العدد 2674 - الخميس 31 ديسمبر 2009م الموافق 14 محرم 1431هـ

بذخ ثاتشر أم إسراف المسئولين العرب

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

كشفت مستندات بريطانية رسمية رفعت عنها السرية، عن سلوكيات غير معروفة عن رئيسة وزراء بريطانيا الأسبق مارغريت ثاتشر.

ومن بين تلك الأمور جاء في إحدى الوثائق «كيف اضطر موظفو السفارة البريطانية في باريس إلى إقراضها المال لتغطية نفقات مشترياتها في المنطقة الحرة في المطار، واضطرارهم بعد ذلك إلى مطالبة رئاسة الوزراء مرات عدة بتسديد أثمان الفواتير التي دفعوها».

وكما جاء في تلك الوثيقة فقد بلغت «قيمة الفواتير 6.510 فرنك فرنسي».

صنف ذلك السلوك الثاتشري على أنه «نوع من البذخ»، والتصرف «غير المسئول في أموال الدولة»، الأمر الذي دفع موظفي السفارة إلى عدم التوقف عن مطالبتهم الخزانة البريطانية بتسديد المبلغ.

وثاتشر لمن لا يعرفها من أبناء هذا الجيل هي التي نجحت في وضع بريطانيا على أول درجات سلم الصعود بعد التدهور الذي بدأت تعاني منه منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، فوقفت بحزم، من أجل إعطاء المزيد من الأهمية للقطاع الخاص ولم تتوقف محاولتها للحد من دور الدولة في الاقتصاد، وشرعت في خفض النفقات العامة، ودشنت فيما أصبح يعرف فيما بعد بـ «ثورة ثاتشر».

وكما يعرف الجميع منا ليس هناك، في المجتمعات الغربية، أي حظر على الكشف عن أي شكل من أشكال التجاوزات السلوكية للمسئولين هناك، بما فيهم من يعمل في المؤسسات الدينية. فقد أعاد، شخص أطلق على نفسه أبو حنيفة المصري، نشر تقرير نقله عن موقع قناة الجزيرة التي نقلته عن وكالة الأنباء الفرنسية جاء فيه مطالبة «عضو بارز في الكونغرس ستة من أشهر قساوسة البرامج التلفزيونية في أميركا بالإفصاح الفوري عن كيفية تصرفهم في أموال التبرعات التي تتلقاها كنائسهم، وورود تقارير عن إنفاقهم الباهظ وبذخهم الذي وصل إلى حد إنشاء مراحيض من الرخام الخالص يكلف الواحد منها أكثر من 23 ألف دولار وامتلاك طائرات جيت خاصة وسيارات رولز رويس فارهة».

ويضيف المصري فيما نشره قضية إساءة استخدام الأموال من قبل القس كينيث كوبلاند الذي «طالب أعضاء كنيسته بتبرعات من أجل شراء طائرة خاصة قائلا حينها «إنها لن تستخدم أبدا لشيء غير ما هو لك أيها الرب المسيح».

من يطالع مثل هذه الأخبار، سواء عن المؤسسات الدينية، أو عن شخصيات مثل رئيسة وزراء بريطانيا التي نجحت، عندما جاءت إلى السلطة، في إحداث نقلة نوعية عززت من أوضاع الاقتصاد البريطاني في مرحلة كان مهددا فيها بالانهيار، يتساءل هل يحق للمواطن البريطاني أن يستكثر على رئيسة وزرائه مبلغا صغيرا لا يتجاوز الخمسة آلاف جنيه إسترليني، وهي التي قامت بما قامت به لصالحه؟

ثم يستتبع ذلك بتساؤل آخر ترى ماذا يمكن أن يقوله المواطن العربي عندما يقارن «بذخ» ثاتشر، بما ينفقه المسئولون العرب ممن هم ليسوا حتى في منصب رئاسة الوزارة، دع عنك أولئك الرؤساء؟

ولكي لا يتهم ذلك المواطن بتجنيه على أولئك المسئولين، سنعمد، في البدء، بالاستشهاد بمقتبسات وردت في تصريحات لهم. فقد نقل عن الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، أثناء استقباله المهنئين بأعياد ثورة سبتمبر/ أيلول اليمنية، دعوته «المسئولين الابتعاد عن مظاهر الترف والبذخ في المناسبات الاجتماعية كالأعراس وغيرها وبحيث يحرص المسئولون والميسورون في المجتمع على التواضع في تصرفاتهم وترشيد الإنفاق في مثل هذه المناسبات». هذه في دولة مثل اليمن تعيش نسبة لا بأس بها من شعبها تحت معدلات الفقر العالمية.

