العدد 517 - الأربعاء 04 فبراير 2004م الموافق 12 ذي الحجة 1424هـ

تبادل الأسرى: صورتان مترادفتان تظهران ضرورة المقاومة

طراد حمادة comments [at] alwasatnews.com

النظر في حقيقة عملية تبادل الأسرى وجثامين الشهداء بين حزب اللّه والكيان الصهيوني يضعها في خانة العمليات التي تجري بين طرفين متصارعين في حال الحرب. وعليه فقد شهدت حروبا كثيرة، عمليات متشابهة لا ينفك جوهرها عن حقيقة الحرب نفسها، لكن ذلك لا يعني أن هذا الجوهر قابل لحمل أعراض مختلفة تشير إلى طبيعة المرحلة ومؤشراتها ما تعلق بمكانة الأطراف المتحاربة، وميزان القوة بينها ومسار العلاقات الحربية نفسها وبحثها المستمر عن معادلات جديدة، ذات طابع عسكري وسياسي على السواء.

أعلن أمين عام حزب الله السيدحسن نصرالله في حفل استقبال الأسرى، أن عملية التبادل كانت خالية من كل شائبة سياسية وتلك إشارة صريحة إلى طبيعتها الحربية، والدور الذي تضطلع به المقاومة الإسلامية، من جبهة لبنان مع فلسطين المحتلة في نطاق الصراع العربي - الصهيوني، وتلك قفزة نوعية تكشف ضرورة المقاومة، بعد أربعة أعوام على تحرير جنوب لبنان وبقاعه الغربي، وهي مرحلة كانت مليئة بالمواجهات داخل فلسطين المحتلة، ومن الجبهة اللبنانية في مزارع شبعا وعلى الخط الأزرق كانت آخرها عملية تدمير جرافة العدو التي اجتازت لأمتار قليلة الحدود اللبنانية، في قصفٍ صاروخي دقيق، يكشف عن مستوى جاهزية المقاومة الإسلامية وقدراتها العالية على حماية الأرض اللبنانية من الخروقات على الأرض، وكذلك في الأجواء، من خلال المضادات الأرضية التي جعلت ليل المستوطنات بالجليل قلقا من مطر الرصاص المقاوم.

وكشفت عملية التبادل ضرورة المقاومة وحاجة البلاد إلى سواعدها المقتدرة. وكذلك حاجة العرب والمسلمين إلى صمود أهل الثغور في لبنان وغيره من بلدان الطوق حول فلسطين في رفدهم أهل الانتفاضة بالقوة والدعم المادي والمعنوي. وقد أظهرت ردات فعل أهل فلسطين هذه الحقيقة من خلال الشعارات والمواقف المؤيدة للمقاومة الإسلامية وسيدها حسن نصرالله بالقول والهتاف الشجاع: «حزب الله ع الحدود».

التأييد للمقاومة واستشعار ضرورتها لم يأتِ من فلسطين المحتلة وحسب، بل تجاوزها إلى الأقطار العربية والإسلامية الأخرى، من اليمن إلى العراق ومن المغرب إلى سورية، ومن الخليج إلى مصر إلى إيران إلى بقية أرجاء العالم العربي والإسلامي في مواقف وحركات تشبه الاستفتاء العالم الذي أظهر إجماع الأمة على دعم المقاومة، واعتبارها الطريق السليم في مواجهة العدوان الصهيوني.

يعني هذا الاستفتاء الشعبي الذي كشف عن حال إجماع الأمة على أمر المقاومة، دخول المقاومة الإسلامية في لبنان في معادلة إقليمية - دولية جديدة تجعل من هذا الثغر المقاوم، جزءا من المواجهة العامة.

الأمر الذي حمل المراقبين، العرب والمسلمين والدوليين إلى اعتبار المقاومة الإسلامية في لبنان، والانتفاضة في فلسطين المحتلة، حقيقتين مترادفتين تقدم الواحدة منهما الصورة المفاضة للأخرى.

