيران القائمة على الأيديولوجيا الشيعية الأممية.

العدد 2672 - الثلثاء 29 ديسمبر 2009م الموافق 12 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • دكتوره | 6:43 ص

      رد على بو خالد

      إيران مب المملكة الديكتاتوريه إلي أنت عايش فيها , دايماً إيران قاهره الجلف و حكمـاء الخليج و حتى الدول الكبرى لأن إيران دولة قوية من جميع النواحي دينية و أقتصاديه و أجتماعيه و حتى علاقة الشعب بالحكومة فالكل يناظر إيران ... عسى الله يحفظها و يحفظ جميع العلماء ...

    • زائر 1 | 9:10 م

      بو خالد

      لانهم مو قد قيادة الدول بالعدل و الديموقراطية لذلك سوف يسقطون قريبا ان شاء الله.

اقرأ ايضاً