أما في مصر، فقد اضطر رئيس الوزراء المصري أحمد نظيف، بناء على توجيه من الرئيس حسني مبارك، كما جاء في القرار 1870 للعام 2009، بخفض «أعداد المرافقين للوزراء في سفرياتهم، وتكليف هيئة الخدمات الحكومية بإعداد تقرير حول أحوال السيارات الحكومية المملوكة للوزارات? والمحافظات ووقف شراء سيارات جديدة». جاء ذلك في أعقاب لفت الرئيس حسني مبارك نظر «رئيس الوزراء إلى البذخ الحكومي في الإنفاق وشراء السيارات الجديدة». هذا أيضا في مصر التي لا تتكرر فيها ثورات الخبز المعبرة عن درجة الفقر التي يعيشها المواطن فيها.

أما في العراق، وكما جاء في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، نقلا عن خدمات «لوس أنجليس تايمز» الصحافية، فإنه وبعد سقوط نظام صدام حسين، وجد من دخل قصوره ومنازله الفاخرة التي يملكها هو وأفراد أسرته «ما يزيد على 650 مليون دولار نقدا مخبأة في 164 صندوقا داخل غرفة محكمة الإغلاق، وسيارات المرسيدس المحصنة ضد الرصاص أو الزورق الفاخر الذي كان مخزنا في أحد المستودعات أو مجموعة سيارات الشيفروليه والبونتياك والسيارات الرياضية والسيارات ذات الأغطية القابلة للطي».

وتحدثت وسائل الإعلام الغربية عن تصرفات إحدى بنات رئيس عربي (ليس من بين الدول الخليجية) التي «لا تحب الحر... لذا فهي لا تصيف إلا في بريطانيا في فندق دورشستر اللندني لتقيم في جناح في هذا الفندق يكلفها فقط 2200 دولار في الليلة الواحدة».

وما تزال قصة فاتورة علبة اللبان (العلكة) التي بلغ ثمنها 869 جنيه إسترليني، تعود لإحدى بنات الأسر الحاكمة، والتي دفعت رئيس الوزراء البريطاني الأسبق طوني بلير للتدخل شخصيا لوقف التحقيق في ملابساتها غير غائبة عن الأذهان.

قائمة بذخ المسئولين العرب وأقاربهم طويلة لا تنتهي، وليس القصد هنا القول بأن ليس هناك قائمة مماثلة لدى المسئولين في دول أخرى، لكن بينما يتعرض هؤلاء للمساءلة من قبل مواطنيهم، يجد المواطن العربي نفسه مكمَّما بقائمة أخرى طويلة من الممنوعات التي، إن ساورته نفسها بتجاوزها، يصعب التكهن بالمصير الذي ينتظره.

ولذلك، ومهما بلغ بذخ ثاتشر، يبقى في نهاية المطاف قزما أمام إسفاف المسئولين العرب، يضاف إلى ذلك أن أيا من هؤلاء المسئولين لم يقدم لدولته نزرا مما قدمته ثاتشر لبريطانيا.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2674 - الخميس 31 ديسمبر 2009م الموافق 14 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 4:33 ص

      إلى ... مزامــــــير العبث الجهلــــــوي

      المنظر لطفلة أسمها رقية ، تقف بصمت لتشاهد المواقف التمثيلية ، في يدها اليمنى خبزة بجبنة طريّة ، واليسرى مائة فلس – روبية – ربما لشراء شراب الظلم ، لتبلع مناظر ومواقف البذخ للمال العام بالصبغة العالمية ... كل الشكر للكاتب وللوسط ... نهوض

    • زائر 1 | 10:09 م

      قـال : المـال في الغربـة وطـن ، فقـلت : والفقـر في الوطـن غربـة !!!!

      قـال : المـال في الغربـة وطـن ، فقـلت : والفقـر في الوطـن غربـة !!!!مع تحيات أم عبدالعزيز ...

اقرأ ايضاً