ويذهب بعض المراقبين إلى رسم صورة موازية للمشهد المعلن، بربطه بسلسلة المساعي الإقليمية والدولية، لتسويق التسويات السياسية للصراع العربي - الصهيوني، ولعله من المفيد القول إن هذا الصراع وفي فتراته التاريخية المتلاحقة، تناوبت عليه حالات الحرب والتسوية في منظورها الذي يربط الحرب بالسياسة فلا تبخل الجهات المعنية من رسم التسويات السياسية للعمليات الحربية، كما هو الحاصل في فلسطين، من خلال تناوب خطط التسوية مع فعاليات الانتفاضة العسكرية والعمليات العدوانية الصهيونية، ولذلك يرى المراقبون أن عملية تبادل الأسرى، مقدمة لتسوية ما يجري الإعداد لها على الجبهة اللبنانية - السورية من خلال إقفال ملف الأسرى، وانسحاب لاحق من مزارع شبعا، مع عودة المفاوضات على المسار السوري وفقا لإعلان مؤتمر مدريد وذلك بوساطة إقليمية تضطلع بها تركيا، وأخرى أوروبية، ويعطفون الأمر على تعاون إيراني- أميركي، سياسي وأمني ينطلق من العراق، ويصب في لبنان، وآخر سوري - إيراني ينطلق من لبنان ويصب في العراق والجولان. وغيرها كثير من المبادرات التي عليها الاستفادة من التوتر الراهن في المنطقة، لتبديد الجبهات وتسوية معضلاتها في سنة الانتخابات الرئاسية الأميركية.

ويرى المراقبون أن المرحلة الثانية من عملية التبادل برعاية الوساطة الألمانية وهي وساطة أوروبية في جوهرها والتي حددت بها مهمة زمنية تمتد إلى ثلاثة أشهر للكشف عن مصير مساعد الطيّار الإسرائيلي رون أراد، وعن الدبلوماسيين الإيرانيين الأربعة الذين خطفوا في لبنان على حاجز القوات اللبنانية المنحلة في شمال البلاد، وكذلك إطلاق عميد الأسرى اللبنانيين سمير القنطار وأخويه.

إن ترتيب المرحلة الثانية من عملية التبادل سيكون مصحوبا بتطورات مهمة على صعيد استعادت عملية التفاوض على المسار السوري، وكذلك ترتيب إجراء الانتخابات في العراق، ونقل السلطات إلى العراقيين، وترتيب وقف لإطلاق النار في فلسطين المحتلة بعد استعداد حكم من المحكمة الدولية ضد جدار العزل الصهيوني، إضافة إلى معرفة مصير حكومة العدو، في ملف الدعاوى المحلية ضد آرييل شارون، فإن الفترة الزمنية المحدودة ستكون عامرة بكل الخطوات لدفع مجريات العملية السلمية في المنطقة، وهو ما يسهل إعادة انتخابات جورج بوش، بعدما اصطدمت عمليات التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل بالعراق، بعقبات عدم وجود هذه الأسلحة المفترضة أصلا.

صورتان مترادفتان لوضع واحد، فيه جانب الحرب وفيه جانب «السلام». لكن الحقيقة التي لا يمكن مقاومة صحتها تقول إن عملية التبادل في مرحلتها الأولى وكذلك في مرحلتها الثانية، تبقى في جوهرها عملية تحصل بين المتحاربين في زمن الحرب نفسها، وان موقع الجبهة اللبنانية، بإدارة الحكومة اللبنانية والمقاومة الإسلامية المتحالفتين مع سورية ومع إيران، والمتعاطفين مع العراق الجديد تقدم صورة لميزان قوى يفيد أن من يريد السلام يجب أن يحضر للحرب، وأن لا سلام يحصل خارج عناصر القوة. ومستلزمات الانتصار، وقوة المقاومة الإسلامية، والانتفاضة في فلسطين، كفيلتان بتعيين تطورات المرحلة المقبلة، وبناء المستقبل بسواعد المجاهدين

العدد 517 - الأربعاء 04 فبراير 2004م الموافق 12 ذي الحجة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً